رسائل من أحمد الجدع 70 و71
رسائل من أحمد الجدع
أحمد الجدع
( 70 )
إلى شاعر "الله أكبر" عبد الله شمس الدين .
أحييك وأنت في حياة البرزخ ، ترقد في قبرك منتظراً يوم البعث لتستقر إن شاء الله في حياة الخلود ، فيما يكافئك الكريم على ما نافحت بشعرك عن عقيدتك .
ولأنك كنت شاعراً إسلامياً ، تميل في أشعارك إلى صوفية مستنيرة ، لقبك محبوك والمعجبون بشعرك بلقب "شاعر التوحيد" ولقبك تلميذك وخليلك عبد العليم المهدي بلقب "قيثارة التوحيد" ، ولعل هذا اللقب أكثر مناسبة لأنك شاعر ، والشعر يغنى على قيثارة ، وشعرك شعر التوحيد .
أبدعت ألفاً ومئتي قصيدة كما قال عبد العليم المهدي في كتابه "عبد الله شمس الدين قيثارة التوحيد" ولولا كتابه هذا ، وكتاب عبد القادر فريد "عبد الله شمس الدين شاعراً" لما ذكرك ذاكر من أمة العرب التي تغفو على بحر من النفط ، متعرية من بحور الثقافة منسلخة من عباءات الشعر .
وقد صدر لك أربعة دواوين : أولاها "أصداء الحرية" عام 1954م قبل العدوان الثلاثي على مصر ، وثانيها "الله أكبر" صدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وقد كنت مستشاراً ثقافياً له ، وثالثها "وحي النور" ، ورابعها "نداء الروح" .
وفي أثناء العدوان الثلاثي على مصر كتبت نشيدك الخالد "الله أكبر فوق كيد المعتدي" الذي أوقع صدىً واسعاً في أثناء المعركة التي شنها الثنائي الصليبي فرنسا وإنجلترا ، متحالفاً مع الحقد اليهودي فيما يدعى بإسرائيل .
كنت رئيس "ندوة شعراء العروبة" وفي أثناء الوحدة بين مصر وسورية ، وفي عام 1959م كان مقرراً "لندوة شعراء العروبة " أن تعقد مؤتمرها السنوي في دمشق ، وكان المدّ الشيوعي قد شدد قبضته على مصر ، وعلى الاتجاه الثقافي بخاصة ، فأهمل دعوتك ، وعقد الاجتماع ... ولكن ... فقد كان مقرراً أن يفتتح الندوة السيد كمال الدين حسين ، وزير معارف الوحدة ، فلما جلس على منصة الندوة ، سأل عنك ، فلما علم أنك لم تُدع ، استاء لذلك ، وأمر بتأجيل الاجتماع لحين وصولك من مصر .
وعندما وصلت إلى دمشق افتتحت الندوة ، ولم يقف على منصة الندوة سوى الوزير وأنت ، وأمر الوزير بافتتاح الندوة بنشيدك : الله أكبر .
بعد انتهاء حرب 1956م طرحت فكرة استفتاء شعبي لاختيار نشيد وطني لمصر من بين الأناشيد التي ألفت في أثناء الحرب ، ففاز نشيدك "الله أكبر" بالمرتبة الأولى ، ونشيد "والله زمن يا سلاحي" بالمرتبة الثانية ، ونشيد "إلى المعركة" بالمرتبة الثالثة .
ومع ذلك جرى تنحية نشيدك ، وتم اختيار نشيد "والله زمن يا سلاحي" ليكون النشيد الوطني لمصر .
وقيل إن نشيد "والله زمن يا سلاحي" مترجم عن اللغة الروسية ، وكان الشيوعيون في مصر في أثناء العدوان الثلاثي وبعده يسيطرون على الثقافة والإعلام في مصر !
لم يختر نشيدك في مصر ... ولكنه اختير في ليبيا ليكون النشيد الوطني لها ، وبقي كذلك إلى أن رحل القذافي عن حكم البلاد ، فأسقطه الثوار "العظام" ووضعوا في مكانه نشيداً جديداً مطلعه : ليبيا ... ليبيا ... ليبيا ...
تلقيتَ عدداً هائلاً من رسائل الإعجاب بنشيدك "الله أكبر" ، وكانت قصيدة صقر بن سلطان القاسمي من أجمل قصائد الإعجاب ، ولأنها قصيدة عزيزة الوجود ، حتى إنها لم تدرج في الأعمال الشعرية الكاملة للشيخ ، فإني أوردها هنا ليطلع كل محب للشعر حريص على الاطلاع على روائعه :
يا شاعر الله أكبر |
|
سموت لحناً ومخبر |
يا شاعر التوحيد : ولدت في القاهرة عام 1921م ، وتوفاك الله فيها عام 1977م .
حفظت القرآن الكريم في صباك ، ودخلت الأزهر الشريف دارساً ، وعملت فيه مستشاراً ثقافياً .
رحمك الله رحمة واسعة ، وأدخلك جنة نعيم ، وأنا معك .
( 71 )
المارشال عيدي أمين دادا – أوغندا .
ذكرت كلية التاريخ والسياسة بالجامعة الكاثوليكية بالولايات المتحدة الأمريكية أسوأ عشرة أشخاص في التاريخ ، وكان المسلم الوحيد بين هؤلاء العشرة أنت ؛ عيدي أمين دادا !!
وقد سلكتك هذه الكلية مع نيرون الامبراطور الروماني الذي أحرق روما وأخذ يستمتع بها وهي تحترق ، وأثيلا قائد الهون الذي اجتاح أوروبا ، وإيفان الرهيب امبراطور روسيا القيصرية ، وأدولف هتلر الزعيم النازي الألماني ، وجوزف ستالين رئيس الاتحاد السوفيتي ، والمرأة الوحيدة في هذه القائمة السوداء هي كاترين دي مديتشي ملكة فرنسا في القرن السادس عشر .
