التوجهات الجمالية للأدب الإسلامي

1- إن الجمال في عمومه له قوة وسلطان وتأثير عظيم في النفوس، ومنه الجمال الأدبي الذي يعتمد على ( المنطق البياني) وهذا هو سر التأثير الساحر للأدب ( إن من البيان لسحرا)، مما يدفع الناس إلى حالة من التفاعل القوي مع نعمة الله في قوله: (علمه البيان) نسميها (وظيفة الأدب)، حيث يلجأ الناس إلى: (القصة والمثل والخطبة، وبيت الشعر، والفنون الأدبية المختلفة)، فيوظفونها في التعبير عن حاجاتهم وأحوالهم، يستشهدون بها في حياتهم اليومية، يدخلونها في مناهجهم التربوية، ويطعمون بها خطبهم، ويجملون بها كلامهم وتأليفهم ومقالاتهم، ويتسامرون بها في مجالسهم، وينشدون قصائد شعر طربا وتأثرا بما فيها من جمال البيان والمعنى والموسيقى، يرددونها في حب الأوطان، والشوق إلى الأحباب، ويظهرون بها رغائبهم، وغير ذلك من الوظائف التي يصطنعها المجتمع للأدب في حالة التلقي، وحين تخرج النصوص من قبضة المبدع إلى المتلقي.

2- لا يوجد جمال بدون وظيفة وتأثير وتفاعل، فالجمال الأدبي يصطنع الاستجابة والتأثير، ويدفع بالمتذوق إلى التوظيف التلقائي المباشر، تحت ضغط سلطان الجمال وسحر البلاغة والبيان، وملائمة النصوص للحال، والحاجة التعبيرية لمتطلبات الإنسان والتي تلح عليه بالإشباع التعبيري، وهذه هي طبيعة (المنطق البياني) الممتع، وهو حال مخالف (للمنطق الفلسفي) الذي يمتاز بالجفاف والتجريد والخضوع للمقاييس الذهنية الجامدة، فالجمال في المفاهيم الفلسفية لا وظيفة له، لأنه جمال بارد ميت لا تتواجد فيه حيوية المكابدة والمعايشة النفسية لعلاقة الإنسان بالحياة من حوله، وهذه الحيوية لا يستطيع أن يصنعها إلا الأديب وذلك من خلال (المنطق البياني) الذي يتناسب مع حياة الإنسان ويستطيع أن يصنع من الكلمات أوعية تتسع لمشاعر القلوب وتقلباتها المختلفة في مواقفها وأحوالها.

3- حين يتلبس الباطل وأهل الأهواء الهائمة بجمال النص، ويستغلونه لإخفاء قيمهم الفاسدة وإيصالها إلى المجتمع، باستثمار (المنطق البياني) في خدمة أهدافهم، نقوم بإسقاط القناع الجمالي الذي اختبأ الباطل من خلفه، لنكشف قبحه واستغلاله للجمال في تسويق ذاته حتى نحمي المجتمع من الوقوع في حبائله.

4- الجمال الضعيف الذي يلتصق على جسد النص وسطحه كشعار فج، ويحاول أن يخالط المعاني الشريفة والمقدسة لدى الأمة، لا يثير فينا عاطفة الاعتراف به أو الشفقة عليه، بل نسقطه حتى لا ننحدر بذوق الأمة ونجعل من الضعف أحد مكوناتها.

5- الجمال الحقيقي للأدب هو الذي يتوازن فيه الشكل والمضمون في البناء والتأثير وينتفي منه العبث.

6- نقاء الخيال الأدبي وتطابقه مع العقيدة الإسلامية وامتدادها في تفسير الحياة في الدنيا والآخرة، دليل عافيه وصفاء ونقاء ووفاء لقيم الأمة واحترامها عند المبدعين. 

7- المحاكمة الفنية للنصوص تبدأ بعد التحقق من الأمور السابقة ويكون ذلك من خلال منافسة النص للنصوص المشابهة له في الجوانب الفنية والعلمية واللغوية وبمنهجية المقارنة والمفاضلة.

8- جميع الآداب العالمية تفترق في الخيال وامتداده ومصادره، والثقافة وأصولها وخطوطها، وكلها مبينة على الجمال البياني والفني والجمال النوعي الذي يتميز به النوع الأدبي على غيره من الفنون الأدبية الأخرى.

9- مشروع الأدب الإسلامي ما جاء لإلغاء الأدب القومي، بل جاء ليحمي الآداب القومية للشعوب الإسلامية من التلوث الخيالي الذي تداعت به الأمم على خيالنا الإسلامي التوحيدي والمحافظة على النقاء والصفاء في خيالنا الفني من عبث الثقافات الوثنية الغازية والتي هبت كريح السموم على خيال الأديب المسلم في العصر العباسي، وكادت أن تلوثه وتشوهه بالمدخلات الغريبة على عقل المسلم كالمدخلات من ( الصوفية والبوذية والهندوسية) والتشيع الفارسي المجوسي والأساطير (اليونانية والرومانية) والأساطير (الإسرائيلية) التي حاولت أن تشوه علوم تفسير القرآن الكريم، والأساطير الشرقية والغربية و(وثنيات الأمم المندثرة) التي كشفها علم الآثار الحديثة وحاول الاستعمار أن يستثمرها في تمزيق الأمة (كالفرعونية والأشورية والفينيقية وغيرها) ولذلك جاء مشروع الأدب الإسلامي ليحافظ على النقاء الفني الخاضع لعقيدة التوحيد وحماية الآداب الإسلامية القومية كالأدب العربي والأدب التركي والأدب الكردي والأدب الأوردي وغيرها من الآداب الإسلامية وتأصيل وأسلمة هذه الآداب وبعث روحها الإسلامية من جديد، حتى تغسل هذه الآداب من أدران التلوث، الذي طغى عليها في فترات الضعف والانحطاط، الذي أصاب الأمة في فترات الصراع الحضاري، وتغول أهل الباطل وسعيهم لابتلاعها.

يقول الله سبحانه وتعالى: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ولهذا جاء مشروع الأدب الإسلامي ليؤكد على احترام خصائص الشعوب وتوجيهها إلى طاعة الله وحماية الآداب الإسلامية من مؤثرات مراحل الصراع والاستعمار وإحياء نهضة الأمة من جديد.

وسوم: العدد 754