الفول
الفول
|
د. عثمان قدري مكانسي |
كنت وما أزال أحبُّ الفول الممزوج بالطحينة وحمض الليمون أو بحمض الرمان، وعُرفت بين أصدقاء الجامعة أنني مغرم به وأسسنا جمعية محبي الفول، فكنت الرئيس لها بإجماع الأعضاء.. وذلك أنني استيقظت صباحاً وأنا أحس بشوق إليه، فأرسلت أحد إخوتي
وكنت أكبرهم- إلى الفوّال العطريّ قرب بيتنا، ليحمل للأسرة صحناً كبيراً من الفول بحمض الطحينة فكان خير إفطار.
وفي الجامعة بين العاشرة والحادية عشرة ضحى اعتذر أحد الأساتذة لأمر طارئ فوجدت والأخ أحمد الخرّاط نفسينا نركب الباص إلى حيّ الجميليّة في حلب، فتناول عند أبي الحسن الفوّال، وجبة فول شهيّة، دون أن أخبره أنني أكلت منه قبل ساعات.
وحين انتهت المحاضرات الصباحية في الواحدة ظهراً، وكان علينا أن نعود إلى الجامعة في الرابعة عصراً ارتأينا أن نتغدى بعيداً عن البيت كي نكسب ساعة ندرسها في مكتبة الكليّة.
نظرت إلى أحمد الخرّاط ويحيى حاج يحيى أستشيرهما في الغداء، فكان رأي أبي البشر يحيى أن نتغدّى فولاً، ونزلنا على رأيه، وذهبنا أن حيّ الجميلية ولكن إلى مطعم القصّاص فهذا أدعى إلى الستر فالله يحب الستر، وتغدينا وكان ناضجاً تماماً بالإضافة إلى تنوع المقبّلات..
انتهى دوامنا في السابعة مساءً فانطلقنا نحن الثلاثة إلى دار أخينا فاروق محمد علي رحمه الله إذ توفي منذ سنوات.. وكان زميلنا في الصف، ففاجأنا بالفول اللذيذ وسرعان ما قضينا عليه، ثم بدأنا ندرس بعض المقررات التي اتفقنا على دراستها.. ولا يخطرن ببالكم أننا لم نفهم شيئاً ولم نع ما نقرؤه.. فالإدمان على الشيء يخفف من تأثيره.. بل يزيد في الفهم لأننا أكلنا "حبّ الفهم".
وعدنا في الحادية عشرة إلى حي الجميلية لنأخذ "الحافلة الكهربائية" أنا والأخ أحمد الخرّاط إلى البيت.. لكنّ أرجلنا ساقتنا إلى الفوّال أبي الحسن.. لننهي هذا اليوم بالفول كما بدأناه.
أعرفتم.. لمَ أنا رئيس الجمعية؟.
إذاً فاقرؤوا قصيدة يحيى الحاج يحيى الفوليّة التي أ{سلها إليّ ووافونا بآرائكم، شرط أن تكون آراءً فولية..
أخوكم: أبو حسان/ عثمان قدري مكانسي
كتب الأخ الشاعر يحيى الحاج يحيى إليّ قصيدة يقول في مقدمتها "أخي أبا حسان، استلمت رسالتكم بعد المغرب، فلم يغمض لي جفن إلا بعد كتابة هذه "الفوليّة" لكم.
أنا ما ذكرت الفول في إن لم نقرّح أدمعي أجفاني أوطال نَوحي في الجرار وحرقتي حبات فولي مذ نأت أحماضكم فمتى يعود الفول في قصعاتنا * * * عثمان يا خلَّ التفّوُّل هل لنا إني دعوتُ الله يملأ داركم فاهنأ أبا حسان إني واثق * * * واركب جرارك فالبحار طحينة لا عاش فوّال إذا جافيتَه وعليك بالفول المعلّب إنه واجعل من المجروش بعض لفائف وابلع حبيبات بغير تردد أو صغه عقداً إن أردت تزيناً وابعث إلى باريس بعض بذوره وازرعه في آذار تحصد حبه * * * وحذار فالأزمات في أيامنا فاخزن هداك الله كل مؤونة لكن حذار أن تكلّم بعد ذا وإذا عصاك النوم فاطلب قصعةً "فأبو بلال" إن عصاه نحوُه "وأبو زكيٍّ" لا يزال يحبه |
أشجاني
|
إلا ذكرتك يا أبا حسان وبكيت من ألم لدى الهجران من بعد بُعْدِكُمُ فما أجفاني ما راقها نضج على النيران وتفيض بالأحماض والرمان * * * عَوْدٌ، فقلبي بالتفوّل عان فولاً، ويمطر دائم الهملان أن الذي أضناك قد أضناني * * * واشرُق من الأحماض كاللَّهفان إذ كيف يُبقي الفولَ كالصَّوّان أطرى على الأضراس والأسنان وتَنشَّق المطحون في الأحزان في حالة الأوجاع في الأبدان واجعله أقراطاً لدى الآذان يأتيك من باريس عطرٌ قان وفراً يفيض عليك في نيسان * * * جعلته كالياقوت والمرجان من فولنا المشهور بالأطنان أحداً ونم واشخِر فنومك هاني واغطس بها يا صاح للأذقان نادى بصحن مردف بالثاني حبَّ المشوق المدنف المتفاني |
1. أبو بلال: الدكتور أحمد خرّاط أخ وزميل في جامعة حلب عرفته مذ كنا في الصف الرابع الابتدائي، مدرسة العرفان في حلب.
2. أبو زكي: الدكتور أحمد فوزي الهيب أخ وزميل في جامعة حلب.
ولنا –أيها الأربعة- قصة مشهورة ذكرها أخونا الشاعر عبد الله عيسى السلامة في بعض قصصه.