(قالوا نفقد صُواع المَلك)
سورة يوسف عليه السلام بكثرة تفاصيلها وتنوع المواقف فيها وكثافة رموزها وتباين النماذج الإنسانية فيها.. كم استعان بها الشعراء على سبيل التناص أو التضمين في تصوير أحوالهم النفسية وصبوات أرواحهم مما لا يمكن جمعه وإحصاؤه، وبراعة الشاعر لا تتجلى - كما يتوهم بعضهم - في اصطياد غرائب المعاني وبدائد الصور، وإنما تتجلى في تحريض الشاعر لما هو قار في ذهن المتلقي كامن في ضميره، عالق بفؤاده، لاسيما إذا كانت هذه المخزونات المعرفية ذات طابع قداسي مهيب، فهذه السورة بكل مكوناتها الخفية والظاهرة من أكثر السور علوقًا في الوجدان، وتأثيرًا في النفوس والأذهان، مع أنها ليس فيها أمر ولا نهي، ولا تحليل ولا تحريم، بل سرد لوقائع وأحداث واستعراض لمشاهد وشخوص، ومن بين ذلك كله تتدفق العبر وتستفيض العظات، فهناك يوسف وحسنه وعفته وأمانته، ويعقوب وحزنه وابيضاض عينيه وارتداد البصر إليه، وإخوة يوسف واتفاقهم على الغدر بأخيهم والإطاحة به، وامرأة العزيز وافتتانها بالحسن وانزلاقها في الشهوة الجسدية على ما هي عليه من مرتبة اجتماعية سامية، وصويحباتها اللواتي قطعن أيديهن حين برز عليهن يوسف، وخرجن عما جرت به العادة من وصف ما هو مذهل مدهش بأنه من عوالم الجن، فشفَّت نفوسهن وأكبرنه ووصفنه بأنه ملَك كريم.. إلى غير ذلك مما وقف عنده الدارسون من ذوي الرؤية الفاحصة والتحليل القويم.
وأمام ناظري ثلاثة أبيات أوردها ياقوت في (معجم الأدباء) ١٨١٩/٤ لعلي بن عبيد الله السمسمي النحوي تأملت بنيتها اللغوية والمعنوية طويلًا لا لموضوعها الذي يبسطه الشاعر، فهو موضوع معروف تداوله الشعراء الذين لوعت أفئدتهم لحظات الوداع، وحالة وجدانية نلمح صورًا لها مبثوثة في قصائد أهل العشق وأرباب الوفاء، وانما استوقفتني بارقة من بوارق سورة يوسف لا يكاد يتنبه إليها
أحد، كيف تهدَّى إليها الشاعر بصفاء ذهنه وتوقد خاطره وتجنُّح خياله ومرارة التجربة التي كوت فؤاده فأملت عليه هذا المعنى العجيب:
أتُــرى الجيـــرةُ الذيــنَ تَنــــادَوا
بُكـــرةً للزِيــــالِ قبـــــلَ الـــزَّوالِ
علِمــوا أننـــي مقيـــمٌ... وقلبــي
معهــــم واخِــدٌ أمـــامَ الجِمـــالِ
مِثْلَ صاعِ العَزيزِ في أرحُلِ القو
مِ، ولا يعلمــونَ مــا فـي الرِّحــالِ
واخد: مسرع.
وسوم: العدد 729