رواية "قلب مرقع" في اليوم السابع

clip_image002_96ee4.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية "قلب مرقع" " باكورة اصدارات الكاتبة الفلسطينية بيان شراونة، وتقع الرواية  التي صمّم غلافها فادي حمدان في 158 صفحة من الحجم الكبير، وصدرت عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس. 

بدأ النّقاش ديمة جمعة السمان فقالت: 

"قلب مرقع" رواية تلقي الضوء على قضية اجتماعية حساسة يتجنبها العديد من الكتّاب.  قلب مرقّع" عنوان موفق لرواية عانى شخوصها من واقع اجتماعي أليم حطم قلوبهم..  فلم ييأسوا.. عادوا ولملموا شظايا قلوبهم المتناثرة.. على أمل أن يعيدوها  مكانها من جديد.. فيفتحوا صفحة جديدة مع الدنيا.. بانتظار أن يروا وجهها الآخر.. ليكتشفوا أن قلوبهم لم تُجبر بعد.. لا زالت مرقعة تشهد على ماضيهم.   

بيان شراونة كاتبة ناشئة نجح قلمها في نقل تفاصيل قضية اجتماعية في غاية الأهمية، غابت عن الكثيرين، تجنب تناولها معظم الكتاب، إما لعدم الإلمام بتفاصيلها، أو لشدّة حساسيتها،  فتفتح عليهم أبوابا ليس من السهل إغلاقها. 

تحدثت الكاتبة  -بجرأة لا تخدش الحياء- عن واقع يعيشه عدد لا بأس به من الإناث في سن المراهقة في ظل مجتمعنا الذكوري غير المنصف للجنس اللطيف. ألقت الضوء  بجرأة ملتزمة على ما يجري خلف بعض أبواب البيوت في زوايا الممنوع، وما يجري داخل بعض الملاجئ،  وتبعات ذلك على سلوكيات هؤلاء الضحايا. 

أما الأسلوب فقد تميز بعنصر التشويق اللافت.  تم بناء  الشخوص على أسس نفسية تربوية اجتماعية سليمة،  تركت الكاتبة الضحايا من المراهقات يتحدثن عن أنفسهن بحرية دون  تدخل، فباتت الأحداث تتسلسل بصورة ناعمة مقنعة زادت من أهمية الطرح. 

لا شك أن مكتبتنا الفلسطينية تفتقر الى هذا النوع من الطرح الاجتماعي والنفسي. 

وقال جميل السلحوت: 

في هذه الرّواية، تطرق الكاتبة الفلسطينيّة الشّابّة بيان شراونة بابا لا يزال مغلقا أمام الرّواية الفلسطينيّة بشكل خاص، والعربيّة بشكل عام، وهو باب الحياة الاجتماعية من خلال الأسر المفكّكة، ووقوع الأطفال ضحايا لذلك. 

فسالي وأمل شقيقتان، والدهما مدمن كحول ومخدّرات، وأمّهما امرأة عاديّة مغلوبة على أمرهما، تتعرّض للشّتائم والضّرب بشكل مستمر من زوجها، ولا خيارات أمامها سوى الرّضوخ والسّكوت في مجتمع لا يستسيغ الطلاق، وحفاظا على أطفالها. الزّوج أبو رفعت يحبّ ابنته أمل، ويكره ابنته سالي لأنّه يعتبرها "زيادة" في الأسرة، إضافة إلى كونها ليست جميلة مثل شقيقتها أمل، لذا فإن سالي تتعرّض إلى الاضطهاد والضّرب بلا سبب، وموقف الأب السّكّير هذا أثار نار الغيرة بين الشّقيقتين. ولم يتوقّف عند هذا الحدّ بل دمّر الأسرة. وشرّد الأطفال بين دور الرّعاية التي ترعاها الشّؤون الاجتماعية، وملاجئ الايواء والأديرة. 

ضياع الأسرة الذي تسبّب به الأب جعل أطفالها عرضة لأطماع المنحرفين، فمثلا سالي تعرّضت للاغتصاب وهي طفلة، وأودعت في دار رعاية وحماية على جريمة لا ذنب لها بها، بل هي ضحيّة لها، ومن ثمّ أودعت في ملجأ تابع لأحد الأديرة. 

الرّواية لم تقتصر على طرح حكاية سالي وأسرتها بل تعدّت ذلك بكثير، فسالي سردت ما تعرّضت له هي وأخريات في دار الرّعاية وملجأ الدّير من اهانات وانتهاكات لحقّها في طفولة آمنة. وسردت حكايات طفلات أخريات من نزلاء هذه الأماكن. منها حكاية تلك الطفلة سلام، وهي طفلة لقيطة، ألقت بها والدتها أمام الدّير منذ ساعة ولادتها الأولى مع رسالة لمن يلتقطها. وسردت معاناة هذه الطفلة وما تتعرّض له من أذى من قبل النّزيلات. ولكلّ طفلة وطفل من روّاد هذه الأماكن حكايته المثيرة والمرعبة. 

والرّواية تعرض لموقف المجتمع السّلبي من الأطفال الضّحايا مثل سالي. فسالي التي تعرّضت للاغتصاب في طفولتها لم تجد من يحميها، أو يدافع عنها، ولم تجد صدرا حنونا سوى صدر جدّتها لأمّها، والتي كانت هي الأخرى أي الجدّة تعاني من الوحدة بعد أن تخلى عنها أبناؤها العاقّون. 

ومجتمعنا الذي لا يرى شرف المرأة وعفّتها إلا من خلال "غشاء البكارة" لم يرحم سالي، فخالد بن الأسرة الفقيرة وجار الجدّة عشق سالي وعشقته، وجاء مع والدته لخطبتها، وعندما اعترفت له بأنّها فقدت عذريّتها بحادثة اغتصاب، تركها، وتزوّج من أخرى، وأنجب طفلة سمّاها سالي أيضا، بينما تزوجت سالي من أمين المكتبة. 

