ليلة تسليم جلجامش لليهود؛ فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (19)
# الشجرة الأم رمزاً قضيبيّاً !!
يتحدّث ناجح كثيراً عن أنّ الشجرة هي من رموز الإلهة الأم ، وبالتالي فهي من رموز زوجة باتا التي خلقتها الآلهة ، ثم يحاول وعبر مداورة عجيبة أن يثبت لنا أن من الضروري أن تقوم هذه الإلهة الأم بقطع الشجرة التي عليها قلب باتا لتقتله .. تقتل باتا .. طيّب . باتا قلبه على الشجرة ، فكيف تقطع وجودها ورمزها الأصيل كإلهة أم ؟ :
(وتوجه الرسل الى شجرة الطلح ، كاشف عن حماس الفرعون للقضاء على الرمز التعبيري/ المتناظر مع الزوجة التي صارت ملكة وفي كشفها للأصول الأولى في ديانات الشرق ، سنجد بأن الشجرة (الآن سوف تأتينا اقتباسات عن الشجرة كرمز للأم الإلهة من كل مصدر يصادفه ناجح!) علامة رمزية ، دالة على الام الكبرى تارة وكاشفة وعن محيط الالهة انانا/ عشتار الاسطوري والانثوي والتي هي ممتدة في حضارات الشرق كلها ، فهي عشتروت في سوريا وايزيس في مصر - ص 131) (121).
كيف يتم هذا التخريج الرمزي رجاءً ؟
إلهة أم رمزها الشجرة وتقوم بقطعها !!
هكذا يكون التأويل الرمزي نفسه صالحا لكل موقف حتى لو كان ضدّ الرمز نفسه ويقضي عليه .
هل نحن نقف أمام صورة لسرير "بروكست" ؟!
أعتقد ذلك .
يواصل ناجح القول :
(وانتهاء دور المرأة – الزوجة – في العلاقة مع "بايتي" يتطلب انتهاء لدور علامتها الدينية ، وهي علامة ثنائية في هذه الأسطورة الشجرة دال على الألوهة المؤنثة وأثمار الطلح رمز قضيبي ينطوي على دلالة مباشرة للزوج "بايتي" لوجود تناظر مباشر بين ثمرة الموز والقضيب الذكوري !!! - ص 131 و132) (122) (وعلامات الإستفهام التي تستحق أن نزيدها ، منّي ، أيّها السادة) .
شجرة أنثوية فيها ثمار ذكورية ترمز للقضيب !!
هل نحن بحاجة إلى أن نطرح خلاصة عن شجرة الطلح ونرفق صورة لها ؟ أعتقد أننا بحاجة إلى ذلك .
السَنْط أو الطَلْح أو القَرَظ أو (الأَكاسيا ( باللاتينية: (Acacia) جنس نباتي من الفصيلة البقولية.
نبات السنط “السيسبان أو الطلح” عبارة عن شجرة معمرة يصل ارتفاعها في بعض الأحيان إلى 20 متراً ، يحمل النبات أزهاراً صفرا زاهية وثماراً قرنية يصل طولها إلى 15 سم ، تحمل بداخلها عدة بذور تشبه إلى حد ما بذور الفاصولية لكن لونها بنّي ، تسمى البذور بالقرضي، كما أن جذع النبات يفرز مادة صمغية اشتهرت باسم الصمغ العربي.
لمعظم الأكاسيا زهور صفراء فاقعة ذات رائحة زكيَّة ، ولبعضها زهور بيض. تتجمع الزهور الصغيرة جدًا في بعض النباتات مكوِّنةً كرات كاملة.
وأشجار الطلح بشكل عام لا تتحمل الصقيع أقل من – 8 درجة مئوية لكن تتحمل درجات الحرارة العالية التي تفوق 40 درجة مئوية .
وعندما تتوفر الظروف الملائمة فأن أشجار الطلح من الممكن أن تنموا بمقدار 3.5 م في 4 أشهر فقط ….!!! وتصل شجرة الطلح إلى كامل نموها في 30 عاما ثم تبدأ بعد ذلك في التدهور (123).
إنّها شجرة "السيسبان" كما نسمّي الأكاسيا العراقية . فهي – ما دمنا اعتبرنا كل الاشجار نماذج للألهة كبرى – رمز للإلهة الأم . فكيف توافق الإلهة الأم على قطع وجودها حتى لو كان الهدف هو قتل باتا ؟!
