رحيلُ نَقيب المُخيَّميْن

 حسن الحسن

[email protected]

مضى  إلى جوار ربه، صابراً على مرضه العضال، محتسباً أمره عند الله، الأخ الفاضل الداعية علي عبد العال (أبو عبادة)،  نقيب مخيمي شمال لبنان، مخيم نهر البارد  الذي عصفت به حرب شعواء مشبوهة، أحالته أثراً بعد عين، ومخيم البداوي الذي كان مآل أبي عبادة إليه مهجراً ككثيرين غيره.

 استشعر أبو عبادة رحمه الله مسؤولياته تجاه أمته ودينه مبكراً، فخرج من مستنقع البؤس الذي كُتِبَ على أهل فلسطين في مخيمات العقاب الجماعي في لبنان، حاملاً الدعوة إلى الله تبارك وتعالى بغية استئناف الحياة الإسلامية، رغم كل الأعباء، من قصر ذات اليد وكثرة العيال وتراكم الهموم عليه. فيما نجد كثيراً من المسلمين المترفين، قد غلبت عليهم شهواتهم وطغت عليهم مصالحهم الشخصية فتخلوا عن مسؤولياتهم، لاهين عن قوله تعالى (فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى).

 من مآثره رحمه الله، أنه كان يعمل جاهداً لرأب الصدع بين أهالي مخيم البداوي من جهة ومن حوله من السكان بعد أن أدت حرب مخيم البارد إلى إيجاد شرخ ما، بين الفلسطينيين واللبنانيين في تلك المنطقة، مذكراً الجميع أنهم ضحايا السياسة القذرة المتبعة في لبنان، وأنهم مسلمون أولاً، لا يصح أن ينزلقوا بتاتاً في أتون العصبيات الوطنية الجاهلية.

 كما كان له موقف مشهود حين فاجأ ممثلي فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" في مخيم البداوي، بالنزول عند طلبهم بعدم مجابهتهم وفضح خياناتهم على الملأ،  فقط عندما يتعهدون هم أولاً بإيقاف ذلك النهج المخزي المعبد بالتنازلات المهينة الذي سلكوه مع عدو الأمة الإسلامية المسمى بـ "إسرائيل".

 كان أبو عبادة رحمه الله بشوشاً وصاحب دعابة لطيفة، رغم ما يعتريه من هموم، وكان ينظر إلى مأساته كجزء من مأساة الأمة الإسلامية اليتيمة. عندما التقيته السنة الماضية، حاولت تهدئة خواطره بعدما أصابه وأهله من تشريد، فأجابني باسماً "نحمد الله تعالى، نحن بالنسبة لغيرنا  -من المهجرين المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي - مهجرون خمس نجوم". كنا نقضي سوية سهرات شبه يومية، تصل إلى جوف الليل، نتحدث فيها عن قضايا الأمة، وعن ضرورة التقرب إلى الله تعالى حتى لا تتمكن الملهيات الكثيرة وضغوط الدنيا الشديدة من فتنة حامل الدعوة، لا سيما مع غلبة القيم المادية بشكل فج على القيم النبيلة والمثل العليا.    آلا رحم الله أبا عبادة وضاعف له في حسناته وتجاوز عن مزالقه برحمته وأدخله فسيح جنانه مع الشهداء والصديقين، وألهم أسرته وآله وصحبه وحزبه ومحبيه جميل الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.