قراءة في مجموعة الموتى يبعثون في غزة ليسري الغول
قارب الكاتب "يسري الغول" خلال مجموعة "الموتى يبعثون في غزّة" بثقافته الغنية تماماً مثل العرض الفيلمي الذي اقترب من التوثيقي التسجيلي بعرض الأزمنة والأماكن، مسجّلاً بتاريخ القصة في الأدب الفلسطيني إضافة نوعية كان قد اقترب منها المبدع غسان كنفاني حين كان ربط الأزمنة دون تحديدها، تجلت في معظم قصصه، كأقصوصة "قتيل في الموصل " واستخدم من خلالها طريقة الفلاش باك برمزية مبدعة حين عاد بالمشاهد عند البئر حيث قضت والدة بطلها في اللّد على غرار ما يفعله "يسري الغول في مجموعته حيث أرّخ باليوم والعام بعض الاحداث "اليهود هجروا أهلنا عام 1948"،" نحن في مارس 1914" مسجّلاً بأسلوبٍ شيّق يعتمد الحوار يوميات الحروب الثلاثة على غزة خلال 5 أعوام ويوميات الحصار ومعاناة السفر عبر معبر رفح "الغول الذي ذهب الى العالمية بإستضافته لأرنست همنغواي وبإضاءته على مجموعات قصصية من الأدب الغربي والعربي .. فالقضية لا يؤرّخ لها من خلال قوقعة!
وما كان اختياره لأرنست همنغواي في قصة "الموتى يبعثون في غزة "عشوائياً؛ فلقد اختار من ساق مركب العجوز ليواجه أسماك القرش في رحلته، ومن كان عميد الثورات والتصحيح في المنقلب الآخر من العالم الذي لا يعرفنا "أنا قادم ٌ إليك من عالمٍ يضّج بالخيال والإبداع أكثر ممّا تعرف"، "أنا لا أعرف غزّة هذه"، ومن قضى انتحارا ليعلي قضية الذين يعانون في هذا العالم المليء بالجور والظلم، ومن خلال حواره تظهر ثقافة الكاتب بقراءته لاصدارات همنغواي وسواها في المجموعة، لاسيما منها قصة بهاء طاهر"بالأمس حلمت بك" بعمقها للتواصل مع الآخر، وما حملته من لغة جديدة لعالم مقفرِ من معاني العدل والرحمة. بل ويضع على لسان همنغواي "أنا لا أعرف غزة هذه، لكنها بالتّأكيد ستظّل تعاني، لأنّ ما تبقّى في هذا الحضيض الذي تسموّنه (العالم) مخلفات بشرية، وستكتشفون كم أنتم أغبياء إن اعتقدتم أن أحداً ناصركم".
القاص ابن مخيم الشّاطئ الذي عايش حروب غزة ومعاناة أهل المخيمات كان أصدق مراسل لوجعنا، ويضع على لسان همنغواي أهمية هذا حين يقول: "لقد شاركت في الحرب العالمية الأولى والثانية، ولم أعد اشعر بالخوف والجزع والتعاطف إلى أن أصبت بجروح خطيرة وقعدت شهوراً بأحد المشافي أتجرّع الألم.. الألم الذي لن تعرفه إلاّ حين تعيشه"..
مجموعة "الموتى يبعثون في غزة" تُعتبر سيرة ذاتية لكل فلسطينيي الشتات والانسان العربي بالمجمل الذي غاب عن السمع والصورة، حيث صدّره "يسري الغول" من خلال استعراض مجمل النكبات والوجع والمتغيّرات السياسية والعسكرية طارقاً بوابة الانسان العربي النّفسية والاجتماعية، وسيرة غزّة الموجوعة الموجودة في عمق كل مشهدية من مشاهد المجموعة، بدءاً بإهداء الكاتب إلى كل المعذّبين والمقهورين والمضطهدين والتائهين وصولاً إلى من وجد جحيمه هنا، وإلى من وجد جنّته فعاشها ليستيقظ فيجدها هبّاءً"، "بصندوقها الاسود وبترانيم الوجع وهذا هو اسمي وانتهاءً بقصة سفر الغريب التي اختتم بها مجموعته بعمقها الدّلالي؛ فاستطاع أن يمحو في عرضه أسطورة الرّجل العربي ويجعله ملاذ بحثٍ من جديد.
وسوم: العدد 676