والتقت سالي وهي بصحبة زوجها صدفة بمغتصبها، فانهال خالد عليه ضربا، وعندما حاول النّجاة من بين يدي خالد صدمته سيّارة ومات. 

بينما أصيب والد سالي بجلطة دماغيّة شلّته وأخرسته، وبقي ينتظر حتفه حتى مات ذليلا. 

وتزوّجت أمل شقيقة سالي من رجل ثريّ. 

في حين عادت والدة "سلام" الثّريّة زميلة سالي في الملجأ و"تبنّت" ابنتها، ولاحقا أخبرتها أنّها أمّها ووفرّت لها حياة كريمة. 

وسالي تحسّنت ظروفها عندما عملت في مكتبة، والتقت خالد صدفة وتزوّجا. 

مجتمع مريض: أبو رفعت مدمن كحول ومخدّرات، دمّر أسرته ولم يجد من يردعه، الجدّة أبناؤها عاقّون تركوها وحدها حتّى وفاتها، سالي طفلة تعاني وتتعرّض للاغتصاب ولا تجد من يحميها، مغتصب مجرم بقي طليقا ولم يجد من يعاقبه سوى ضحيّته من خلال زوجها، أطفال دور الحماية والملاجئ يتعرّضون لمعاناة كبيرة ولا يجدون من يحميهم. مجتمع لا يفهم الشّرف إلا من خلال ما بين فخذي المرأة، والضّحيّة دائما هي الأنثى. وغير ذلك. 

بين العذريّة والشّرف: ركّزت الرّواية على قضيّة العذريّة والشّرف، وجاء على لسان سالي أكثر من مرّة على ضرورة التّفريق بين مفهوم الشّرف، ومفهوم عذريّة الفتاة. 

شخصيّات الرّواية: 

سالي: وهي الشّخصيّة الرّئيسيّة، طفلة رافقتها التّعاسة منذ ولادتها، تعرّضت للاهانة والضّرب والاذلال من والدها المنحرف مدمن الكحول والمخدّرات، تعرّضت للاغتصاب وهي طفلة، وضعت في دار رعاية تتبع الشّؤون الاجتماعية، وبعدها في ملجأ تابع لدير، وفيهما تعرّضت لمعاملة سيّئة وقاسية، كانت موهوبة وقويّة، حاولت التّغلب على كلّ مصاعبها. ونجحت إلى حدّ كبير. 

أمّ سالي: امرأة تقليديّة بسيطة، تزوّجت من رجل سكّير منحرف، كانت تتعرّض للضّرب والاهانة بسبب وبدونه، وبذلت جهودها للحفاظ على أطفالها، لم تتخلّ عن زوجها عندما أصيب بجلطة دماغيّة شلّته وأخرسته، وبقيت ترعاه حتّى وفاته. 

البناء الرّوائي: تركت الكاتبة شخصيّاتها تتحرّك بعفويّة تامّة رغم مرارة المراحل التي مرّت بها، وتطوّرّت الأحداث وتتابعت، دون تدخلّ الكاتبة، ممّا أعطى السّرد مصداقيّة عند المتلقي. 

عنصر التّشويق: تتوالى الأحداث بطريقة انسيابيّة مشوّقة رغم مرارة المضمون، ممّا يشدّ القارئ لمتابعتها حتّى النّهاية. 

وماذا بعد؟ 

هذه الرّواية تشي لنا بأنّنا أمام روائيّة شابّة سيكون لها شأن في عالم الأدب إذا ما واصلت تثقيف نفسها، وتطوير لغتها. 

ويسجّل لها أنّها طرقت بابا يكاد يكون بكرا في الأدب الفلسطيني خاصّة، وإن سبقها إليه بعض الرّوائيّين العرب أمثال الكاتب المغربيّ الرّاحل محمد شكري. 

وقالت هدى عثمان أبو غوش: 

رواية اجتماعية مؤثرة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل  الإجتماعية المؤلمة، وتسلِّط الضوء على موضوع سلب الطفولة الذي يعتبر شريان الرواية . 

اختارت  الكاتبة إسم سالي لتكون بطلة روايتها، ولعل اختيارها لهذا الإسم ليس بمحض الصدفة، فشخصية سالي معروفة من خلال المسلسل الكرتوني الشّهير، تلك الطفلة التي تعيش في الملجأ وتعاني من الظلم هناك . 

أمّا بطلتنا الشّرقية، الطفلة سالي، فإنها تعاني من ظُلم الأهل والمجتمع والأفكار الظالمة، فالأب لا يطيق ابنته سالي ويعاملها بقسوة؛ لأنه لم يكن يرحب بولادتها منذ البداية. أمّا الأُمّ فكانت مغلوبة على أمرها وعجزها في مساعدة ابنتها رغم حبِّها لها، فساهمت في معاناتها حين بعثتها إلى الملجأ وهناك تعرضت للإهانات، أمّا الجدّة فكانت رؤوفة تُحبها وتعطف عليها، بل وتثق بها، ورغم ذلك فإنها عاجزة عن رعايتها وحمايتها بسبب شيخوختها وضعفها. بالإضافة الى مديرة المدرسة التي كان لها الدور الفعَّال في ترسيخ فِكرة الخيال عند سالي لمواجهة الصِعاب . 

