أغلاط حمدي السكوت ورفاقه في(قاموس الأدب العربي الحديث)! الأهواء؛ تصنع الأوهام!
"إذا رأيتم الأهواءَ تلعب بأصحابها؛ فلا تلتفتوا لِهُرائهم البغيض"! حكمة فرعونية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تناصحوا في العلم؛ فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله؛ وإن الله سائلكم يوم القيامة .."!
قال إبراهيم بن الخوّاص: "ليس العلم بكثرة الرواية؛ وإنما العالِم من اتبع العلم، واستعمله، واقتدى بالسنن؛ وإن كان قليل العلم"!
وقال الجاحظ عن أهمية الكتابة، ورسالتها، والتدقيق فيها، وتمحيص ما نكتبه قبل عرضه على الناس؛ فتكون الطامة الكبرى: "الكل خصمك فيما تكتب؛ إذاً؛ فتخلص مما تكتب"!
وقال السجستاني في(المِلَل والنِّحَل) عن ضعف الكتابة وهوانها على غير أهلها؛ من المدعين: "نسجوا؛ فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا"!
وقال عبّاس العقّاد: "الكتابة؛ هي الجديد المفيد؛ لا اللغو الفارغ، والاجترار الممقوت، ولا العنجهية الكاذبة"!
وقال جبران عن التقليديين الترقيعيين التلفيقيين: "إن من لا يستطيع خياطة ثوب جديد يعود؛ فيرقِّع أثوابه العتيقة"!
ويقول المستشرق الإسباني أورتيجا دي جاسيت: "لأن الكُتُب بالمعنى الدقيق للكلمة؛ أعمال الرجال؛ وليست زوائد نباتية في الأشجار، أو رواسب جوية"!
* * *
أجل أجل؛ أعترف؛ أنني قرأت هذا الكتاب قراءة عابرة؛ ثم قرأته قراءة متأنية؛ ثم قرأته قراءة عميقة؛ فما وجدته في كل هذه القراءات سوى نموذج ردئ للكتابة العقيمة؛ ونموذج أسوأ لأدب الشللية، والحديث عن الأصدقاء بالأساس؛ باسم الأدب؛ الذي هو براءٌ؛ من هذه الكتابات غير المنهجية، ولا الفنية، ولا الأكاديمية على الإطلاق!
فبدايةً من العنوان(قاموس الأدب العربي الحديث) تحرير حمدي السكوت ورفاقه؛ فلا هو قاموس، ولا هو أدب، ولا هو تراجم؛ فالقائمون عليه؛ ارتأوا أن يكتبوا عن بعضهم، وعن بطانتهم، وعمَّن يحبون؛ طبقاً لمعيارهم في الاختيار القائم على غلبة الاتجاه، والأيديولوجيا، والأهواء، ولو جاء العمل مخالفاً للأعراف العلمية والأكاديمية والأدبية!
ففي طبعتَي الكتاب(2006م دار الشروق بالقاهرة، و2015م الهيئة المصرية العامة للكتاب) كانت مقدمته فقيرة لا تفي بشئ، ولا تقدم نفسها إلا على سبيل التباهي والتشامخ والتطاول؛ بأنها أتت بما لم يعرفه العرب من قبل؛ ؛ في حين أن عملهم هذا يسير على أرجل الفئران؛ فلم يره أحد، ولا احتفى به أحد له قيمة واعتبار في عالم النقد والأدب والثقافة!
حتى في الطبعة الثانية؛ فلم تفطن ورشته؛ إلى كم الأخطاء القاتلة التي وقع فيها أهل الورشة، وأدب الورشة، وما أدراك ما أدب الورشة في عالم اليوم بين الجامعيين والأكاديميين، وغير الأكاديميين؟!
انظروا أولاً؛ كيف أن هيئة تحرير القاموس الموقَّرة؛ خالفت القواعد الصارمة للإشراف على أي عمل علمي؛ فبدلاً من الحيدة والنزاهة والموضوعية؛ رأيناها تقترف جنايات وإساءات؛ لا يقع فيها الأغرار من صغار الباحثين؛ فما بالنا بمن يصفون أنفسهم بديباجة علمية تخضُّ الأسد في عرينه؟!
