كتابُه العاشر في سلسلة "حياةٌ أدبًا": "بألَمِ ناجي نعمان وذكاءِ قلب"
صدر عن مؤسسة الثقافة بالمجان كتاب جديد للأديب ناجي نعمان، هو الخامس والسَّبعون في مسيرته الكتابيَّة، والعاشرُ في سلسلة "حياةٌ أدبًا". يحملُ الكتابُ عنوانَ "بألَمٍ وذكاء قلب"، وتزيِّنُ غلافه لوحة بريشة الفنان التشكيلي حسن جوني. وهو يقعُ في 224 صفحة من الحجم الوسط، ويتضمَّن 312 عنوانًا في القصَّة القصيرة والبَحث القصير والخاطرة، فيما العناوين تتوزَّعُ على توطئَةٍ ومداخلَ وثماني كتابات هي الآتية: نخسرُها الإنسانيَّةَ، ذكاء القلب، إلى فرويد (على أمل أن يُفسِّرَ بعض ما سيأتي)، بَشَريَّات، فِكريَّات، خاصِّيَّات، خاطِفات، ثقافيَّات.
قدَّم للكتاب الدكتور إميل كبا، ومما قاله: "هذا الكتابُ في حُكْمٍ قَبْلِيٍّ إضاءاتٌ، لُمَعُ إدراكٍ ورؤًى أدبيَّةٍ بفئاتِه الثَّماني، وَعْظِيَّةً ومَشْهَدِيَّةً وحتَّى خواطرَ غِنائيَّةً في النُّدرة، تَتوالى كالفِكرِ المُهَروِل في زَحمةِ الأيَّام وضِيق المَراحل، ويُدَوَّنُ المُستَطاعُ منهُ في قُصاصة، نَظيرَ ما تَفْعَلُ إبَّان وُقوفِكَ في بستان، تَنْتَقي منهُ رياحينَ وأورادًا أو تَصْطَفي بعضًا من ثمارِه، عاجِزًا عن أنْ تَحْمِلَها كُلَّها إلى بيتك...
"ما قالَهُ الكاتبُ ناجي نَعمان في كتابه شِرعةُ نظافةٍ كُتِبَتْ بالدَّمع المُبْتَسِم حينًا، وعلى الأكثرِ بسَوادِ المُقَلِ المَسْمولَةِ بالقَبائح. وهي مُجتَمَعاتُنا وحضارتُنا المُتَنَقِّلةُ عبرَ شُخوصنا على دواليبِ العَصر الذَّاهبِ انْحدارًا، حتَّى ما نَجِدُ بارِقَةَ أمَلٍ لإنقاذٍ بِسِوى العودةِ إلى الذَّاتِ الإنسانيَّةِ بغيةَ تَقويم أوَدِها، واسْتِرجاعِ بَكارةِ الخَلْق ِ الشَّريفِ إليها.
"ولَعَلَّ ذكاءَ القَلبِ، الَّذي يُبَشِّرُ به ناجي نَعمان، والشَّائعَ في ثَنايا كتاباتِه كُلِّها، يَلْتَقي وهذا الهدفَ البعيدَ المُستحيلَ المنشود، وما الاستحالةُ إلاَّ مِن أنَّ الحياةَ الإنسانيَّةَ، بنَسَق ِ تأَرْجُحها بين خيرٍ وشرٍّ، مُعَلَّقَةُ الرَّغبةِ والاختِيار أبدًا بين جحيمٍ ونعيم، جَرَّاءَ وُقوفِ الإنسان في مَنزِلَةٍ بين مَنزِلَتَين: الغريزةِ والقَلب، الشَّيطانِ والمَلاك، النَّقصِ والكَمال، الخطيئةِ والتَّوبة.
"لهذا السَّبب، كُلُّ إبراءٍ يَبْدَأُ مِن الإنسان الفَرد نفسِه، الخَلِيَّةِ الاجتِماعيَّةِ الأولى، كونَه أَهَمَّ مِن البشرِ جميعًا، فهو الَّذي صنعَهُ الله على مِثالِه وليس همْ في تَصَوُّرٍِ لأندريه جيد، أديبِ فرنسا، وبَعدُ، يُعْمَلُ على تَصييرِه خَلِيَّةً خُلقِيَّةً ناصِعَةً مُعافاةً تَنْتَقِلُ عَدواها منه إلى أقرانِه الأبعَدينَ قبلَ الأقربين. ويَقيني أنَّ ناجي نَعمان الكاتبَ، والشَّخصَ على مِثالِِه، في هذا الخَطِّ إنقاذًا للحضارة مِن بُؤسِها المُنْداحِ على سَعةِ المَظالمِ والشُّرور المُتفاقِمَةِ في هذا العصر.
"إنْ دُنْيانا تَفْتَقِرُ إلى عقليَّةٍ أكثرَ من احتياجِها حالاتِ قَوْنَنَةٍ، إلى إصلاحٍ فِكريٍّ يَفْضُلُ إلى بعيدٍ كُلَّ إصلاحٍ ماديٍّ، كَيما تَسْتَرِدَّ شيئًا مِن فردوسِها الضَّائع وتَدْخُلَ زمنَ السَّعادة الحقيقيَّة. والكُتَّابُ، في الفوضى العارمة وتَأَكُّلِ الأنظمة والشَّرائع بشَتَّى التَّجاوزات، بمُستَطاعِهم اسْتحداثُ هذه العقليَّة وهذا الإصلاح، فهمُ الملوكُ والأمراءُ الحقيقيُّون، ويَمْتَلِكون القدرةَ على تحريكِ الرَّأي العامِّ، جاعلين منه السَّيِّدَ الوحيدَ وصاحبَ السَّطوة لتَغيير الأقدار.
"وفي الانتِظار، وسطَ هذا الصِّراع الَّذي نَحياه، إنسانيَّةً وحضارةً، وفي رِبْقَة الشَّقاء البَشريِّ بمَعناهُ الوجوديِّ المُلْتَبِسِ، فلنُفَكِّرْ بالضَّوء لا بالأَمجاد، ولنُغَنِّهِ، فِعْلَ ناجي الكاتبِ والشَّخص، طريقةَ انْتِصار، وإذ نَفْعَلُ يَفْضُلُ غناؤُنا كلَّ غناءٍ لأنَّه السَّاطعُ برِضانا وصداهُ أبدًا هو النُّور.
"إذًا، يا كاتبًا بالأَلَم، لِنُغَنِّ ونُبَشِّرْ بالأَمَلِ لا الخَشْيَة، فنَحْصُدَ الفرحَ، مُرْدِي الانفعالاتِ والضَّغائن، مُرَدِّدين معك ما يَقولُه مُحَيَّا كتابِك الباسمِ السَّاخر مِن غيرِ شَتيمة: ألحزنُ ليس أبدًا نبيلاً، وليسَ أبدًا جميلاً، وليس أبدًا لِيُفيد".
وسوم: العدد 705