قرعت الكاتبة أبوابا إجتماعية عديدة ما زالت جريحة في مجتمعنا الشّرقي كموضوع إنجاب البنت، العنف الجسدي والكلامي، التّفكك الأُسري وأثره على الأُسرة، وألقت الضوء على الأب المدمن للكحول في شخصية أبى رفعت ومدى التّأثير السّلبي على العائلة.  كشفت عن ستائر الخوف والشّعور بالأمان المفقود داخل مجتمع الطفل خاصة، وأشارت إلى موضوع الاغتصاب ومفهوم العُذرية وعلاقته بالشرف في المجتمع الشّرقي، وقد أبدعت الكاتبة في تصويرها لهذا المفهوم من خلال الطفلة سالي التي أطلقت على هتك العذرية بالمرض "مرض العذرية"، كما وتطرقت إلى موضوع إهمال الأبناء والتفرقة بينهم، وقضية العيش الظالم في الملاجئ، وما يتعرض إليه الأبناء من ضرب وإهانات وعدم مسؤولية من قبل الإدارة، وطرقت أبواب زواج القاصرات المتمثل بأُمّ رفعت، وأثارت قضية الإبن العاق من خلال قصة الجدّة، والرِّسالة المؤثرة جدا  التي أرسلتها لسالي . 

جاء اُسلوب الكاتبة شيقا شفافا مفعما بالأحاسيس والمشاعر الرقيقة، التي صوّرت مشاعر معاناة الطفلة سالي بلغة قريبة للقلوب، وبسرد قصصي يداعب عواطفنا وخيالنا، حيث أخذتنا الكاتبة لعالم الطفولة، وسحبتنا لنعيش حالات قهرهم، وسارت بنا في مراحل متقدّمة؛ لتقدم لنا البُعد النفسي الذي يتركه الحرمان العاطفي من قبل الأهل على الطفل. 

استخدمت الكاتبة الحوار الداخلي مع النفس، وأكثرت من التساؤلات وتكرار جملة" لماذا لا يحبّني أبي "؟ لإثارة حجم المعاناة النفسية التي أثرت على سالي بسبب عدم تقبل الأب لوجودها، لدرجة أنها تمنت لو أنّ أُمّها تقتله، وقد رأينا من خلال أحداث الرواية قمّة غضب سالي حين مرض أبوها، فأشبعته من غضبها انتقاما وثأرا لسلبه طفولتها . 

ساهمت الكاتبة في زيادة الوعي عند المتلقي في أهمية التفريغ  النفسي والتعبير عن الذات من خلال الكتابة والخيال، فسالي تكتب بدفترها الأخضر عن حالتها وظروفها الإجتماعية والنفسية، وكذلك تعلمت أن تستخدم قوة الخيال لمواجهة الصعاب عن طريق نفخ البالون والتّخيل والإسترخاء. 

أعجبتني شخصية سالي حيث أتقنت الكاتبة بناءها، فرغم سلب طفولتها وحرمانها من الحنان إلا أنها كانت صاحبة شخصية قوية، تناقش وتدافع عن نفسها. 

أشارت الكاتبة إلى نقطة مهمة أعجتني  تكمن في أن بإستطاعة الطفل تلقي المعلومة غير المفهومة لديه من خلال كبسة على الحاسوب، وهو بغير حاجة لشرح من أهله وهنا إشارة إلى عدم الإستخفاف بعقل الطفل . 

لم يعجبني شرح الكاتبة للقارئ على لسان سالي في تفسير موضوع ماعلى شكل نقاط، كذكرها على سبيل المثال "أسباب التفكك أولا" 

استخدمت الكاتبة إسم "فلورا " متأثرة من المسلسل الكرتوني "فلورا " وحبذا برأيي لو كان الإسم عربيا. 

حبّذا لو اختصرت الكاتبة من الخوض بتوسع في ذكر ما ورد في الكتب وفي سردها لكتابة لحكاية الشاطر حسن. 

بقي أن أقول رواية جميلة استمتعت بقراءتها بشكل مؤثر، وتذكرت وأنا أقرأها قول الشاعر الراحل توفيق زيّاد عن أهمية الطفولة حين قال "وأُعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك" .

وتحدثت نزهة أبو غوش فقالت: 

طغيان العاطفة في رواية "قلب مرقع" 

     بقلب واثق وجريء كتبت بيان شراونة روايتها البكر هذه مستمدّة أحداثها الواقعيّة من المجتمع الّذي تحياه . ذلك المجتمع الّذي ما زال يهمّش الأُنثى ويستضعفها، رغم القوّة الّتي منحها  الله سبحانه وتعالى. 

  استلّت الكاتبة الشّابّة بيان شراونة قلمها؛ لتعلن حربا ضدّ من يقف عائقا أمام الأُنثى في المجتمع. ضدّ من اغتصب حقوقها وكرامتها وأُنوثتها، وقالت:  لا لقيمكم وعاداتكم البالية. لا لظلمكم. لا لقوّتكم الفيزيائيّة الّتي تستغلّونها للأسوأ في حياتكم. 

   تناولت الرّاوية سالي قلبها، وبدأت بترقيعه بعد أن تعاون على تمزيقه أفراد مجتمعها، وخاصّة والدها، وفتاها الّذي أحبّت خالد، ووالدتها، وسائر أفراد المجتمع سواء كانوا ذكورا أم اناثا؛ علّ هذا التّرقيع يعيد للقلب طبيعته. 

وقفت الرّاوية أمام قضيّة شائكة طالما أقلقت مجتمعنا الاسلامي والعربي. هل الفتاة الّتي فقدت عذريّتها لسبب ليس لها به ذنب تعتبر فتاة فاقدة لشرفها؟ ما هي المعايير والمقاييس الاجتماعيّة الّتي يبني عليها المجتمع هذا الحكم؟ ناقشت الكاتبة بروايتها هذه القضيّة وعاتبت المجتمع بأسره على حكمه الظّالم تجاه المرأة. 

أدخلت الرّاوية القارئ إِلى المؤسّسات الّتي أُعدّت للأطفال الّذين فقدوا مكانهم بين أهلهم وأُسرهم. تبيّن للقارئ أشياء كثيرة كان يجهلها، ويجهل ما يدور هناك في تلك الأروقة، وأيّ قوانين وعادات تمارس عليهم، وما هي علاقتهم بالمجتمع الخارجي، وكيف يمكن معالجة تلك الفئة المظلومة من خلال المربّين والمربّيات وأصحاب (الدّار، أو السّكن)، كما أطلقت عليها في نهاية الرّواية. 