أقول : هذا من وجهة نظر هذه الكلية ، وهي تنظر إلى هؤلاء الرجال بما اقترفوه بحق بلادها ودينها ، وكل هؤلاء الأشخاص خضعوا لعملية تشويه إعلامية لسنا ندري إن كانت صحيحة أم ظالمة .
وقد عاصرتُ الحملة الظالمة عليك ، والتي شنها الإعلام الغربي بضراوة ، ويا أسفاه فقد شارك الإعلام العربي والإسلامي في هذه الحرب الظالمة !
أصبحتَ ضابطاً في الجيش الانجليزي الذي كان محتلاً لأوغندا ، وكان ملتون أوبوتي رئيساً للبلاد ، وكان أوبوتي هذا محباً لإسرائيل ، فتح لها في أوغندا سفارة ، وأصبحت هذه السفارة مدخل إسرائيل إلى إفريقيا .
أرسلك ملتون أوبوتي عام 1961م إلى إسرائيل لعقد اتفاقية معها .
وفي أثناء وجودك في إسرائيل زرت القدس ، وصليت في المسجد الأقصى ، والتقيت بالمسلمين الفلسطينيين ، وتحدثت معهم ، وعرفت معاناتهم ، فطلبت من أوبوتي تحويل رواتبك كلها لإصلاح المسجد الأقصى ، وقد تم لك ما أردت .
توليت رئاسة أركان الجيش الأوغندي عام 1966م .
وفي عام 1967م انتصرت إسرائيل في الحرب الهزلية على العرب ، فتألمتَ لذلك أشدّ الألم ، ولكنك لم تستطع أن تفعل شيئاً ، وقد هنأ رئيس أوغندا ملتون أوبوتي إسرائيل بهذا الانتصار .
وفي عام 1968م في ذكرى الانتصار أرسلك أبوتي في بعثة عسكرية لتهنئة إسرائيل بوصفك أكبر شخصية عسكرية في البلاد .
كان حكم ملتون أبوتي غارقاً في الفساد ، فأغضب ذلك الجيش ، فطلبوا منك أن تتولى حكم البلاد ، فاستجبت لهم ، وأطحت بحكم أبوتي الذي فرّ إلى تنزانيا عام 1971م .
كنت رجلاً شجاعاً ، محباً لوطنك ، وكان الاقتصاد الأوغندي في يد التجار الهنود الذين كانوا يحملون الجنسية البريطانية ، وكان عددهم كبيراً ، فاتخذت قراراً جريئاً بإبعادهم جميعاً إلى إنجلترا ، فكان هذا التصرف مزدوج النفع إذ حررت الاقتصاد الأوغندي ، وأثقلت كاهل الاقتصاد البريطاني بهجرة حوالي خمسين ألف هندي إلى بريطانيا .
وعندما تسلمت قيادة أوغندا كان عدد المسلمين ربع مليون ، فعملت على نشر الإسلام حتى بلغ عددهم عند مغادرتك الحكم ستة ملايين نسمة ، وكان هذا مما أخاف الغرب .
وكانت إسرائيل في عهد أوبوتي قد تمكنت بكل مرافق البلاد ، فقررتَ التخلص منهم فطردت السفير الإسرائيلي من البلاد ، وأخرجتَ معه جميع الخبراء اليهود ، وكانت لك تصريحات مثيرة ضد اليهود ، واعتبرتهم شراً يجب أن يقضى عليه .
وفي حرب رمضان جهزتَ كتيبة من الصاعقة الأوغندية وذهبتَ على رأسها إلى سورية ، وشاركتَ في قتال اليهود ، كما أرسلتَ كتيبة أخرى من الصاعقة إلى مصر واشتركتْ في القتال .
أحببتَ العرب عامة وعرب فلسطين خاصة ، فوثقتَ علاقاتك بالدول العربية ، وقطعتَ خمسين ألف ميل لتشرح القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني ، فاستجاب عدد من الدول الإفريقية ، وقطعوا علاقاتهم بإسرائيل .
انضممتَ إلى الدول الإسلامية في مؤتمر منظمة الدول الإسلامية المنعقد في لاهور بباكستان ، واجتهدتَ في تقريب الدول الإفريقية من الدول العربية في اجتماع القاهرة المنعقد في يناير عام 1977م .
ثم أصبحتْ أوغندا رئيسة لمنظمة الوحدة الإفريقية ، فاجتهدتَ أن تؤلف القلوب وأن تبصر الدول الإفريقية من خطر اليهود .
لهذه الأسباب أبغضك الصليبيون الجدد وشنوا عليك حملة تشويه ظالمة ، ثم دفعوا جوليوس نيريري رئيس تنزانيا لاجتياح أوغندا وقد زودوه بأحدث الأسلحة في حملة صليبية معلنة ، فلم ينجدك أحد .
عيدي أمين دادا ، ولدت عام 1928م في قبيلة كاكو ، وهي من أكبر القبائل الأوغندية ، وعندما احتل جوليوس نيريري أوغندا لجأت إلى ليبيا ثم إلى العراق واستقربك المقام في جدة بالقرب من البيت الحرام ، وتوفاك الله ولك من العمر ثمانية وسبعون عاماً .
المجاهد عيدي أمين دادا ، رحمك الله ورحمني معك .
* المصدر الرئيس لهذه المعلومات مقابلة صحفية أجرارها رئيس تحرير اللواء الأردنية الصديق المرحوم حسن التل في مدينة جدة مع المارشال عيدي أمين دادا ونشرها في عددين ، الأول صادر في 11/2/1981م ، والثاني في 18/2/1981م .
([1]) لخضر : الأخضر .