فالقائمة طويلة جداً بالمؤاخذات القاتلة، والجرائم الأدبية التي وقعوا فيها عن عمدٍ وترصد؛ لكننا نكتفي ببعض النماذج فقط! فقد كتب الدكتور الراحل/ علي عشري زايد(وهو على رأس هيئة الاختيار والإشراف والتحرير) عن فاروق شوشة الراحل(وهو من هيئة التحرير والاختيار أيضاً)! والأعجب أن نجد تراجم لـ(علي عشري زايد، وعاطف العراقي، وعبد العزيز حمودة، ومحمد جبريل، ويوسف الشاروني) وهم من هيئة التحرير!
ولنا أن نسأل هؤلاء الأشاوس المغاوير الجهابذة: تُرى هل كان غرضكم من تأليف هذا الكتاب؛ هو التفاخر على الملأ؛ بأن هذا الكتاب؛ هو أول عمل في بابه عربياً كما تدَّعون وتتخرَّصون؛ ولو تواضعوا بعض التواضع، ورجعوا إلى ماكتبوه؛ لدفنوا عملهم هذا المعيب، والضحل في رمال النسيان والإهمال!
والأنكى؛ والأشد غرابةً وجهلاً، وفقراً أسلوبياً وبلاغياً ومنهجياً؛ أن يترك القائمون على هذا القاموس المجروح؛ وهم:(حمدي السكوت، ومحمود الربيعي، وفاروق شوشة، وعلي عشري زايد، ومحمد الجوادي، ومحسن جاسم الموسوي، وحسين حمودة، وسامي سليمان، وحماسة عبد اللطيف، وعبد الحميد شيحة، وأحمد درويش، ومحمد جبريل، وغيرهم) .. يتركون أعلامَ الأدب والنقد والثقافة في مصر والعالم العربي؛ مكتفين بسد الخانة والورق والغرض والاختيار؛ بمن لا وزن لهم، ولا قيمة، ولا مكانة؛ حتى وإن لم يعترفوا بهؤلاء المتروكين لغرضٍ في نفوس القائمين عليه؛ فقد تركوا؛ ويا لها من سقطةٍ لا تُغتفر لهؤلاء المزاجيين الخاضعين لسلطان الأهواء على حساب سلطان الحق والحقيقة! تركوا هذه الأسماء العريضة والثقيلة في دنيا الأدب والفكر والنقد، من أمثال:( فؤاد صروف، وعبد الله العلايلي، وروز أنطون حداد، ونقولا الحداد، وخليل سعادة، ومحمد بن محمود الشنقيطي التركزي، وبدوي طبانة، ومحمود فهمي حجازي، وفؤاد سيد، والطاهر أحمد مكي، وكمال بشر، وتمام حسان، وعبد الرزاق السنهوري باشا، وسعيد عاشور، وعلي مبارك، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وطنطاوي جوهري، وحسين المرصفي، والسيد أحمد صقر، ومحمد عبد الخالق عضيمة، وناصر الدين الأسد، ومحمود علي مكي، ومحمد عناني، ومصطفى ناصف، وجورج شحاتة قنواتي، ومحمد عبد الله دراز، وأحمد فؤاد الأهواني، وحسين مجيب المصري، ورمضان عبد التواب، ومحمد حسنين هيكل، وعبد الصبور شاهين، وأبو القاسم كرو، ومراد وهبة، وعلي أبو المكارم، ومحمود الزبيري، وعلي الوردي، وبول غاليونجي، وثريا ملحس، وعبد الهادي التازي، وأنستانس ماري الكرملي، والخطّاط سيد إبراهيم، والشيخ/ محمد رفعت، والشيخ/ سيد النقشبندي، ومصطفى الشكعة، وعبد التواب يوسف، وأنور العطار، ومحمود الطناحي، وعبد القادر حمزة باشا، وسليم حسن، وعباس حسن، وأمير بقطر، ومحمد مظهر سعيد، ومحمد الخضر حسين، وأحمد حسن الباقوري، ومحمد الغزالي، وصافي ناز كاظم، ووداد سكاكيني، وخليل صابات، ووديع فلسطين، وأمين نخلة، وفاطمة روزاليوسف، ومصطفى جواد، وعبد السلام ذهني، ونصر الله مبشر الطرازي، وغيرهم من أساطين الأدب والفكر والنقد)!