تغلّبت العاطفة على أحداث الرّواية من بدايتها حتّى نهايتها، وقد جهدت لاستدرار عطف القارئ من خلال الرّاوية البطلة، سالي حيث أسهبت في التّعبيرعن عاطفتها  الحزينة، الغاضبة، المتألّمة، المقهورة من ظلم والدها الّذي رفض الاعتراف بها، وقد ميّز بينها وبين أُختها بشكل واضح ومباشر، ونبذها، وضربها ضربا مبرحا دون سبب جنته. أعتقد بأنّ العاطفة هنا كان مبالغا بها؛ لأنّ مهما وصل رفض الوالد للمولود الزّائد – حسب رأيه- لا يصل به أن ينتقم منه بهذه الطّريقة المرفوضة عرفا وقانونا. 

عاطفة حنان الجدّة وحبّها لحفيدتها واحتوائها لها كانت منطقيّة وواقعيّة؛ لأنّ الأجداد يحبّون الأحفاد ويعطفون عليهم أكثر من أولادهم. 

عاطفة الشّفقة والحنان معا من قبل الأُمّ لم تتقبّلهما سالي، بل طمحت بعاطفة أكبر، وحنان ومودّة واحتواء، وتفهّم. أرى بأنّ عاطفة الشّفقة من قبل الأُمّ هي وليدة ضغط المجتمع، فقد خلق منها شريكة رافضة لما وقع لابنتها  المغتصبة،؛ لأنّ المجتمع نفسه يرفض، ولا تقدر على مواجهته وحدها. نلحظ في الرّواية كيف استغربت الأمّ عندما تقدّم عريس لطلب يد ابنتها، وهي فتاة غير عذراء. هذا ما حصل مع الأخ الكبير رفعت، إِذ أحبّ أُخته سالي دائما وأحضر لها الحلويات وغيرها، لكنّه حين سمع بأنّها قد اغتصبت ابتعد عنها، ولم يفسّر لها سبب بعده. 

عاطفة شعور سالي بالظّلم والقهر وعدم المساندة المجتمعيّة لها، خلقت بداخلها فتاة قويّة جعلتها تقف متحدّية أمام هذا الظّلم، بحثت لها عن عمل في مكتبة، وطوّرت نفسها من خلال كتاباتها للأطفال ومشاركتهم الفعاليات. أمّا الانتقام المباشر فكان  أوّلا انتقامها من والدها حين أصبح لا حول له ولا قوّة، حينها أدارت له وجهها وأشبعته كلاما كانت قد خزّنته لمدّة سنوات؛ ثمّ انتقامها الآخر من محبوبها الّذي تخلّى عنها، خالد، إِذ رفضته زوجا بعد تعبيره لها عن ندمه بعد فقدان زوجته بحادثة سير. 

أشبعت الكاتبة بيان شراونة عاطفتها بالانتقام لبطلة روايتها سالي من الرّجل القبيح الّذي اعتدى عليها، وأفقدها عذريّتها من خلال تعرّضه لحادثة سير  وموته على الفور، وذلك بعد ملاحقة خالد له.

وقال عبدالله دعيس: 

تتناول بيان شراونة في روايتها (قلب مرقّع) مواضيع اجتماعيّة مهمّة جدّا بجرأة كبيرة وأسلوب متقن رائع ولغة جميلة رزينة، وتستحدث أسلوبا روائيا يجعل النصّ مشوّقا مثيرا. فالقارئ الذي يبدأ  بصفحتها الأولى تشدّه الرواية بكلّ قوّة ويعيش مع أحداثها بجميع مشاعره، حتّى يخرج منها وقد تكوّنت لديه صورة عن شريحة اجتماعيّة يراها أمام ناظريه في شوارعنا أو مؤسساتنا، لكنّه لم يتفاعل معها من قبل، وتهتزّ مشاعره بعنف حتّى يتولّد عنده بعد الإحساس الكبير بالألم، توجّه إيجابي وحنوّ كبير على الأطفال المحرومين من حنان أسرهم، وتتغيّر معاملته حتّى لأفراد أسرته. 

    فالقارئ يرى في وجه كلّ طفل مشرّد وفي عينيه الذابلتين شخصيّة سالي، تلك الطفلة التي حرمت من حنان الأب، وعاينت قسوته منذ لحظة ولادتها؛ لتجد نفسها منبوذة من عائلتها وحتّى من أمّها التي لم تضمّها بحنان طوال حياتها، ثمّ تتعرّض لأقسى صنوف المعاناة والقسوة داخل ملاجئ الأطفال وخارجها، لكنّها لا تفقد معاني الحياة بل تبقى متشبّثة بها، تحدّث دفترها الأخضر وتبوح له بمكنونات نفسها بأسلوب أدبي، ولغة تنمو بالتدريج مع تقدّم الطفلة بالعمر، حتّى تتخطّى جميع الصعاب وتخرج من رحم هذه المعاناة فتاة قويّة قادرة على التأثير في مجتمع يتستّر على كثير من عيوبه. 

    لا تتردّد الكاتبة بطرح العديد من القضايا الشائكة التي قد يحجم البعض عن الكتابة عنها، فتطرح موضوع فقدان العذريّة وارتباطه بشرف العائلة، خاصة في حالات الاغتصاب عندما تقع الفتاة ضحيّة لنزوات رجل يفتقد معاني الإنسانيّة، وبدل أن تتلقّفها أسرتها بالحبّ والحنان لتزيل عنها آثار العدوان النفسيّة المدمّرة، تصبح وكأنّها هي المذنبة التي جلبت العار للعائلة، وتستمرّ معاناتها مدى الحياة، ولربما تدفع حياتها ثمنا لجريمة هي ضحيّتها. 