ثمّ كيف تقوم إلهة أم بقتل إله إبن كما اعتبره ناجح وهي التي تنوح عليه كل عام – وأسطورة دوموزي وعشتاراستثناء - ؟!
إنّها حين تقوم بهذه الأدوار الشريرة المرتبطة بالموت تتحوّل إلى صورة لإلهة العالم الأسفل ، كالإلهة إريشكيجال إلهة العالم الأسفل السومري ، وليس للإلهة الأم الحنون ، وهذا ما حصل فعلاً . ومن آيات ذلك أن باتا قد أمضى أربع سنوات تقريبا بين موته وانبعاثه ، وكانت الفتاة زوجة للفرعون خلالها ، ولم تحبل منه ، ولم تنجب ، بالرغم من "الإتصال الإدخالي" الذي كان الفرعون يقوم به معها بالتأكيد . وهذا العقم من علامات إلاهات وغيلان العالم الأسفل كما تشير – مثلا – أسطورة هبوط إنانا إلى العالم الاسفل .
ولو انتبهنا إلى إحدى المعلومات التي ذكرناها عن شجرة الطلح فإن زهورها الصغيرة تميل للتجمع لتكوّن كرةً تشبه القلب . وهذا التكوين هو الذي كان يقصده باتا حين قال لأخيه أنه سوف يضع قلبه على زهرة الأكاسيا ، فإذا لم يكن على هذا التكوين الكروي فسوف يسقط إذا وضع على زهرة واحدة لأن زهور الطلح صغيرة وناعمة .
ثم هل هناك أحد تحدّث عن "الموز" ؟ فناجح يقول :
(إن ثمار الطلح رمز قضيبي ينطوي على دلالة مباشرة للزوج "بايتي" لوجود تناظر مباشر بين ثمر الموز والقضيب الذكوري !!!) .
# خطأ في فهم السحر التشاكلي والإتصالي :
------------------------------------------
ينتقل ناجح للحديث عن اللحظة السحرية التي فسدت فيها الجعة في كأس الأخ الأكبر بعد أن قُطعت شجرة الطلح ، وسقط القلب ، ومات الأخ الأصغر ، وهي العلامة التي قالها باتا لأخيه ، والتي ينبغي عليه أن ينطلق كي ينقذه حين يراها :
(الشاب "بايتي" وضع قلبه على زهرة الطلح بقوة السحر وفوران الجعة في كاس "انوبو" حاصل بفعل السحر الاتصالي ، وانقاذ "بايتي" لا يتم الا من خلال السحر التشاكلي والذي يلزم الاخ الاكبر بالقاء الكاس على الارض كي يتحول نظيرا للقلب الساقط على الارض ، ومن ثم يكون بديلا عنه وظل القلب محميا بقوة السحر !!! - ص 137 و138) (124) (وعلامات التعجّب منّي أيضاً ، حيث يبدو أننا بحاجة إلى التذكير بالتعريفات البسيطة والأولية) .
لنتأمل ما يقوله ناجح تفصيليا ثم نعلّق على تحليله . يقول أن أنبو كان يشرب الجعة ففارت في الكأس ، بقوة السحر الاتصالي . أي شيء اتصل بأي شيء ؟؟ لا ندري !
وإنقاذ باتا لا يتم إلا بالسحر التشاكلي ، أي على الأخ الأكبر أن يلقي الكأس على الأرض ، فتصبح شبيهة بقلب باتا الساقط على الأرض ، وتكون الكأس بديلا عنه ، ويصبح القلب محميّاً من الفناء !!
