عندما يموت الدعاة
محمد هيثم عياش
غيب الموت الذي كتبه الله على عباده اجمعين مؤخرا بالعاصمة الاردنية عمان كما قرأتم وسمعتم الاستاذ محمد عيد البغا / ابو سليم / ونعاه الافاضل مثل استاذنا الكبير عصام العطار حفظه الله تعالى وهو اعلم به مني ومن الجميع . والاستاذ ابو سليم رحمه الله يمتُّ بصلة رحم من قبل ابواي وان كنت لم أعاشره كثيرا الا انني كنت المس منه صدق الجهاد والدعوة الى الله تعالى بالاحسان فقد روينا عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله يحب من عباده العبد التقي النقي الغني الخفي فالذين وأمثال هؤلاء العباد قليلون في ايامنا هذه . لما كنت صغيرا واثناء اقامة والدي في بيروت أواسط الستينات حتى أوائل السبعينات كنا نألف العم أبو سليم نذهب الى دار الفتح ونقرأ القرآن ويستمع لنا ويصحح لنا ، ولما سمح حافظ أسد عليه من الله ما يستحق لبعض قادة الاخوان المسلمين السوريين بالعودة الى سوريا بعيد اندلاع الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 كنت ممن رافق الاستاذ عيد البغا رحمه الله بالعودة الى دمشق في سيارة صغيرة لنقل البضائع كان صاحبها لبناني مسيحي يعمل في صناعة تجليد الكتب اسمه / ابو الياس / وقال لأبي سليم ان سألك شرطة الجمارك أمعك شيء يجب عليه دفع الضريبة فقل / لا / وعند نقطة الجمارك منطقة / المصنع / سالة موظف الجمارك ان كان معه شيء فقال / لا / ولكن جهاز رائي / تلفزيون / فأخذ منه الضريبة ، فقال ابو الياس لأبي سليم الم أقل لك ان تقول له / لا / فقال ابو سليم رحمه الله انا لا أستطيع أن أكذب . الا أن ابا سليم لم يبقى في عاصمة الامويين الا أشهرا معدودات وغادرها مع من غادرها الى عمان والله بيننا وبين النظام السوري فالطاغوت عندما يحكم يصبح أعمى اصم فاقد للحكمة جاهل بالسياسة لا يحب أناني لا يتمتع باي مسئولية . وكان أبو سليم رحمه الله ينصحني بالتزام العلم والابتعاد عن الغوغائية ، ورأيته آخر مرة في دمشق قبل ان أغادرها ونصحني بالتزام الحكماء من الناس ثم رأيته في مدينة آخن قبل سنوات كثيرة وعمره السرور لما علم بأنني على وشك الانتهاء من رسالة علمية حول الاعلام ، وكنت اذا رايتَ أبا سليم ترى نور الايمان ، فالايمان اذا ما خالطت بشاشته القلوب يصبح صاحبه اكثر جمالا ولو بلغ من العمر عتيا .
رحم الله أساتذتنا أبا سليم اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفنا بعده واغفر لنا وله وقاتل الله النظام السوري الذي يرفض استقبال الموتى من الدعاة من الدفن في بلدهم .
فالدعاة عندما يموتون تصبح الدنيا للوهلة الاولى مثل قول الشاعر :
دعيني للموت اسعى فان رايت الموت قد نقب عن هشام
وهو هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم المعروف بالكرم
ومثل قول الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون والصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر