حول ما يجري من اتّهام لقصيدة الفيس بوك!
كيف يمكن أن يكون هناك قصيدة تسمى "زورا وبهتاناً" قصيدة فيسبوكيّة؟ وما الداعي لمثل هذه التسمية غير الواقعيّة؟ ألأنها تنشر على الفيسبوك؟ إن كان الأمر كذلك، فهل هناك قصيدة صحفية لأنها تنشر بالصحف، وقصيدة مجلاتية لأنها تنشر في المجلة؟ وهل هناك قصيدة ديوانية لأنها تنشر في ديوان؟ ثمة ما يدعو إلى الريبة والشك والسذاجة المطلقة في إطلاق هذه التسمية.
ثمة قصائد رديئة كثيرة، والأمر ليس مقتصرا على ما ينشر في الفيس بوك، وإن كان الشاعر مدفوعا للكتابة تحت ضغط الحضور الدائم أو التعبير الآني، وهذه الحالة من الكتابة تشبه كثيرا ما كان يكتبه شعراء اللحظة من شعر كذلك تحت ضغط الأحداث المتسارعة والمناسبات الوطنية، فيذاع أو ينشر مباشرة في الإذاعات الوطنية والثورية أو في الاجتماعات التأبينية والتكريمية أو في اللقاءات والمهرجانات الخطابية. ألم تكن بعض قصائد توفيق زياد منشورات سياسية تعبر عن تلك اللحظة السياسية التي كان الشاعر مأخوذا بالحديث عنها؛ فيفرغ طاقته الشعورية بلغة واقعية؟ هل كان زيّاد يكتب قصائد رديئة حينئذٍ؟!
فما الذي اختلف إذن سوى أن القصيدة اليوم تنشر على صفحة الفيس بوك، ويجري عليها ما يجري على كل قصيدة من جودة أو رداءة؟ على الرغم من أن مصطلح الرداءة والجودة مصطلح توهميّ. فمن هو الجدير بإلصاق تلك التهمة بأي نص أو منحه بالمقابل وسام التميز؟ وإن سلمنا بالذائفة المدرّبة التي لا تخدع صاحبها وأتاحت لنفسها المغرورة أن تلصق هذه التهمة بالنصوص المسماة في عرفها رديئة، فليس للأمر علاقة بالفيس بوك لنقول إنها قصيدة فيسبوكية رديئة، أو إنها رديئة لأنها قصيدة فيسبوك!
ثمة قصائد رديئة لشعراء كبار كذلك، إن أردت مجاراة هؤلاء بمصطلحاتهم، وثمة دواوين كاملة رديئة كثيرة قبل الفيس بوك وبعده، وهناك الكثير من الرداءة الكثيفة فيما ينشر في الصحف والمجلات الورقية قبل الفيسبوك وبعده، ويمكن أن يصفه هؤلاء بالرداءة أيضا، أم أن نشرها هناك يعفيها من تلك الصفة المسترذلة ويمنحها صفة الجودة على طول الخط؟!
لماذا يطلق هؤلا صفة الفيسبوكية فقط على القصيدة المنشورة على الفيسبوك، ليخضعوها لشروط التصنيف ومعايير الجودة والرداءة. هناك أنواع أخرى تنشر على الفيس بوك من قصص ومقالات وصور وتعليقات سياسية. فهل فكّر أحدهم بإلصاق صفة الرداءة أو منح وسام الجودة لتلك الأنواع؟ لماذا فقط الشعر والقصيدة؟ أم أن الشعر والشاعر أصبح مرجمة الناقد، ليدعي أنه حريص على الشعر وكأنه ورثه عن أجداده الشعراء الفُحُول، فكان هو الفحل الوحيد الذي يسبّح الشعر بحمده؟!
أظن أن المسألة بحاجة إلى تأن وموضوعية بعيدا عن المتح من بئر الماء الآسن وإطلاق التهم الجاهزة وما ذاك إلا لأن الكاتب ذو قدرة وسلطة نشر وتعميم وسيطرة على الآخرين، ليضبع العقول بتلك القوة الناعمة التي منحها على حين غفلة!
وعليه ستظل القصيدة هي القصيدة، إذ إنها ليست وجعا، وليست بحثا جماليا أو همّا فلسفيا وجوديا. القصيدة هي القصيدة أينما نشرت وأينما تبلجت روحها لا يؤثر في متعة كتابتها فيسبوك ولا جريدة ولا حتى مجلة محكمة رصينة. فالقصيدة نار ذات لهب أزرق يحرق أحشاء كاتبها قبل أن يحكم عليها كتبة مدعون بائسون، وهي كائن مكتمل الأهلية تعلن عن ذاتها بذاتها رضي عنها وعليها من رضي ورفضها من رفضها، ليست محتاجة لغير ضياء روح صاحبها المقتنع أنها حية تستحق أن ترفل بثيابها حتى وإن كانت فضفاضة يتعرقل بذيل كبريائها العميان المتربصون بعثرتها!
القصيدة أكبر قامة من ظل شجرة عديمة الأغصان يتسلقها المتسلقون النقدة ليهووا عليها بمعاول باذحة!
وسوم: العدد 672