الأدلة الإرشادية.. بين صيغة "التهجئة" الخاطئة كثيرة الاستعمال، وصيغة "التهجية" الفصيحة قليلة الاستعمال
(أ)
إن تابعت الأدلة الإرشادية القرائية لمختلف الصفوف الدراسية، وإن تابعت كتب طرق تدريس اللغة العربية- وجدت أنها تستعمل الصيغة "التهجئة" المهموزة أكثر من استعمالها الصيغة المقصورة الأصل "التهجية".
والقياس أن تكون الصيغة المقصورة الأصل "التهجية" هي الصحيحة؛ لأنه حدث فيها إعلال بالقلب أي بقلب الواو ياء. أما التهجئة فلا علة إعلالية لها، فلا مهرب من أن تكون أصلية، أي أن تكون من الفعل "هجأ". فهل هي كذلك؟
عندما تستعرض معاني مادة "هجأ" لا تجد ما يشير إلى ما تفهمه من معنى التهجية التي هي قراءة الحروف بأسمائها.
كيف؟
إليك ما قاله المعجم الوسيط ناقلا ذلك عن سابقيه من معاجم اللغة عن مادة "هجأ":
[(هجأ) الشيء يهجأ هَجْئا وهجوءا: انقطع، ويقال: هجأ جوعه: سكن وذهب. و- الطعام هجئا: أكله جميعه. و- الطعام بطنه: ملأه.
(هجِئَ) يهجأ هَجَأ: التهب جوعه، واشتد.
(أهجأ) الشيء: قطعه وأذهبه، يقال: أهجأ الطعام جوعه. و- الإبل ونحوها: ربطها لترعى. و- فلانا الشيء: أطعمه إياه، ويقال: أهجأ فلانا حقه: أداه إليه.
(الهَجَأ): كل ما كان فيه الإنسان وغيره، وانقطع عنه.
(الهُجَأَة): الأحمق].
هذه هي المادة كاملة بمعانيها المختلفة، ولا تجد من بينها ما يوحي بالمعنى المفهوم الخاص بالقراءة، بل إنك لن تجد من بين صيغها صيغة "هَجَّأ" التي تصلح لمجيء المصدر "تهجئة"، ولن تجد الصيغة "تهجَّأ" التي مصدر "تهجيئ" حتى يمكن تفسير وجود صيغة "تهجئة".
(ب)
فإن جئت إلى الصيغة "التهجية" التي أصلها "هجا" وجدت المعجم الوسيط يورد الآتي مما لا يختلف فيه عن سابقيه من معاجم اللغة.
[(هجا) الكتاب يهجو هَجْوا وهِجَاء: قرأه وتعلمه. - وفلانا هجوا وهِجَاء: ذمه، وعدد معايبه. ويقال: المرأة تهجو صحبة زوجها.
(هجُو) اليوم هَجاوة: اشتد حره.
(أهجى) القول أو الشعر: وجده هِجاء.
(هاجاه) مهاجاة وهجاء: هجا كل واحد منهما صاحبه.
(هَجَّى) الصبي الكتاب: علمه إياه.
(اهتجى) فلانا: هجاه.
(تهاجيا): هجا كل واحد منهما الآخر.
(تَهَجَّى) الحروف الأبجدية: عددها بأسمائها، أو نطق بالأصوات التي تمثلها. و- القرآن: تلاه، أو تعلم تلاوته.
(الأُهْجُوَّة): ما يُتَهَاجى به كالقصيدة أو القطعة الشعرية. (ج) أهاجيّ.
(الأُهْجِيَّة) الأهجوة (ج) أهاجيّ.
(التهجي): حروف التهجي: ما تتركب منها الألفاظ، وهي في اللغة العربية: الألف والياء وما بينهما.
(الهِجَاء): السب وتعديد المعايب، ويكون بالشعر غالبا. و-: تقطيع اللفظة إلى حروفها، والنطق بهذه الحروف مع حركاتها. ويقال: هذا على هِجَاء كذا: على شكله. وفلان على هِجَاء فلان: على مقداره في الطول والشكل. و(حروف الهِجَاء): ما تتركب منها الألفاظ من الألف إلى الياء، وترتيبها مستمد من ترتيب الأبجدية بوضع الحروف المتشابهة في الرسم بعضها بجوار بعض.
(الهَجّاء): مَنْ يُكثِر سبّ غيره وتعديد معايبه: يقال: رجل هَجَّاء.
(هَجِيَ) البيت يهجَا هجْيا: انكشف. و- العين: غارت. و- الرجل هَجًى: اشتد جوعه].
هذه هي المادة كاملة، وستجد فيها هنا الصيغة "هجّى" التي مصدرها "تهجية" بالمعنى المفهوم الخاص بالقراءة. وستجد أيضا الصيغة "تهجَى" التي مصدرها "تهجيي" التي تئول إلى "تهجٍّ".
