رسالة إلى السماء

في ذكرى أخي رحمه الله

عمر سعدي - سخنين

سلام عليكَ أخي ؛

نحو السماءِ أرفعُ رأسي ، أنظُر وأنتظِر، أطأطئ رأسي حُزناً فلا إجابَةَ تأتي ، لا حَرفَ يصعقُ عنفواني ، اعبري أيتها الكلمات ؛ مُرّي على مَهلِك من أمامي ، ضمدي جُرحي وغيبي.

آهِ يا شَوقي كَم أنا مُتعبُ الأمَل، مُثقل بالتساؤلات وعاجز عن تحريرِ لغزِ عبثية الدنيا مِن مكنوناتِه ، أتقلَبُ مِثل النعشِ الراقصِ فوق الأكتاف، يا عينُ فلتدمعي ولتذرفي مطراً وأحزاناً .

أخي ، كَم أشتاق إليك وأنتَ تُدرِكُ ذلِك ، هي اللحظاتُ أخذتكَ عنا وفي صمتٍ جارحٍ ودّعتنا ، آهِ كم أشتاق إليكَ فهل من كلام يعيدُكَ سراً إلينا ، هل مِن سماءٍ أقربُ نصعد منها إليكَ ، كَم طويلة هي المسافات ما بيننا ، أطول مما أطيق وأنا العاجز عن تغيير حياتي كيف بإمكاني أن أعيد الوقت من ساعاتِهِ لنحظى بقربك ساعةً أخرى نفضفضُ للضوءِ عن عتمةٍ أغرقتنا أو عَن شغفٍ أوقعَنا فلا زلنا ننازل أيقونةً في السماء ترفض أن تنقلنا إليك.

أنا بخير، تغيرت ملامِحي قليلاً ، صِرتُ هادئاً بعض الشيء وعابثاً نوعاً ما باحتمالاتِ وجودي ، أتذكرك دائماً لتعيدني ابتسامتك للدنيا مِن جَديد ، كم قاسية هي الأرض التي تأخذ عنا من نُحب، كم حزينة أيامنا التي وقفت عند آخِر مُلتقى وترَكتني أحاول فهمَ ما يجري فلا أحظى بثانيةٍ للقائكَ وأنتَ الذي سلَّمني عنفوانَ الحياةِ وغاب.

عيناكَ في السماءِ شواهد وأنا في زحامِ التقدم والتأخّر لا زلت أمضي ، بينَ حياةٍ أكرهها وبقاء يقتلني ، آه كم قاسية أسرار تلك الحياة وغريبة أشياؤها التي تريد منا ما نُحب لترحل تاركةً أشياءها جانباً والسكون يقتلها من عبثية التفكير بلقاءٍ يجمعنا مرة أخرى.

لماذا تَركتَنا هكذا ورحَلت؟. ألم تكفيكَ أدمعنا كي تعود؟؛ لا لشوقي أو لحُزني ، ليسَ لي ، لآلافٍ ركضوا خلفَ نعشِكَ صامتين بانتظارِ صوتِك حينَ يعود من مجهول بعيد أو قدرٍ تحتَ أرضٍ صامتة ، كم همستُ : أخي ، تعال! نصارعُ شمساً من خيالٍ يعترينا ! شغف يسكنُ فينا وموتٍ جاء يأخُذنا ويُبكينا .

هائجة هي الدنيا بعد رحيلكَ ، تائهة في احتمالات الوجود الحزين، رافضة تلك الحقيقة فلا حقيقة أصدق من موتٍ يعانقنا فيأخذ من نحب ويمضي ، كم قاسية هي الأقدار وعالية علو الريح لا نقدر أن نلمسها لنجعلها تحنّ قليلاً علينا فتتركنا وتمضي كي تعود، آهِ يا أمي ، اكتبيني بدمعِكِ حبراً وامسحيني ، اجعليني طيفاً يحومُ بلا مكان واحمِليني مرَّةً أخرى لأولدَ من جديد.

عادَ أخي فلا تَحزني ، عاد أخي  يلوِّح في يديهِ مِن بعيدٍ خلفَ شمسٍ لا تغيب . الفجرُ يحمِلُنا إليكَ فلا تُغادِر غيمةً أنتَ سيِّدها وحاملها إلينا، لا تغادر سربَ عُمرٍ لن يعود إذا مَضى ، لا تفكر بالهروب فلا طاقةَ عِندي كي أسابقَ طيراً يحلِّق عالياً في صميم السماء.

أمسحي دمعَكِ أمي / عانقيني ...

 كسِّري الأقدار أسعدها وأتعسها.احمليني

في فؤادِك منبعُ العيشِ خلوداً أبدياً وامنحيني

حبّك الدافئ ،

 وفي صميمِ الروحِ يا أمي انثريني...

معاً تُهنا وعلى أفراحِ هذا العُمرِ طِرنا وسمونا في شقيقِ ربوعِنا حتى تَعِبنا ومعاً إلى آخر الدربِ سِرنا، لا تُبالي مِن عيونٍ تتربَّص لنا كي تكشف أسرارنا فنحنُ أسرار الحياة ، ابتسامة أخرى للطريق ، نحن كلام الضعفاء في حفيفِ الأوراقِ الساقِطة من شجَرةِ العُمر، هنا قُربَ هذا الشموخِ الرحيب تركنا بذور أحلامنا كي تثور وركضنا وحدنا في الريحِ تلثم خدنا الفراشات الهاربة من زهرة لزهرة تجني الرحيق ، كَم هي قاسية تلك الدنيا وكَم أنا حزين أحاول حل لغز الوجود الغريب ، وحدهم العقلاء ينزلونَ إلى البحر ليلاً فيبكونَ سراً أمام الله والبحر العميق ، يأخذ بوحنا ، يقلبهُ رأساً على عقبٍ ويصبحُ هادئاً من جديد.