    والرواية تنقل مشاعر الأنثى التي تساء معاملتها، لا لشيء إلا لأنها أنثى، وتتعرّض للظلم والعدوان وتسحقها أقدام المجتمع دون رحمة، لتصبح ضحيّة مرّة بعد مرّة. لكنّها تعرض نموذجا قويّا لهذه الأنثى، التي تتخطّى جميع الصعاب، وتضمّد جراحها، لتخرج من معاناتها وتبني عالما جديدا، تمحو فيه المعاناة من قلوب الأطفال الذين يفتقدون حنان العائلة، وتقدّم لهم خلاصة تجربتها في قصصها التي تفيض عليهم بالمتعة والفائدة، وتهيّئهم لحياة أفضل من حياتها، ولتنجح رغم الصعاب وتصبحّ شخصيّة فعّالة في المجتمع، وتبني حياتها من جديد على أنقاض الماضي، وتتغلّب على التشاؤم والسلبيّة، وتنجح في بناء حياة جديدة بعيدا عن الاستسلام للظلم والاستبداد. 

    رواية (قلب مرقّع) لها طابع خاص يخرج عن المألوف في أدبنا المحليّ، ويخرج من دائرة المعاناة التي يفرضها الاحتلال إلى دائرة أخرى من المعاناة، التي يسبّبها الظلم الاجتماعيّ بمعزل عن مثالب الاحتلال، فهي رواية انسانيّة لا تتعلق بمكان محدّد، لذلك فإنّ الكاتبة تختلق حيّزا مكانيّا خاصّا بروايتها، وتخلق شخصيّات واقعيّة تعيش بيننا، لكنّنا في كثير من الأحيان نتعمد إغفالها ولا ننتبه لمعاناتها. 

    هذه الرواية هي انطلاقة قويّة للكاتبة الشابّة بيان شراونة، وإن كانت لغة الرواية تحتاج إلى مزيد من العناية، فهي لم تخلُ من الأخطاء اللغويّة والمطبعيّة والاستعمال الخاطئ لبعض الكلمات، وكذلك الخلل في إدارة الحوار بين الشّخصيات. لكنّها تبقى رواية مشوّقة، تطرح مواضيع مهمّة بأسلوب جّذاب وسرد آسر. 

   

وكتبت رفيقة عثمان: 

صورة الغلاف لفتاة تلبس ثوبا أحمر قانيا، تظهر صورتها من الخلف، متّجهة نحو منظر طبيعي خلّاب. يبدو عنوان الرواية جذّابا، فيه وقع صوت قوي خاصّة حرف القاف المضخّمة تكرّرت مرتين على المسامع. 

رواية جديدة لموضوع وفحوى لم يتكرّر كثيرا بالقصص والروايات، تطرّقت لسرد قصّة لأسرة مُفكّكة، تعيش بطلتها بواقع أليم منذ طفولتها، عاشت في أسرة لأب سكَّير مدمن، وأمّ ضعيفة، الأسرة تعاني من العنف الجسدي والنفسي، دون أن تجد المعونة والحلول الصائبة للتخفيف من حدّتها؛ في مجتمع قاس، يجلد الضحيّة ويُبرّئ الجاني. علاج هذه المواقف مُغيّب في المجتمع العربي خاصّةً 

  هكذا تجرّأت كاتبتنا على دق ناقوس العيب والحرام، وخاضت في تفاصيل وصف دقيق لحيثيّات الأحداث، الأليمة غالبا، وجعلت الكاتبة من دفتر اليوميّات خطَّا قصصيّا رافق بطلة الرواية منذ البداية حتى نهايتها. تطرّقت الكاتبة لقضيّة الاعتداء الجنسي على بطلة الرّواية سالي، وتأثيرها السلبي في المجتمع والنظرة السلبيّة للضحيَّة والحكم عليها بوصمة عار، في المجتمع. 

إنّ تناول هكذا موضوع يتطلَّب معرفة تامَة حول الموضوع، وتأثيراته، هذا الأمر يُحسب لصالح الكاتبة؛ خاصّة عند نجاحها في وصف المشاعر الحزينة، والسلوكيّات التي ترافقها، حيث نجحت الكاتبة بالولوج لداخل النفس البشريّة، كما صاحبت بطلة الرّواية سالي. 

  يبدو لي بأنّ الرواية مناسبة للفتيات اليافعات، واليافعين، أكثر ممّا هي مخصّصة للكبار؛ لا شك بأنّ الرواية تعتبر مرشدا، ومنبّها للآباء والأمّهات في المجتمع، نحو قضيّة يتم الكتمان عنها وتجاهلها؛ نظرا لحساسيّة الموضوع، ونظرة المجتمع السلبيّة نحوه. 

لا شك بأنّ لغة الكاتبة توصف بالسهولة والسّلاسة، ورصانة المعاني ووقع اللغة، إلَا أنه ورد أخطاء لغويّة ونحويّة عديدة، كان بالإمكان تلاشيها، لو تم تنقيحها من قبل مختص. 

حاكت اللغة مستوى الأطفال والفتيان، لدرجة لا يصعب عليهم استيعابها؛ تخاطب مشاعرهم، وعقولهم، بالإمكان التّماهي مع البطلة وأحداثها، اقترح ان تكون بمكاتب المدارس، وتكون مفتاحا للتساؤلات، والمناقشة، نحو تربية جنسيّة، وتوعية الفتيان والفتيات حول المشاكل التي يتعرّضون لها، وكيفيّة التعامل معها، والتوصّل للحلول التربويّة والأخلاقيّة المناسبة. 

طغت على الرّواية العاطفة الحزينة الجيَّّاشة، والتي تمثَّلت في بطلة الرّواية، وأسرتها، وإقامة البطلة سالي في تنقّلها بين ثلاثة ملاجئ؛ حيث كان دفتر اليوميّات، ملاذا لأحزانها وأشجانها. 