وأقولها بكل أمانةٍ؛ فلو قرأ هؤلاء الناس أدباً حقيقياً؛ وتذوقوا الفن؛ لأدركوا أن قاموسهم هذا؛ فاقدٌ للشرعية الأدبية، والأهلية الأسلوبية؛ باستثناء نماذج قليلة لمن شاركوا على وجلٍ واستحياءٍ؛ من قبيل:(وديع فلسطين، ويوسف الشاروني، وعبد العزيز حمودة) في تحرير بعض مواده؛ التي كانت فتحاً في الترجمة!
بل؛ إن مقالة عبد الحميد شيحة عن الشيخ/ مصطفى عبد الرازق مثلاً؛ لهي الدليل الدامغ على ضعف الكتابة، وضعف أسلوبها؛ فلم يعطِ الشيخ حقه في الإصلاح والتجديد؛ وكأن الشيخ كان هملاً، وليس من رواد النهضة الحديثة!
ويظهر من هذا القاموس؛ أن حمدي السَّكُّوت لا يؤمن بالتخصص؛ ولا يعترف بالموهبة؛ فمن خصَّهم بالكتابة عن أدباء المهجر؛ هم مَنْ لم يُعرفوا بالكتابة العالية؛ ولا هم مَنْ ارتبطت حياتهم بحيوات شعراء المهجر الكبار في الولايات المتحدة، والبرازيل؛ فيكفي أن نعرف أن الأديب الكبير/ وديع فلسطين(94 عاماً) الذي يمتلك آلاف الرسائل الخطية والشخصية مع: الشاعر القروي، وجورج صيدح، وزكي قنصل، وبولس سلامة، وإلياس فرحات، وأحمد زكي أبي شادي، وإلياس قنصل، وغيرهم من الرواد المهجريين) .. لم يسند له حمدي السكوت أي ترجمة لهؤلاء المهجريين! بينما؛ أسندها لمن لم ير هؤلاء، ومن لا يعرف مشوارهم الأدبي والحياتي، ولا يمتلك حاسة الكتابة بعمق الفن، وقلب العبقرية؛ كـ(وديع فلسطين مثلاً)!
أمّا مَن احتفي بهم هذا القاموس الغريب المريب؛ فهم:(صلاح جاهين، وأحلام مستغانمي، ومجيد طوبيا، وأحمد عبد المعطي حجازي، وعزت الطيري، وعلاء الأسواني، ومنتصر القفاش، ومي التلمساني، ومي خالد، ونوال السعداوي، ويحيى الرخاوي، وحلمي سالم، وحيدر حيدر، وشريف حتاتة، وحجاج أدول، ومحفوظ عبد الرحمن، وعلى جعفر العلاق، ورضوى عاشور، وإدريس علي، وحمدي أبو جليل، ورجاء النقاش، وسمير سرحان، وأحمد إبراهيم الفقيه، وأنور لوقا، وحسين أحمد أمين، وإدوار الخراط، ومحمد البساطي، وفوزية مهران، وعلاء الديب، ومهدي يوسف، وحنان الشيخ، وغيرهم وغيرهن؛ ممن يسيرون على مذهبهم الفكري)!
وأكتفي بهذا النقد الأمين؛ أملاً في تصحيح مسار هذا القاموس؛ في طبعة أخرى؛ تكون فيها الكفة؛ لأهل الكفاءة والاقتدار الأدبي والنقدي والفكري؛ ومن لهم دور حقيقي في نهضة الأدب وتجديده؛ وليس أصحاب الصوت العالي، والأدب الهابط، والشللية المريضة، والأوهام العريضة!
وسوم: العدد 730