ثمان سنواتٍ مضَت ولا زِلتَ ابنَ الثلاثين لا تُحرِّك ساكناً ولا زِلتُ أكبُر باضطراب، أنا الآنَ قابَ قوسينِ أو أدنى مِن اكتمال الذاكرة وانشطار الذكريات ، هُم التعساء مَن يملكونَ ذاكرةً قوية وذكريات مريرة ، أنا جيّد الحظِّ لأني لا زلتُ أحمِلُ حباً ألُفُّ بهِ ذاكِرتي السارِحة في غمامِ الانتظار السريع ، كم غيمة ستمضي وتأتي بانتظارِ مجيئكَ للديار أم أنَّكَ مللتَنا ، نحن بانتظارِك ... دمعٌ على خدِّ السنين تغطينا بساعِدها فيخطفنا المنون ويهرب من ركنٍ إلى ركنٍ يحرِّك أطرافنا مرةً أخرى سلاماً ويغرسُ خنجَر الانتظار الطويل في قلوبنا ، أما آن للرحيل الطويل أن يزول ، أما آنَّ أن تعود ؟!

رحمِكَ الله يا أخي

سيمفونيةِ الوجع المُقدَّس

وَجهُك نوَّارة العاشقينَ ووجهُ قمَر

يأخذُ الظِلُ ثناياك ويلهو بالمطَر

فيكَ تبتلُّ الأحاسيسُ مِن الحبِّ

وتولَدُ زنبقةٌ من حَجرْ

أيُّها الغافي على عرشِ الطفولةِ لا تنَم

في مرايا النفسِ أنتَ انعكاسُ القدَر

ليتكَ الآنَ بقُربي كَي أراك!!

يا عَزيزاً لوَّحَ القلبُ إليهِ ... فنَظر

نحَوَ ألوانِ الحياة

نَحوَ زنبقَةٍ في هواه

نحَوَ أمٍ لا تَراه...

وبظل الدربِ تاه

يا أخي الغالي على القلبِ

وذِكراكَ صَلاة

دع فُؤادي يلتوي في الركنِ كي لا تراه

دع عيوني الذابلاتِ

تذرفانِ الدَمع من ذِكراكَ، آه

 

يا أخي الغالي على قلبٍ تخلَّى

عن الإيقاعِ في دُنياكَ مهلاً

أنتَ إن ناديتَ في الدُنيا صغيراً

ردَّ الصدى في الأذهانِ أهلاً

يا أخي الغالي على أمٍّ طوتها

يَدُ الأحزانِ في صمتٍ تجلاَّ

تاهَتِ الأقمارُ مِن بعد رحيلٍ

زادَ في الظلماءِ ظلماءً وويلاً

لا يعودُ الصوتُ مِن صخبٍ وجيع

وإن عاد الصدى حُزنٌ أهلَّ

كيفَ تبدو الآنَ في الجنّاتِ بَدرٌ

وفي النجماتِ تبدو الآنَ أحلى

يا رفيقَ الروحِ ، يا صَمتَ المعاني

يا أماناً في صراخِ الروحِ ضلَّ

ليسَتِ الأنوارُ بعدكَ تبقى

ولا بعدكَ الأحلامُ تُبْلا...

في رحيلِكَ الأماكِنُ أقفرت

والصُبحُ بعدَ فراقِكَ صارَ ليلاً

تنادي مِن وراءِ الأفقِ ورداً

إذا وردَ الأحداقَ صَلاَّ

وبينَ سنابلِ الدُنيا نُقوشٌ

على صخرٍ بهذا العمرِ ظلَّ

بهاؤكَ شاهِق صلبُ

وراءَ الأرضِ يَفوحُ فُلاً

يَلمعُ وجهُكِ الساطِعُ حُسنٌ

حُسينُ الوجهِ في حُسنٍ تجلَّى

أراكَ بُعيدَ الكونِ مني

فكيفَ لقاءٌ مرةً أخرى سيأتي

كما في ذاتِ يومٍ قد أهلَّ ...

 

يا أخي؛ يا زهرةَ في البال/كيفَ حالُك ؟!

وأنينُ ذاكرةٍ مِن الإسفلتِ حُبلى

بأفكارٍ من شُعاعِك

وجمالك ...

ليتَ رحلتنا بهذا الكَونِ طالَت

واحتمالٌ!!

أن أراكَ الآن، تَعبَثُ في خيالِك...

كُن واثقاً ، كُن مُشرقاً

وانظُرْ كتلكَ الشمسُ في الصبحِ

تعالْ!!

كي ألاقيكَ

تُلاقي الوردَ ريَّاناً بمائِك!!

هل تَرى في الأرضِ ما يَهوى الحَياة!

سوى ذِكرى

تُعلِّق صرخةً للروحِ في صمتِ احتمالِك

متي ستجيبُ سؤالاً كدتُ أنساهُ!؟

أجبني الآنَ !

كي أجيبَكَ عَنْ سؤالِك...