كانا دفتر اليوميّات بمثابة علاج نفسي وتربوي، لانزعاج واضطراب البطلة، وبإمكان الأبناء تقليد هذه الفكرة، لما فيها من تفريغ عاطفي أليم. 

للأسف تكاد تخلو المدارس من مرشد أم مرشدة تربويَّّة؛ لاحتواء الفتيان والفتيات، عند مواقفهم في ضائقة. 

بنظري كإنسانة تربويّة، يتوجّب علينا كمربّين، ومسؤولين، التنبّه لهذا النقص، وتخصيص ساعات إرشاد تربوي نحو تربية جنسيّة سليمة، من جيل مبكّر؛ وفق المراحل العمريّة، أسلوب تربوي واعٍ، بواسطة أخصّائيين محترفين بالموضوع نفسه. نحن بحاجة لورشات عمل، والتعلُّم من الوقائع الحقيقيّة مع كيفيّة مواجهة هذه الظاهرة؛ كذلك هنالك ضرورة لتوعية الأهالي، وخاصّة الأسر الفقيرة والمنبوذة، المُعرّضة للانتهاز، والاعتداءات الجنسيّة، التي تحظى بالكتمان، والخوف على شرف العائلة. 

اختارت الكاتبة نهاية رائعة لروايتها، حيت جعلت البطلة تنتقم لكرامتها، وقوّة شخصيتها بعد تخلي حبيبها عنها بعد معرفته بوصمة العار التي رافقتها. تزوّجت من شخص آخر احترم ماضيها. 

ومن جنين كتب قاسم محمد ملحم عن الغلاف: 

بداية حين ننظر للعنوان ومدى تأثيره على مسامع الروح فانه سيحذب العقل و القلب للقارئ، فنجد الشطر الأول منه "القلب" موطن الحب والكره، موطن السكينة والطمأنينة، موطن التقلبات والأضداد، منه يفوح مسك الخير ورياحين الطيبة، ومنه يُنفخ الخير بأدخنة الشر، كما نجد أن الشطر الثاني يزيد في النفس الفضول والشغف ليسبح في فضاء المعنى والمضمون بين سطور الرواية، والبحث عن السكينة والأمل والتقاط الأنفاس، ويضبط لهفته عند مفترق الانتقال من صفحة الى صفحة أخرى. 

فالعنوان لو كتب مجردا من الألوان على صفحة بيضاء وأطلق كسهم على مرمى عيون القارئ، فإنه سيلقي عليه من الذاكرة حملا ثقيلا؛ لتبتل روحه من غيوم التساؤلات، وتستظل نفسه بسيل من الإجابات المتلاحقة والجارفة، لتجده ساعة يتنقل كاليراع بين الورود وبساتين تزهو وتبتهج بالفرح والأمل، وساعة تجده يتوقف كشجرة أصابها ما أصابها؛ لتبدو تبحث عن حطاب يريحها من طول انتظار ووقفة كأنها أعواد المشانق. 

وما كان الغلاف بطيف ألوانه إلا نسيجا من المعاني التي تملكها كلمات العنوان، فكان اللون الأحمر الذي يتميز عن باقي الألوان بأن له أطول موجة لون، كما يتميّز بالوضوح ولفت الانتباه، وإثارة الحواس، لذلك هو أحد ألوان إشارات المرور الذي يرمز إلى الخطر والتوقف، كما يرمز اللون الأحمر إلى الجسد ومعتقداته، كما يرمز بشكل إيجابي إلى الشجاعة والرجولة، وهو بحد ذاته منبع للطاقة والحيوية، لذا كان للون الأحمر نصيب زاد فاعلية من رمزية اللون وتأثيره، كما أنه يظهر ملامح الجاذبية حين جسد بتصميمه ما يشبه فستان الزفاف للعروس. 

فما سر هذا الفستان الذي تخضب بالأحمر، أهو بسبب نزف عميق أصاب صاحبته، وذلك مما نالته من أيدي وألسن غيلان البشر حتى أنهم ظنوا أنهم قد وأدوها، فباتت دفينة أمزجتهم وأهوائهم، حتى أن الأرض ضجرت من قبح أفعالهم وبثها، فأصبحت تحت قدميها كصحراء أو أنها حديقة أصابها شيء كالطوفان، أو نها أصيبت بالجفاف فتشققت لتكون مرآة لهذا القلب التي يتوجع على ظهرها، تلك الأرض التي أرى أنها قد فقدت كل خضرتها وزهو جمالها بأزهارها، فغاب التملق و النفاق والظلم ليأتي الصدق والطيبة والعدل، صورة تمتلئ بالمعاني وكأنها تقول أن مظاهر الفساد رحلت حين أصابها الطوفان والجفاف، وأن في ذلك عبرة لمن أغرقهم الطوفان ليس بظلمهم، بل بسكوتهم عن الحق ومؤزارتهم للظالم، فكان نصيبهم ما ينطبق كما تقول الحكمة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" فتغيب جميعها من المشهد وتبقى الشجرة المرأة بيقينها وإيمانها وصبرها لتبدأ الحياة بكل الامل. 

إلا أنه القلب الذي يملأه اليقين والثقة بالله لا زال ينبض بإيمانه وإنسانيته وبدعائه وباتكاله على الله، لتجده يتكئ على بقية الروح الطيبة والنية الطاهرة، فتنمو وتعلوه البهجة كأنه شجرة كبيرة ترتوي من قلب يمتلك العزيمة، ليضخ في عروقها الأمل فتورق أوراقا نقية الخضرة، متآلفة بتناسقها بينها ومتماسكة مع أغصان تحملها، لتتساقط الأوراق الصفراء تصديقا لعملية التغيير الحقيقي، تلك الشجرة التي سمحت لنفسي أن أسميها بالأنثى الشجرة. 

