وعلى بعد المزار ووحشته جاءنا نعي شيخنا الشيخ أحمد الحصري رحمه الله حيث توفي في 21/8/1986 ووصلنا الخبر بعد عامين فكتبت هذه القصيدة وألقيتها على الشباب في حفل تأبين أقمناه على روح شيخنا رحمه الله.
أتاك يا قلب ما قد كنت في حذر=تخشى وتحسب يوماً لوعة الخبر
أبو المعرة والصرح الكبير بها=ورائد العلم والتشريع للبشر
أفض إلى جنة الفردوس يخلفه=حتى القيامة طيب الذكر والأثر
والدين في لوعةٍ ينعى مجدده=والشرع والعلم والأيتام في خطر
فإن تك اليوم يا محمود ذا أدبٍ=وللقريض صديقاً كنت من صغر
وكلما جل خطب رحت راثيه=وهدك الخطب فارث أحمد الحصري
بالشعر والنثر وابل فقده بدمٍ=من الفؤاد ودفع سح منهمر
آه فما كتبت اليوم في قلمي=من القصائد والأقوال والفكر
أو استعرت من الألفاظ أعذبها=ثم البلاغة ما يحلو من الصور
فلن أو في له حقاً وتكرمةً=أو أن أصور فيه جانب الكبر
لكن عساني أو في بعض واجبه=وإن عجزت فأرجو لمسة العذر
منكم وبادئ ذي بدئٍ عرفكم=فيه بشكلٍ سريع العرض مختصر
أ[وه من قرية العذفا وأسرته=قد هاجرت مثل ما قد كان من أسر
منها إلى بلدة النعمان تسكنها=وتلك هجرتها كانت على قدر
وكان مولده فيها ونشأته=وقد ترعرع فيها ناعم الظفر
حتى إذا شب واشتدت مواعده=وصار من سنه في زهوة العمر
مضى إلى حلب الشهباء في هدفٍ=عالٍ ثمين عظيم الشأن مفتخر
علم الشريعة من دين ومن خلقٍ=ومن أصولٍ وتفسيرٍ ومن يسر
أيضاً وفقهٍ وتوحيدٍ ومصطلح=وما تواتر من نقلٍ ومن أثر
وعب من بحرها الفياض في شغفٍ=وغاص خلف لآلي الفقه والدرر
حتى تروى وزان العلم طلعته=وزين الوجه نفل الليل والسحر
مضى إلى المسجد المعمور ينشرها=والريف والسوق بل في ساكن الوبر
أجل وكانت بلقياه مناطقنا=تلقى من الخير ما تلقى من المطر
حتى السجون دور الأسر قد شهدت=له بفضلٍ عظيم الشأن مشتهر
قضى بها ست أعوام يحصلها=وعاد ينشرها في البدر والحضر
حيث أشرقت الشهباء ثم زهت=بالخسرفية والأعلام والبدر
لله سعياً وأفنى العمر قاطبةً=في العلم والنفع والتعليم
أمام مصلحةٍ بل رهن مشكلةٍ=للمسلمين وأمر محدق الخطر
ما جل خطب ولا حلت بنا محن=واستفحل الخطب حتى طار كالشرر
وإلا وقمت بعزمٍ لا حدود له=تجلو ظلام غيوم النحس والضرر
أما مواقفكم من فرط قوتها=ومن ضياءٍ ونور عم منتشر
كانت جبالاً وكنتم في الربا قمماً=تجود بالسل للوادي وبالنهر
ندىً وبراً أو أكرم فيك من علمٍ=بالعلم والفضل والإيمان مزدهر
ويشهد الخلق والتاريخ موقفكم=تيها ويسطع نبرا سامدى العصر
في يومٍ جاءوا بدستور ليحكمنا=فيه الطغاة رقيعٍ كاذب أشر
ورحت تلقي خطاباً فوق منبركم=حراً صريحاً بلا خوفٍ ولا خور
مثل الفياصل في الهيجا وما فيه=أو كالسهام عن الأقواس والوتر
بل كالصواعق دكت عرش من جحدوا=على لسان رسول الله والنذر
وكنت فيه حكيماً ثم ذا بصرٍ=وليس مثلك في الأحداث ذا بصر
بحيث لم يبلغ المأفون غايته=ولا المنافق ما يرجو من الوطر
وشدت معهدك الراضي على أسسٍ=صخريةٍ وصلبة البنيان والجدر
فكان ورداً وبستاناً يطيب جل=ويانع الغصن والأوراق والثمر
رغم المعارضة الكبرى ويدعمها=حزب الملاقيط بله الجبن والخور
أبا محمد ماذا عنك أكتبه=والشعر يحجم في عجزٍ وفي قصر
وقد تركت عباد الله بعدكم=والمسلمين بظرفٍ مرهقٍ عسر
حتى كأنهم من بعد موتكم=ومن بموتك لم يفجع ولم يحر
حتى وبالأرض يا شيخي وما حملت=ومن ثقل بحلٍ أو على سفر
هذي السماء بلا شمسٍ تضيء بها=أو النجوم بليل دونما قمر
وحال آلاف طلابٍ تركتم=من لوعة الحزن رهن الهم والكدر
حال الشياه التي أمست يهاجمها=سبع الفلاة بليل مظلمٍ مطر
ولا مدافع من راعٍ ومن حرسٍ=ومزقتها سباع الوحش والصقر
وطيب ذكرك حيٌ في ضمائرهم=مدى الحياة وفواح على العمر
وعشت لم يخل يوماً قط بيتكم=من الضيوف وممن باع في عذر
آهٍ ومالي عزاء في رحيلكم عنا=وقد نمت بين التراب والحجر
حتى أراك بدار الخلد متكئاً=على الأرائك والديباج والسرر
وألثم الكف من حبٍ وأرفعها=إلى الجبين كوردٍ مزهرٍ عطر
وبعد عمرٍ طويل يا مربينا=قطعته بالتقى والنفع والطهر
رحلت عنا وقلبي شاعب معكم=وفي حياتك آيات لمعتبر
من عام عامل حرٍ وداعيةٍ=مجاهدٍ ولدين الله منتصر
تظنه ملكاً من جل هيبته=يمشي على الأرض في ثوب من البشر