إلى الأستاذ سيد قطب في ذكرى إعدامه الـ51
حمَّلتك أنظمة العالم كل مصائب الدنيا، وظلت تردد ذلك، حتى سار خلفهم "أنصاف الإسلاميين" الجدد، وباتوا يرددون أقوالهم، ويفلسفونها بوجهات نظر ظاهرها الخوف على الإسلام، وباطنها التكسب، وحب العيش بدَعة وسلام.
وأنت من أهم الرموز التي يصلح النيل منها للوصول إلى مآربهم، فكلما هاجموك وكتبوا عنك بسلبية أثبتوا اعتدالهم وإيجابيتهم. وهم على استعداد تام للقبول بالعلمانية والليبرالية والبطيخية والملوخية كيفما كانت، ورهن إشارة أي مركز أو سفارة. ولكن؛ حتى السفارات الأجنبية لا يهمها ولا تلتفت إلى من يتعرون لها فكريا لإغرائها، ولا تعيرهم بالا، فكلما أمعنوا بالتعري والخضوع زهدت بهم، ورأت لحومهم رخيصة، لا تصلح للاستهلاك والعرض.
وذنبك أيها السيد في زمن العبيد، أنك رجل، ولدت في زمن غير زمنك، الذي تبعه زمن أسوأ منه، زمن أنصاف وأرباع الرجال، الذين يريدون الصعود على أكتافك الكبيرة، والتودد لحكومات الشرق والغرب بشتمك والانتقاص منك، وقد جعلوا من أخطائك خطايا، بلا أدنى موضوعية لما عشته وعايشته. فلم يعودوا يذكرونك إلا بكل مصيبة، ولو تتبع الآخرون مصائبهم لما كفتهم مجلدات، وحتى إن كثيرا منهم لم يعودوا يذكرون اسم "الإسلام" أو "الأمة" في أحاديثهم وتنظيراتهم، وكأن المتحدث منهم علماني بحت، وربما ذكر العلماني البحت ذلك، حتى يبرر لمواقفه، ويروج أنه ليس ضد الإسلام.
وهي عادة قديمة، تعرفها جيدا أيها الأديب الأريب، ففي عصر الذل يقدم الأذلاء أبطالهم قرابين لمذليهم، وقد يصموا شجعان تاريخهم بالوحشية. والفاسدات على نفس المنوال؛ أكثر ما يحز بخواطرهن وجود حرة شجاعة في محيطهن، والانتقاص منها، وحتى قتلها، أو قتل ذكرها، وتحميلها كل ما فيهن ما يريحهن، فنقص رجولتهم صار يمنعهم أن يصفوك بالرجل الذي وقف في وجه طغمة مجرمة، بعيدا عن فكرك، الذي لا نعتبره كلاما منزلا، ويحتمل الخطأ والصواب، فإذا كان الإنصاف والرجولة يحتمان علينا وصف عنترة والمهلهل وصولا إلى صدام رغم بعثيته القومية بالشجاعة والرجولة، فمن باب أولى وصفك بذلك، وأنت الذي وقفت بوجه الظالمين بمفردك، رغم إغراءاتهم التي يسيل لعاب ناقديك لأدنى منها.
لا يؤلمني مهاجمة النظم لك، فهذا أمر طبيعي، وقد اجتهدت وتكلمت عن المسكوت عنه فيهم، بقدر ما يؤلمني من كانوا قبل عقود يقدرون ما كتبت، وأصبحوا الآن يشنون عليك الحملات الناعمة والخشنة، ويحملونك كل بلاء، باسم نضوجهم الفكري، وفهمهم للواقع.
نم في سلام أيها السيد، واترك العبيد يتسولون الفتات بتنازلاتهم وتراقصهم على عتبات كل من أعدموك..
أخي وصديقي /
محمود ناجي الكيلاني
وسوم: العدد 768