فنجد الأنثى الشجرة قد تملكتها طبائع القلوب، تلبس فستانها كعروس تثير القلب بالحب لمن يستحق وترد كيد الظالمين، إنها المرأة خلقها الله لتمنح الكون السكينة والأمل، وترتق بالصبر كل الجروح وتمسح كل الندوب والخدوش؛ ليكون الخير غالبا في نفوس البشر والله غالب لأمره. 

وهكذا نجد القلب المُرقع للأنثى الشَجرة لوحة وعنوانا لرواية اتوقع أنها تحمل رسالة بأن جميع القلوب تحب وتكره، لكن القلوب نقية والنفوس طاهرة لا تستلم لنفسها الأمارة بالسوء، ولا تستمع لنفسها اللوامة، فالصبر والتحمل، والصدق بالاتكال على الله يجعلها قوية شجاعة قادرة على البداية من جديد. 

وتحدّثت نزهة الرملاوي فقالت: 

طفولة ما غاب عنها لؤم الحياة وما بها من ظلم وقهر، طفولة تعي ما يدور حولها من اهتمام أو تهميش، مما أثر عليها وخلق حولها واقعا مؤلما..وقلبا نازفا.. هيهات أن ينجو القلب النازف من الموت، موت الضمير حين اعتدى الرجل على الطفلة واغتصبها، وموت الأب السكير في عيون أبنائه وزوجته.. وموت الحياة الكريمة في بيت يحلم بالدفء والأمان ..والسؤال الذي يطرح، كيف لذلك القلب النازف أن يرقع؟ وهل الزمن كفيل بأن يدمل جراحه بعد نزفه المتواصل من ذبح المجتمع؟ 

نجد أن الكاتبة جمعت أحداثا كثيرة متشابكة ومؤلمة في روايتها، وسلطت الضوء عليها بكل قوة، وقد خيل للقارئ أن المجتمع الذي نعيشه كائن يحيا تحت مظلة الانحلال والضعف، لا حياة ولا أمان فيه، لا عطف ولا محبة إلا ما ندر، فلماذا اختارت الكاتبة هذه المشاهد القاتمة لتصويرها؟ 

وهل فعلا مجتمعاتنا يغطيها هذا السواد القاتم فلا نرى في  أفقه نورا من المحبة أو سموا في الأخلاق، ووهجا في العواطف الصادقة؟ 

هل هذه الحقائق الدائرة من حولنا تسيطر على شريحة مجتمعية واسعة ونحن غافلون عن تلك الشرائح؟ إن سمعنا عنها، نصم آذاننا ...وإن شاهدناها لا نحاول إصلاحها. 

تعتبر الرواية من الروايات الاجتماعية المؤثرة، عاشت أحداثها طفلة كبرت وكبرت معاناتها، تحمل في جعبتها الكثير من الأحداث المؤلمة، وتبحر في سيكلوجيا الأطفال وما يعانون من ألم نفسي وجسدي نتيجة العنف الأسري، والتفريق بين الأشقاء، وانتهاك الأعراض، وزواج القاصرات، فقد سلطت الكاتبة الضوء على المرأة المهمشة، والمرأة الضعيفة التي تعاني من ظلف العيش، المحرومة من الحياة الكريمة، تتحمل الأذى ولا تواجه، تحملها لمسؤوليات تفوق قدرتها..بحيث أصبحت الأم والأب في آن واحد، أضف إلى ذلك أن الكاتبة تعرضت لقضية مجتمعية هامة، وهي عقوق الوالدين وابتعاد الأبناء عن ذويهم. 

وبينت معاناة الحبيبة حين تخلى الحبيب عنها وهي في حاجته لذنب لم تقترفه، الملاجئ وما بها من انتهاكات وعنصرية وقصص محزنة. 

أعتقد أن الكاتبة الشابة، تأثرت مثلنا إلى حد ما بقصص الافلام الكرتونية الشهيرة، مثل صاحب الظل الطويل وبطلته جودي أبوت، التي عاشت ظروفا قاسية معروفة في المدرسة الداخلية، وسالي الطفلة التي فقدت والدها الثري، وفقدت المكانة الرفيعة بين أترابها. 

    رسمت الكاتبة معاناة سالي بطريقة لافتة، فقد ظلمها الأهل والمجتمع والحبيب، وترسخت في وجدانها أفعالهم، وشاهدت نواتج مجتمع مهترئ ظالم، أدّى إلى غلبة عاطفة الحزن في معظم الرواية. 

    لقد توقعت نهاية أكثر حماسة للأمل، وانتشار الفرح في الكلمات، لكن سواد الكلمات ظل مسيطرا على الصفحات، منذ ولادتها كأنثى غير مرغوب بها في بيت تسوده مشاعر الخوف والفقر والخيبات المتتالية، إلى نهاية القصة بالرغم من تبدل الأحداث إلى الأحسن. 

جاء أسلوب الكاتبة شيقا شفّافا، فهي ذات إحساس صادق المشاعر، كذلك الأسلوب جاء سلسا واضحا، بعيدا عن الرمزية. 

لوحظ أن الكاتبة جردت معظم شخصيات الرواية من الإنسانية، حتى الشخصية الرئيسة (سالي) تمنت موت أبيها الذي جردته هو أيضا من إنسانيته، فوجدناه يكره طفلته سالي، ويترنح ويسكر ولا يؤدي واجباته نحو بيته وأسرته. 

وجردت الأمّ من عاطفتها حينما أخذت الأم ابنتها إلى الدير لتعيش هناك؟ فالبرغم من شخصيتها الضعيفة، لم تترك زوجها السكير، ولم تترك بيتها وأولادها الآخرين، مع أنها ضربت وعذبت وشتمت، فكيف تجرأت أن تبتعد عن ابنتها وتضعها في الدير؟ لماذا؟ هل لتسرد لنا حكايات عمّا يدور في الملاجئ وما فيها من مآس ومصاعب وكوارث اجتماعية، كقصة صديقتها اللقيطة سلام، التي استنتجت بالصدفة أن أمّها عادت وأخذتها بعد أن أصبحت ثرية؟ 

أم هي حبكة درامية لتعلم القارئ أن هناك ما يستوجب الوقوف حتى في الأماكن التي يدعون بها الأمان؟ 

ما الحكمة من ذلك؟ ما دام الدير ليس آمنا، كما توصلت الكاتبة بعد ذلك. 