دعونا نعرّف مصطلح "السحر الاتصالي" و "السحر التشاكلي" وحسب "جيمس فريزر" الذي هو أفضل من حدّد معاني هذين المصطلحين من خلال تحديد المبادىء التي تحملهما فقال :
(1- (قانون التشابه) الشبيه ينتج الشبيه ، ويُسمّى هذا النوع السحر التشاكلي أو سحر المحاكاة ( المعلول يشبه علته) : (يستطيع الساحر تحقيق أهدافه من خلال المحاكاة أو التقليد ومن خلال استخدام الطلاسم والتعاويذ الخاصة ، فما يفعله الساحر في أي شيء مادي سيؤثر في الشخص المراد ايذاؤه او تدميره فيقوم الساحر بتدمير صورة رمزية للشخص المعني اعتقادا منه ان تلك الصورة اذا تضررت سيتضرر صاحبها ويموت بالضرورة. مثال : يقوم الهنود الحمر في امريكا الشمالية برسم صورة للشخص المراد ايذاؤه في الطين او الرمل او الرماد ثم يقوم الساحر المختص بطعنها بخشبة صغيرة حادة او سهم ، معتقدا ان ذلك سيؤدي الى موت الشخص الحقيقي أو مرضه ، وذلك بحسب نية الساحر . وقد يقومون بنحت تمثال صغير ، ثم يتم طعنه بواسطة ابرة او سهم او ربما يتم حرقه ودفنه ليموت الشخص المقصود ، إيماناً منهم بأن ما يقع على التمثال سينتقل وفقا لقوانين معينة الى ذلك الشخص، ولذلك يقع السحر التشاكلي في خطأ منطقي وهو (إن الاشياء المتشابهة متطابقة). غير ان السحر التشاكلي أو سحر المحاكاة قد يقصد به خير المجتمع أو الشخص أو معالجة الامراض أو مساعدة المرأة العاقر على الانجاب ، فالمرأة العاقر في سومطرة مثلا تصنع دمية خشبية صغيرة وتحملها في حجرها على أمل ان يؤدي ذلك الى انجابها وتحقيق أملها ، كما يقوم السحرة في مواسم القحط بطقوس رمزية تحاكي نزول المطر مثل رشّ الماء او سكبه من خلال غربال ، ومن خلال طقوس جماعية ينفذها ابناء القبيلة او القرية . وفي المانيا قديما كانوا يضعون الأسنان المنزوعة خلف الموقد أو يقذفون بها من فوق رؤوسهم وراء ظهورهم ويقولون : أيّها الفأر اعطني سنّك الحديدية الصلبة ، وخذ بدلا منها سني المصنوعة من عظم) (125). 2- قانون الإتصال : (إن الاشياء التي كانت متصلة ببعضها في وقت ما تستمر في التأثير ببعضها البعض حتى بعد انفصالها فيزيقيا ، ولذلك فإن ما يفعله الساحر في أجزاء الشخص المنفصلة عنه كالشعر أو الاظافر أو الثياب غير المغسولة والتي تحتوي على شيء من رائحة تعرق الشخص. ولذلك يقع السحر الاتصالي في خطأ افتراض أن الاشياء التي كانت متلامسة ومتصلة ستبقى على علاقة اتصالية باستمرار . ويشترط السحر الإتصالي وجود وسيط مادي يقوم بتوحيد وربط الأشياء البعيدة ونقل الانطباعات والتأثيرات ، فقد يتم خلط بقايا شعر الإنسان أو أظافره بتمثال من الشمع ، ثم يتم تعريضه للنار ليذوب معتقدين أن ذلك سيؤدي الى موت ذلك الشخص المعني) (126).
هل نحن بحاجة إلى شرح وإفاضة لنبيّن مقدار الخطأ الذي وقع فيه ناجح ؟
فبالنسبة لما اعتبره سحرا اتصاليا بين القلب الذي على الزهرة والجعة التي في الكأس ، لا توجد أي علامة على "الإتصال" بجسد باتا .
أما بالنسبة لما اعتبره سحرا تشاكليا فلا أساس له أيضاً ، فقد سقط القلب من على الزهرة ، وأسقط الأخ الأكبر كأس الجعة على الأرض . وبذلك سوف يتضاعف "موت" القلب والضرر الذي يحيق به إذا كان هناك سحر تشاكلي أصلاً !! أي أن سحر ناجح هذا سوف يضاعف موت باتا ! وإذا أراد أنبو القيام بسحر تشاكلي فعليه أن يأتي بكأس ماء مثلا ويضع فيه ما يشبه القلب ، لينتقل الفعل السحري ، ويُحفظ القلب الساقط على الأرض من الجفاف والموت !! وهذا ما قام به أنبو فعلا عندما وجد البذرة ووضعها في كوب من الماء ، فانتفخت وأخذت شكل القلب ، وتحرك قلب باتا وانبعث من جديد .
ثمّ لا أدري من اين أتى ناجح بحركة رمي الكأس على الأرض ، فهي غير موجودة حتى في كتاب "سليمان مظهر" وهو المصدر الذي اعتمده ناجح !!
وسوم: العدد 718