إبراهيم العلي
إبراهيم العلي
أيمن رمزي رشيد
لست أدري إن كان يحق لي أن أكتب عن الشيخ ومعرفتي به لا تتجاوز ساعة قبل ثمان وأربعين ساعة من وفاته –رحمه الله، فلقد عرفته قبل من خلال كتبه فأعجبت به ولم أره، وقد زاد إعجابي به وهو يتناول حياة شيخ الإسلام ابن تيمية تناولاً شاملاً لتفاصيل حياته دالاً على زهده في الدنيا وعبادته وخوفه وتقواه منه سبحانه، ودالاً على جهاده وصبره وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فأنبأته عن ذلك فقال فيما قاله: لا ينبغي الفصل بين علم شيخ الإسلام وجهاده.
وهكذا تناولنا أطراف الحديث والشيخ لين الجانب خفيف الروح يظهر على ملامح وجهه البشر وهو يجالد ضعفاً يخفي عن جلساته آيات التعب. وأشعرني صاحبي بذلك فطلبنا إليه السكينة ولكنه بدا متماسكاً ونحن لا نعلم ما وراء الأكمة، فهذا والله من حسن الضيافة وكرم المحتد فهذه واحدة.
ثم سألته كأن الشيخ بدأ الكتابة في مرحلة متأخرة، فذكر رحمه الله أن كتاب (صحيح السيرة النبوية) كان قد كتبه وجمعه في سنين أثناء دروسه ولم يقصد طباعتها، وكان يعيرها لإخوانه ثم يردونها إليه –وهذا فيه ما فيه من طيب نفس وخلق قويم وإخلاص لله وحب للعمل ونشره فهذه ثانية- حتى استعارها منه الدكتور عمر الأشقر -حفظه الله – ثم اتصل به ليأخذ كتابه. فتفاجأ الشيخ بأنه أعد للصف تمهيداً لطباعته، فاستعظم الأمر، وكأنه استهان بأوراقه أن تطبع وتتداول. فأخبره الدكتور بأنه راجعه ودفعه لمن يراجعه أيضاً وطبع الكتاب سنة 1994 وهذه ثالثة.
وبعد تذاكرنا –عرضاً دون قصد- مع الشيخ إخلاص النية لله وأثرها في انتشار الكتب، وضربت على ذلك مثلاً كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي وكيف كتب الله له القبول في الأرض فذكر الشيخ زهد العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- ونفقته على طلبة العلم ثم قال: طبع كتاب من كتب الشيخ ابن عثيمين أكثر من نصف مليون نسخة. وتساءل كم سيكون ريع الشيخ منها لو أخذ حقوقاً للطبع؟ لكنه تركها لوجه الله سبحانه وتعالى، ويبدو حبه رحمه الله للعلم وتعلقه بالعلماء واضحاً. كما أسأله سبحانه أن يجعل لكتابه (صحيح السيرة النبوية) قبولاً في الأرض بعد مماته كما لاقى رواجاً بين الناس في حياته إذ كان يطبع سنوياً وهذه رابعة.
ثم عرج بنا الحديث عن الدعوة والدعاة، وللدعوة كما لا يخفى شجون، وفي القلب على هذه الأمة هموم، فكان محل نقده على الأفكار وترفع رحمه الله عن ذكر الأسماء وهذا لمسته وذكرني به صاحبي بعد، فهذه خامسة.
وأما السادسة ولست أنساها أبداً ذلك الحشد الذي توافد من كل جانب يؤم مسجده للصلاة عليه يذكرني بقول الإمام أحمد –رحمه الله: "قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز"، فهكذا هم العلماء العاملون والدعاة المخلصون تقلهم هممهم ويسطع في الناس نجمهم فسيستأنس بهم فيشهدون طوعاً وهذه بشرى عاجلة المؤمن، ونحن شهداء الله على الأرض كما في الحديث الشريف، منظر مهيب وموكب بدت عليه الهيبة والوقار يهمس محدثي في أذني: يا ليتني كنت مكانه. قلت: والله لكأنك تقرأ ما في نفسي. فهذه سادسة.
لا أدري بعد كل هذا أيحق لي أن أكتب عنك يا أبا محمد، فهذه ست خصال لمستها فيك عرضاً والله لو رمت عشراً من مجلسنا هنا لكتبت. فرحمك الله يا شيخ ، نحسبك صالحاً ولا نزكي على الله أحداً، والله لا أجد في هذا الموطن أبلغ أثراً وأعظم عزاء من قوله صلوات الله وسلامه عليه:
إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، وها هو اسمك يوافق نص حديث رسول الله وأرجو أن تكون لك هذه سابعة وما ذلك على الله بعزيز.