وقعت الكاتبة في فخّ حينما نسيت سالي صورة حبيبها خالد ولم تصدق أنه خالد، فكيف لحبيبة أن تنسى ملامح وجه حبيبها بعد سنوات قليلة؟ الحوار ص 116 مع أنها ذكرت أنه الحب الأول الذي هو كاللهب يلفح القلوب ص 80 

كان بإمكان الكاتبة وضع مقتطف من كتاب ابراهيم الفقي رغم أهميته في الحث على تقدير الذات والثقة بالنفس..أو ملخص عنه بين يدي القارئ؛ ليبحث عنها إن وجد فيها ما يلائم احتياجاته وهواه، ولا تضع صفحة كاملة، وتذكرنا بقصة الشاطر حسن التي ترويها جدتها، ولا تكتبها. 

عرضت الكاتبة مشهدا قاسيا شوهت فيه عاطفة الأمومة حينما عرضت قصة زيارة أمّها، وأنهما لم تشتاقا لبعضهما البعض، فقد كان اللقاء باهتا ملونا بالنفاق كما ذكرت الكاتبة. 

لكنه لم يكن بقساوة الأسئلة النابعة من جرحها، نتيجة الاهمال وعدم الرعاية وفقد العذرية، وقارنت بكل جرأة وتحدّ ما بين فقد العذرية التي وصفته بالمرض المميت، وبين الشرف، وقد أبدعت بتصوير الطفلة، فوجدت أسئلتها البريئة في انتظار دمع القارئ. 

تكرار بعض الكلمات ككلمة شقشقت خيوط الشمس باحة المنزل، وفي مرة أخرى شقشقت الشمس بين الحارات، أمّا تكرار الأسئلة فقد كان في محله؛ لأنه أفصح عن داخل مجروح مقهور، يريد إجابات شافية..ولا يتلقاها. 

لقد شوهدت شخوص الرواية في تحرك دائم...دون تصنع، ولكن كان هناك بعض الإضافات غير الضرورية، ولم تخدم النص، كالنص الوارد ص 80 شربت بعض المياه الباردة من الثلاجة.... وسألت جدتها..وأجابتها لا...أريد حساء... 

أيضا كلامها مع اختها أمل أو عنها أثناء وجودهما في الدير أو في البيت، كان مبالغا في طرحه. 

في الصفحة 79  الفقرة التي تحدثت عن غيرة سالي من ابنة عمّ حبيبها خالد، جاءت الكلمات والتصرفات عفوية خرجت من أعماق مراهقة. 

في النص بعض الأخطاء الإملائية مثل أنك لستي "لست". 

لقد تميزت الرواية بمشاهد صورية عنيفة وقاسية...وإن دلّ ذلك فإنّما يدلّ على قوة العرض، وأخذ الصور من الزوايا المؤلمة لتشد القارئ بقوة، كمشهد ضرب سالي بعد أن بالت على نفسها في الدير، ومشهد ضربها من أبيها السكير بعد عودتها إلى المنزل، وقلبه الطعام وحرمان الأطفال من تناول الغداء، مشهد ضرب الأم حين أعلمت والدها عن الحمل، صورت الكاتبة مشهد رحيل سالي عن البيت، بحزن وكلمات رائعة. 

أكثرت الكاتبة من عرض أسماء برامج الأطفال ومسلسلاتهم، كصاحب الظل الطويل وتوم وجيري، وتأثرها بجودي أبوت الكاتبة الصغيرة، وهذا يحسب للكاتبة، لأنها تروي قصة طفلة، ففي بعض الأحيان نحسب أنّ الرواية موجهة لفئة اليافعين، ثم نصطدم بأحداث مؤلمة توقفنا كمجتمع راشد، وتدلنا على حفر عميقة في طريق حياتنا، يجب توخي الحذر منها كي لا نسقط فيها. 

تصوير الكاتبة لقدوم الليل بجمل قوية تهز المشاعر، من قاد خطاك إلى نومي؟ 

فأمّها تعاتب الليل إذا جاء؛ لأنه يعني لها كوابيس وأحلاما مزعجة وعودة زوج سكير. 

تصوير حادثة الاغتصاب وتجمهر الناس ورقم السرير والألوان التي تعني للذاكرة الشيء الكثير..بل كل شيء. 

الرواية حملت أفكارا عديدة ومهمة وأحداثا قاسية محزنة، عرضت بشكل مشوق...كنت أتمنى على الكاتبة لو عالجت كل حدث أو موضوع مجتمعي بشكل فردي لأهميته، فقد كان هناك حشو للأحداث المجتمعية المكتوبة، بحيث سيطر كل حدث على الحدث الآخر، وكأن الكاتبة تأمر الحدث بالتوقف؛ ليلتفت القارئ إلى غيره رغم أهميته وصعوبته، وضرورة الالتفات إليه ومعالجته، وأتمنى عليها لو أنها لونت روايتها بألوان الأمل والسعادة بعض الشيء في النهاية، حتى بعد أن دهس الرجل المغتصب أمام عينيها وبرز عدل الله فيه، وبعد التقائها بحبيبها خالد مجددا وعرضه الزواج منها، وإن لم تتزوجه، لم يتزحزح ألم الكلمات ولم يتبدل في الرواية، بل ظل جامدا باهتا. ليتنا ابتسمنا بعد أن داهمنا الحزن وأجبرنا على التوقف أمام طابور من الحقائق المرة لساعات طويلة..طويلة جدا.

وسوم: العدد 735