موسوعات ( رؤية تحليلية)!

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

رُؤى ثقافيّة 290

ــ 1 ــ

وبادئ ذي بدء، لا بُدَّ من التفريق بين مفهوم «التأليف الموسوعي»، ومفهوم «الموسوعة، أو دائرة المعارف Encyclopedia»- بمعاييرها المدرسيَّة، المحفوظة عن الغرب- من جهة، ثمَّ بينهما وبين «المسرد Bibliography» من جهةٍ أخرى. ولا بُدَّ كذلك، حين النظر إلى المفهوم الشامل للتأليف الموسوعي، من التخلُّص من جموديَّة النمط، وَفق قوالب تقليديَّة، منتزعة عن التركيبة الموسوعيَّة الغربيَّة، في صورتها الكُبرى وهيئتها النهائيَّة. ذلك لأن الجمود على معايير ثابتة لما يُسمَّى «موسوعة» فيه حرقٌ للمراحل السابقة لتطوُّر الموسوعة في القرن العشرين، وسيقف في وجه تطوُّرات الموسوعة الحديثة، بتشعُّبها، واختلاف آفاقها، واهتماماتها، وتقنياتها. ومن ثَمَّ فربما ألغت تلك النمطيَّةُ الجامدة- في المقابل- الموسوعةَ الإلكترونيَّةَ، احتكامًا إلى طرائق التأليف في ما سلف من موسوعات ورقيَّة.

وعليه، فإن ضروبًا من التأليف الموسوعي يجب أن تندرج تحت مظلَّة عامَّة باسم (موسوعة)، شريطة أن تلتزم بمنهاجٍ علميٍّ، سنذكر اشتراطاته لاحقًا.

أمَّا «المسارد»- وهي تلك المتعلِّقة بالتعريف بالكتب أو المخطوطات ووصفها، يُعِدُّها مؤلِّفٌ أو مؤلِّفون أو دار نشر- فلا علاقة لها بمفهوم الموسوعة، إنْ هي وقفت عند هذا الحد من المحتوى. لكنها حين تشمل تراجم مؤلِّفين، وتفصيلات في جهودهم، وإثباتًا لنماذج من إنتاجهم، وعرض صورٍ متعلِّقة بالموضوعات، مع إحالاتٍ إلى مراجع بحثيَّة، مراعيةً الشموليَّة في موادِّها، فإنها تُغدو عندئذ ضربًا من التأليف الموسوعي، لا من «الببليوجرافيا».

ــ 2 ــ

ــ 3 ــ

في هذا العصر- كما يقول كاتب المقال أ.د/ عبدالله بن أحمد الفَـيْـفي- بات من المُفترض في العمل الموسوعيِّ أن يتصف بالحصافةُ العلميَّة التامَّة، من حيث الإحاطة والموضوعيَّة. وعلى محكِّ هذين المعيارَين، يتحتَّم أن تبرأ الموسوعة من داءين خطيرين مزمنين: داءِ التحيُّز، وداءِ القصور عن الإحاطة. ولقد يتداخلان في موسوعةٍ رديئةٍ واحدة.  على أنها لم تخل موسوعة في العالم من أن تعتورها ملامح قصورٍ من قِبَل أحد هذين المعيارَين، أو من كليهما. ذلك أن لكلِّ عملٍ موسوعيٍّ أهدافًا معلنة، وأخرى ضِمْنية. وفوق هذا وذاك يبقَى تحدِّي التأليف الموسوعيِّ تحدِّيًا ضخمًا، لا يقوم إلَّا على كاهل فريقٍ واسع من المتخصِّصين. ولعلَّ أهم الشروط لإعداد موسوعةٍ علميَّةٍ معاصرةٍ تُجْمَل في الآتي:

1-    العمل بروح فريقٍ علميٍّ واحدٍ متكامل.

2-    قيام جهازٍ إشرافيٍّ عِلْميٍّ دقيق، يحتكم إلى معايير عِلْميَّة، لها صفة الحياد (النِّسبي)؛ لكيلا تطغَى توجُّهاتٌ خاصَّة أو ميولاتٌ صارخة، تُفسِد مصداقيَّة العمل لدَى جمهرة المتلقِّين.

3-    توافُر المحرِّرين الأكفياء، من أصحاب الخبرات الواسعة في هذا المجال.

4-    تحديد معايير ثابتة صارمة، تُطبَّق على جميع الموادِّ في الموسوعة؛ كي لا تخضع للارتجال، أو التشكُّل بأمزجة الباحثين الثقافيَّة، أو اتجاهاتهم العِلْميَّة، أو أهوائهم الاعتقاديَّة أو الفكريَّة.

5-    تصنيف المواد في أحجام متكافئة، وبمقاييس متوازنة، دون إسرافٍ في الإطالة، ولا إخلالٍ في الإيجاز.

6-    تدقيقُ المعلومات، مع تحديثها، في زمنٍ المعلومةُ فيه متجدِّدةٌ كلَّ صباح أو مساء، بل ربما كلَّ ساعة.

ولا ريب أن الموسوعات في مجالات العلوم البحتة، أو ذات الطبيعة المعلوماتيَّة، هي أقرب إلى تحقُّق تلك الاشتراطات والتزام تلك الحدود من الموسوعات الثقافيَّة والأدبيَّة.

[وللحديث بقيَّة].

أ.د/ عبدالله بن أحمد الفَيْفي

تابع مواد أخرى للكاتب على حساب "تويتر": https://twitter.com/Prof_A_Alfaify

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر مثلًا: الطرابلسي، أمجد، (1976)، نظرة تاريخيَّة في حركة التأليف عند العرب في اللغة والأدب، (دمشق: دار الفتح)، 175.

[email protected]

https://twitter.com/Prof_A_Alfaify

http://www.facebook.com/p.alfaify

http://khayma.com/faify

......................................

* [الكاتب: أ.د/ عبدالله بن أحمد الفيفي، عنوان الموضوع: «موسوعات: (رؤية تحليلية)!»، صحيفة "الراي" الكويتية، الأربعاء 10 يناير 2018، ص14]. 

وسوم: العدد 755