(ج)
إذًا، ما دام الأمر بهذا الوضوح فمن أين أتت هذه الصيغة "التهجئة"؟
يقول الأستاذ محمد العدناني في كتابه "معجم الأغلاط اللغوية"، المادة 1985 وعنوانها "تهجى الكلمة وتهجأها"، ص693: [ويخطئون من يقول: تهجأ الكلمة (عدد حروفها بأسمائها)، ويقولون: إن الصواب هو تهجى الكلمة؛ لأن الصحاح والأساس والمختار والوسيط اكتفوا بذكر الفعل هجى المفصور، وأهملوا الفعل تهجأ المهموز.
ولكن:
ذكر الفعلين تهجى وتهجأ كليهما كل من اللسان والقاموس والتاج ومحيط المحيط وأقرب الموارد والمتن.
وقال ابو زيد الأنصاري: الهجاء القراءة، قلت لرجل من بني قيس: أتقرأ من القرآن شيئا؟ فقال: والله، ما أهجو منه حرفا، يريد: ما أقرأ منه حرفا.
وجاء من مستدرك التاج: أهجو من القصيدة بيتين: أروي.
وذكر الصحاح والأساس واللسان والتاج أن هجوت الحروف وتهجيتها هجوا وهجاء، وهجيته تهجية، وتهجيت: كله معنى. وجملة (هجوت الحروف) ذكرها التاج من دون أخواتها في مستدركه.
وأنشد ثعلب لأبي وَجْرَة السعديّ:
يا دار أسماء قد أقوت بأنشاج ** كالوحي أو كإمام الكاتب الهاجي
ومن معاني الفعل هجا: وبعض مشتقاته:
(1) هجا الكتاب يهجوه هجوا وهجاء: قرأه، وتعلمه.
(2) هجا فلانا: ذمه وعدد معايبه، ويقال: المرأة تهجو صحبة زوجها.
(3) تهجى القرآن: تلاه، وتعلم تلاوته.
أما الهجاء فمن معانيه:
(1) هذا على هجاء كذا: على شكله.
(2) فلان على هجاء فلان: على مقداره في الطول والعرض].
هذه هي المادة كاملة لا تجد فيها ذكرا لكلمة "التهجئة" على الرغم من أنه يصححها، بل تجد كل المذكور يخص "التهجية"!
(د)
إذًا، ادعى الأستاذ محمد العدناني وجود الصيغتين معا في اللسان والقاموس والتاج، فهل الأمر كما قال؟
لا.
كيف؟
رجعت إلى اللسان والتاج فلم أجدها، ورجعت إلى القاموس فوجدت الأمر كالآتي: [هَجَأَ جُوعُه كَمَنَعَ هَجْئاً وهُجُوءاً: سَكَنَ وذَهَبَ. و- الطَّعَامَ: أكَلَه. و- بَطْنَه: مَلأَهُ. و- الإبِلَ: كَفَّها لِتَرْعَى كأَهْجَأَها. وهَجِىءَ كفرِحَ: التَهَبَ جُوعُه. وأهْجَأَ جُوعَه: أَذْهَبَه. و- حَقَّه: أَدَّاهُ إليه. و- الشَّيءَ: أطْعَمَه. والهَجَأُ مُحَرَّكَةً: كُلُّ ما كُنتَ فيه فانْقَطَعَ عَنْكَ. والهُجَأَةُ كهُمَزَةٍ: الأحْمَقُ. وتَهَجَّأَ الحَرفَ: تَهَجَّاهُ).
ماذا يوجد هنا؟
توجد إشارة فرعية في نهاية المادة إلى الأمر الذي أظهرته صياغة الأستاذ العدناني كأنه أصل له شواهد.
وهل هذا كل شيء؟
لا.
لماذا؟
لأن الفيروزأبادي صاحب القاموس قال: (وتَهَجَّأَ الحَرفَ: تَهَجَّاهُ).
وماذا في هذا؟
فيه أن الصيغة لا تتفق مع الصيغة التي نتحدث عنها.
كيف؟
إن مصدر الصيغة "تَفَعّلَ" هو "تفعُّلٌ"، فيكون مصدر "تهجَّأ" هو "تَهَجُّؤ" وليس "تهجية".
لماذا؟
لأن مصدر "فَعَّلَ" هو "تفعيل أو تفعلِة"، والفيروز أبادي لم يورد في مادة "هجأ" الصيغة المزيدة بتضعيف العين "هجّأ" حتى يكون مصدرها "تهجئة". فكيف لم ينتبه الأستاذ العدناني إلى ذلك؟
(هـ)
ما نتيجة ذلك البحث اللغوي؟
نتيجته خطأ صيغة "التهجئة" وعدم قبولها في هذا المجال الدلالي، واعتماد صيغة "تهجية" وقبولها وحدها في هذا المجال الدلالي.
ولا يقولن قائل: إن مادة المعاجم اللغوية ليست هي اللغة- فإننا لن نترك ما هو موجود لوهم وجود ما هو غير موجود. ومَنْ كان عنده شاهد على صحة "التهجئة" فليقدمه.
وسوم: العدد 736