رسالة إلى عمرو خالد
أخوك الشاعر والروائي عبد الكريم ناتي
|
عبد الكريم ناتي |
أخي الأستاذ عمر خالد
لقد حجبك الإعلام عنا فصار بينك و بين محبيك بيد دونها بيد كما قال الشاعر و هذه ضريبة النجاح على العموم وعقدة الحاكم العربي على الخصوص فأسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على ما بذلته من جهد حوَّل الإسلام من عبوس المتشددين الظلاميين عقيمي الفهم الذين يريدون الشهرة لأنفسهم متخفين وراء ستار التقوى والحرص على الأصول والغيرة على الدين حوله إلى بيت يحس فيه المسلم بالسعادة والأمان. و والله لقد كان للتلفاز على عهدك طعم و نكهة تغيرت مذاقتها من الحلاوة إلى طعم العلقم ذاك أن الإسلام-وهذا أصله- كان قد رآه الناس الذين لم يعرفوه حق المعرفة على عهدك فرِحا تملؤه البشاشة بما سعيتَ إليه من إظهار هذه الحقيقة فصرت بفضل الله الواحد الأحد حبيبا للناس و داع صيتك حتى خشي مُحبو ديوع الصيت على أنفسهم فابتدروك أول ما أخطأت-وجل من لا يُخطيء-ثم نسوا بعد ذلك ما كان لك من فضل بعد الله في هداية الكثيرين وفي إدخال السعادة إلى الكثير من البيوت.
وكان ممن انتقدوك و قسَوا في انتقادهم جمع لا نشك في غيرتهم على الدين لكنهم لم يتروَّوْا في انتقادهم ولا كانوا كيِّسين فشنوا عليك حملة الذئب على الفرائس وتجاهلوا أدب الحوار و النفسُ أمارة بالسوء لم ينج منها حتى العلماء. وحين كنتُ أقرأ أو أسمع تعليقاتهم على موضوع "فشل الرسول ص" في بعض الأمور كان ينتابني الذهول و تساءلتُ ساعتها "هل يوجد ناجح في كل شيء إلا الله وحده" و تساءلتُ ما معنى أن يُقال أن "رسول الله ص" لا يفشل مُطلقا مع أنه بشر تنطبق عليه صفات البشر من عدم الكمال الألوهي حتى و إن سُدد بالوحي و عُصِم بالرسالة و النبوة.
ألم يفشل سيدنا يونس عليه السلام في دعوة قومه فأبق إلى الفلك المشحون؟ألم يفشل نوح
عليه السلام ولولا ذلك ما دعا على قومه؟ ولوط...ألم يؤمن له غير أهله إلا امرأته؟
ثم أليس من الأنبياء من سيُبعث لوحده يوم القيامة لا تابع له من قومه أو غير قومه؟
الفشل في أمر هو عدم النجاح فيه و ليس مسبة أو إهانة وإلا فلِم لَم يعاتب الله نبيا
على ما أحرزه من النقصان والفشل؟ إن له حكمة سبحانه مفادها أن الكمال له وحده لأن
قضاءه و إرادته أمر نافذ بمجرد قوله "كن"...و رسول الله ص هل نجح في إقناع أبي جهل
مثلا والوليد ابن المغيرة وغيرهم و قبل ذلك عمه أبو طالب أحب الناس إليه آنذاك حتى
أنزل الله في ذلك " إنك لن تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء..." هل نجح في أن
يصد أذى الكفارعنه مُطلقا حتى جأر إلى الله بدعاء الطائف المشهور؟
إنما دعاني إلى كتابة ما كتبتُ هو ما رأيت من الإعلام العربي الجاحد والفاسد والذي
مُدت منه قنواتٌ إلى بلاط الحكام يتحكمون فيه كما يأمرهم شيطانهم و أنفسهم المريضة
العاضة على العروش ولقد رأوا من علو شأنك و ديوع صيتك ما أرق منامهم و قض مضاجعهم
فاستنحوا الفرصة و للأسف ساعدهم في ذلك من رجال الدين من نددوا دائما بظلمهم أو لم
ينددوا مطلقا فأوقعو أنفسهم في حبال الشيطان و قد أعلنوا عليه الحرب دهرا و نصحوا
الناس بذلك.لا تبتئسْ يا أستاذ عمر وصحح النية دائما في الإخلاص و أجرك عند الله
وهو أعلم بذلك.