قبل اثني عشرة سنة افتقدنا فارس الكلمة
قبل اثني عشرة سنة كان فارس الكلمة محمد الحسناوي بيننا يملأ حياتنا أملاً واستشرافاً بمستقبل يحلم به لسورية التي أحب وعشق وهام، وحتى قبل أن يغادرنا لم يتوقف يراعه عن العطاء حتى آخر لحظة من تصاعد أنفاسه، مبشِّراً بغدٍ مشرقٍ يُطلُ على سورية، يبدّد دُجى الظلمة التي يلفها!!
محمد الحسناوي المعلّم الذي استلهمت منه الكثير وتعلمت منه الكثير، عرفته عن قرب، عشت معه أياماً عصيبة، وذقت وإياه من مرارة كأس النظام الأسدي العلقم، وتقلبت وإياه نتجرع مرارة النفي القسري في بلاد الله الواسعة، وحلمت معه بعودة كريمة إلى الوطن حيث الأهل والعشيرة ومراتع الصبا، حلمت معه بعودة تكون فيها قاماتنا منصوبة، وهاماتنا مرفوعة.
غادرنا محمد الحسناوي، قبل أن تجف أوراقه، ولم يبخل علينا مداده، الذي كنا نستلهم منه الصبر والجلد والبذل والجهد والعطاء، دون كلل أو ملل، كما عوّدنا وكما علمنا!!
غادرنا محمد الحسناوي ولا تزال كلماته أجراساً تدغدغ مسامعنا، فتشحن نفوسنا مزيداً من النهوض والمثابرة والإقدام، دون الالتفات إلى الوراء، إلاّ بما يزيد من عزيمتنا وإصرارنا على الكفاح من أجل إعادة الابتسامة لترتسم على شفاه الأيتام والأرامل والثكالى، ضحايا النظام السادي الذي جاء به حافظ الأسد، من ظلمات القرون الغابرة!!
لم تحل بُعدُ المسافات المتطاولة، ولا الأسوار الشاهقة، من أن يخاطب محمد الحسناوي سورية والسوريين مستنهضاً هممهم، لتمزيق أستار الظلمة عن وجه سورية الحبيبة الأسيرة، لتعود دمشق الفيحاء كسابق عهدها، منارة تشع منها الحرية والنور والمدنية والحضارة والعطاء الإنساني!!
محمد الحسناوي فارقنا بجسده، ولم تفارقنا روحه، التي ستظل تحلق في سماء قلوبنا، حتى نلحق به، فهذا قدر قافلة الرحمن، يرتفع واحدنا إلى بارئه تلو الآخر، دون أن تنقطع هذه السلسلة المباركة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!!
غادرتنا محمد الحسناوي دون أن تشاهد وتسمع ما فعله الأسد الصغير بسورية وأهل سورية من خراب وقتل وتنكيل وتهجير، ولعل في ذلك حكمة؛ فأنت صاحب القلب المرهف الرقيق الذي لا يحتمل مثل هذه المشاهد المؤلمة، فاختارك الله إشفاقاً بك ورحمة عليك، فطب نفساً بما حباك الله واختار لك.
نعاهدك يا محمد الحسناوي أننا سنظل على العهد، عهد الوفاء للقضية التي عشت ومت لأجلها، نعاهدك أن تظل حدقات عيوننا مصوبة إلى سورية، نقارع الظلم وأهله حتى يحكم الله بيننا، مهما غلت التضحيات وتوالت الأيام وبعدت المسافات، فكما كنت حتى الرمق الأخير من أنفساك مستلاًّ قلمك، مشهراً يراعك، تنافح به عن وطنك، وتذود به عن دينك وشرفك، سنظل على نفس الطريق وحتى صعود النفس الأخير كما كان حالك، وحتى نلاقي الله كما لقيته، أحراراً منتصبي القامة، مرفوعو الهامة، سلاحنا قرآننا وقلمنا، ومعيننا مدادنا، الذي لن يجف وفي عروقنا دم يتدفق، وبين صدورنا قلب يخفق!!
وسوم: العدد 815