رواية حرام نسبي والنسبية
رواية "حرام نسبي" للأديب المقدسيّ عارف الحسيني، الصادرة عام 2017 عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع في رام الله وعمّان، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها مجد عسّالي في 312 صفحة من الحجم المتوسّط.
الرواية مكتملة العناصر لغة وموضوعا، تعالج في مجملها مشاكل المرأة في مجتمعنا الأبوي الذكوري، وخاصة مشاعرها الداخلية، وهي تنتظر الشريك المناسب، الذي يقبلها مساوية له ولا ينفر من تميزها. ومع شمولية الرواية، إلا أنها قدمت لنا صورة مشوشة عن الزواج، فالتقليدي فيه كبت للمرأة التي يجب عليها القبول بالحرية النسبية، كما أن الزواج عن حب وتوافق لم ينصفها أي المرأة، لأن حبيبها لم يقبل أن تتميز عليه زوجته، فهرب إلى من تنجب له الأولاد.
وقد أعجبتني النسبية التي تظهر في معظم زوايا الرواية، كما تبدو في كل نواحي حياتنا. أنا ألجأ إلي النسبية ببساطة، عندما يسألني البعض عن الصحة والأحوال، فأجيب قائلا: بالنسبة لسني أنا مْليح. وهذه عين الرضا، فلا أنسب للمطلق بل للمتغير. وأينشتاين شرح لنا نسبيته بشكل مبسط، كيف أن الشعور بالوقت أثناء انتظار دور الطبيب، يختلف عنه مع شلة أنس، مع أن الوقت هو الوقت. والحرام النسبي يظهر في بعض آيات القرآن الكريم، إذ تقول الآية الكريمة: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان". فالخطأ نسبي بالحَلف بالله. والبعض يقول: اليمين بكسر الهاء غيره بعدم الكسر. وفي الحديث الشريف أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يطلب إقامة الحد عليه، فحاول أن يثنيه عن طلب التهلكة قائلا: لعلك قبلت، لعلك لامست...إلخ، ليكون الجرم مخففا.
وعودة للرواية، فالنسبية في كل شيء هي الخط الموجه لحياتنا، تقودنا منظومة المصالح ولا تردعنا مبادئ الصواب والخطأ، والحرية هي لمن يستطيع امتلاكها وليس لمن يستحقها.
والبطلة حورية تتحدث عن أبيها الملقب بالشيوعي، الديمقراطي الليبيرالي مع التحفظ والنسبية، الماركسي في الشارع، والذي لا يمارس خلاف ما تفرضه الرجعية المطبقة على مجتمعنا في بيته. وهذه ربما من أكبر مفارقات الازدواجية في السلوك. ونظرة الناس لشخص ما نسبية: فرئيسة تحرير المجلة نظرت لشكل حورية، المنهك من أعباء العيش، فعكس أمامها نموذجا لكاتبة حكيمة مجربة متمردة موهوبة في الكتابة، ربما بسبب شعرها الأشعث، وعدم اهتمامها بالمكياج أو انتقاء ملابسها بعناية، بينما هي في الواقع منهكة من تفاصيل الحياة اليومية، والحالة الرمادية لعلاقتها الزوجية.
كما أن هذا الوضع وخيبة أملها جعلها تصنف الهزائم لراحتها إلى نوعين: الأولى تنتهي مهما طال الزمن فيلتئم الجرح، والثانية لا تنتهي أبدا وتصبح عقدة غبية لا تتخطاها. والديمقراطية شيء نسبي عند سميرة، وهي أن زوجها مش رايح يتدخل فيها، بتفيق إيمتى ما بدها وبتجلي إيمتى ما بدها، المهم يكون الأكل جاهز عميعاد ترويحته.
أما النسبية التي لفتت انتباهي أكثر من غيرها في قانون الأحوال الشخصية، فتبدو ظاهرة في وثيقة الطلاق، من تمييز بين الرجل والمرأة، حيث تُبرئ المرأة زوجها إبراء تاما، مقابل أن يطلقها طلاقا تملك به نفسها، أي أنها أثناء فترة الزواج لا تملك نفسها، بينما هو يملك نفسه متزوجا أو مطلقا.
الرواية اجتماعية، ولكن المكالمة في الفصل الأول توحي بشيء من الحيرة والتشويق المعلق كما يقولون a novel of suspense، كما في الروايات البوليسية. فحورية تهرع إلى بيت حبيبها على إثر مكالمة، ولا نكتشف سر حضورها لتلقى النظرة الأخيرة عليه وهو على فراش الموت إلا في آخر فصل منها، وبين الأول والأخير فصول عدة.
وسوم: العدد 715