الجاهة الثقافية

صالح أحمد البوريني

الجاهة الثقافية

صالح أحمد البوريني

عضو رابطة الأدب الإسلامي

[email protected]

جاء في مختار الصحــاح لأبي بكر الرازي في مــادة  جوه :  ( الجاه ) القدر والمنزلة ، وفـلان ذو جاه وقد ( أوجهه ) و ( وجّهه توجيها ) أي جعلــه ( وجيها ) . وقـال الفيروزآبادي في القامـوس المحيط : الجـاه والجاهة : القدر والمنزلة .

واستعملت كلمة الجاهة في التعبير الشعبي للدلالة على جماعة من الوجهاء  يسعون بالخير ، ويُطلبون في مناسبات اجتماعية خاصة كالخطبة أو الزواج أو في الإصلاح بين الناس . ويتمتع أبطال هذه المناسبات من الوجهاء والناطقين باسم الجاهات العشائرية بكثير من المزايا الخاصة التي ربما يفتقدها كثير من المفكرين والأدباء والمبدعين والمثقفين والسياسيين . وثمة طقوس وتقاليد يعرفها أهل هذا الفن لا تتوقف عند فنجان القهوة الذي يعتبر تناوله جواز مرور إلى تحقيق مطلب الجاهة . بل تتجاوزه إلى كثير من المؤهلات الخاصة التي تتربع على قمتها خبرة اجتماعية عريقة ، ورسوخ قدم في معرفة القوانين العشائرية وفقه مصطلحاتها وتحليل رموزها ، إضافة إلى كثير من المؤهلات الوجاهية الشكلية التي لا يحفل بها  أكثر الكلاسيكيين والحداثيين من أرباب الأدب ورواد الـثـقافة .

وقد كنت على موعد مع جاهة خاصة ، في مكتب رابطة الأدب الإسلامي في عمان ، لم يكن فيها من خبراء ( الكار ) ، ولا نجوم الجاهات اللامعين  أحد ،  وقد ندبني الأخ المفكر والأديب إبراهيم العجلوني للتكلم باسم هذه الجاهة التي احتشدت في مكتب رابطة الأدب الإسلامي ، وانطلقت إلى حي نزال في عمان ، تجْمعُ بينها أخوة الدين ،  ورحم الأدب والثقافة ،  لخطبة فتاة للصديق الشاب الشاعر عماد نصار .. وبعد أن تمت مراسم استقبال الجاهة وأخذ كل مقعده وشنف الحضور أسماعهم للضيوف .. افتتح الأستاذ العجلوني الكلام ببساطته المسيجة  بالذكاء والفطنة فقال فيما قال :  \" ... فنحن كما تروننا جماعة من الكتاب والشعراء والأدباء والنقاد وأهل الفكر والأدب ..واعذرونا إذا لم تكن لنا دراية في شؤون الجاهات العشائرية ولا ضلوع في فن الخطاب العشائري .. ويمكنكم أن تسمونا جاهة ثقافية .. وقد عهدنا إلى البوريني ليتكلم باسمنا .. \" .

ولم أكن من ذوي الباع الطويل في هذا الفن ، ولكنها كانت لي تجارب محدودة مكنتني من التعامل مع مثل هذه المواقف بشيء من المرونة مستعينا بما أحفظه من النصوص الشرعية في مثل هذا المقام ، ولما كان من اعتقادي أن الشعر يؤدي وظيفة اجتماعية ، ويصلح أن يكون سفيرا بين الناس يقوي روابط المحبة ، ويخفف عن النفوس ، ويروح عن القلوب  ،  ويرطب أجواء الحياة ، ويعطر المجالس .  فقد حضرت في ذهني باقة شعرية ختمت بها  الكلمة التي تقدمت بها إلى آل المناصرة ، الذين كان كرمهم عربيا أصيلا ؛ إذ جادوا بالقهوة العربية والكنافة النابلسية والمرطبات الغازية بعد قبولهم طلب الجاهة يد ابنتهم لصديقنا نصار وقرئت الفاتحة وانطلق وابل من العيارات النارية الحية بعد عدة صليات من الزغاريد النسائية الحارة والحادة ..

حشدنا العلم  والأدبـا      ومن في الدين قد  رغبا

ومن قد ألف الكتبــا       و ألقى  الشعر  والخطبا

وسرنا حيث موعدنـا      بلوح الغيـب قد كتبـا

أتيناكـم علـى أمـل      وجئنـا نطلب  النسـبا