د. عبد القادر طاش.. في سجل العاملين
د. عبد القادر طاش.. في سجل العاملين
عبد الله زنجير
عضو رابطة أدباء الشام
طشقندي من بلاد الحرمين، وصاحب (نقطة ضوء) العمود الشهير الذي لم يتوقف عن النبض حتى توقف قلب صاحبه. إنه مهد طليعة فرسان الإعلام الإسلامي، لا أحسب أحداً لم يره في شاشة قناة (اقرأ) التي تولى إدارتها حتى استوت على سوقها (1418 إلى 1420هـ).
ذاب كالشمعة في نصرة الإسلام، وتنقل لميادين متنوعة مجتهداً في صناعة الإعلام الحي، الذي يستشرفه كمسلم وإنسان ومحترف. ومَن مِن الإعلاميين لا يعرف د. عبد القادر طاش (1951 – 2004م) الرجل الذي نحسبه من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه؟!
لقد عرفناه من أعماله الصالحة، ودوره الرائد في بلورة فكرة (الإعلام الإسلامي) ومحاولة توصيفها وتوظيفها على أرض الواقع. وحين تولى رئاسة تحرير جريدة المسلمون سنة 1411هـ، حلق بها عالياً بشهادة الخبراء، ووقت أن تركها ذوت ومرضت وماتت، ولأنه درس في الولايات المتحدة، تولى تحرير (عرب نيوز) لسنوات قبل أن يؤسس قناة (اقرأ) ملاذ الأسرة الآمن، والمحاولة العملية الحقيقية في الإعلام الفضائي النظيف، ولأسباب لا يتحمل تبعاتها عاد للصحافة من جديد فأسس ملحق (الرسالة) مع جريدة المدينة المنورة، وبعدها تسلّم إدارة الإعلام في رابطة العالم الإسلامي وتحرير صحيفتها الأسبوعية، واستمرت رحلته إلى جريدة البلاد التي أرادوا منه إنقاذها، ففضل أن يرجع للعمل الأكاديمي في معهد إدارة الأعمال، حيث سبق أن ترأس قسم الإعلام الإسلامي في جامعة الإمام في الرياض، ثم راح يؤسس لمشروعه المستقل الذي لم ير النور في الدنيا (مجلة المستقبل) فقد نهش سرطان البنكرياس جسده الذي لم يعرف الراحة يوماً.
كان كاتباً من الطراز الرفيع، ترك عدداً من المؤلفات، وكان عفيفاً، حيياً، دمثاً، شفيف النفس والروح، يندهش الإنسان من إخلاصه وصدقه واتزانه، وبكلمات حاسمة: لقد عرف زمانه واستقامت طريقته.
التقيت معه مرات، إما مستمعاً ومتعلماً من محاضراته القيّمة في مكة المكرمة وجدة وسواهما، أو في ندوات عامة وزيارات خاصة، إحدها كانت بمعية شيخنا الكبير د. يوسف القرضاوي إلا أن ما أذكره تماماً، حدث في اليوم الأخير من سنة 1999م الذي صادف أواسط رمضان المبارك، فقد طلب مني الإعلامي اللامع أحمد منصور أن أصحبه من جدة إلى الرياض لمقابلة د. معروف الدواليبي رئيس وزراء سورية الأسبق –رحمه الله- فاشترطت عليه أن يؤمن لي رحلة العودة إلى جدة، نظراً للازدحام الشديد الذي سببته (إشاعة) مشكلة أصفار سنة 2000م على الأجهزة الإلكترونية في العالم، وبالفعل سافرت معه ذهاباً وإياباً، ورجعنا في آخر رحلة إلى جدة وإلى منزل د. عبد القادر مباشرة، الذي استقبلنا ببشاشته وترحابه و.. سحوره الشهي ثم لحق بنا الأستاذ جمال خاشجقي والصديق د. بشير حداد، وجلسنا بضيافته لساعات طويلة وهو يتداول معنا أحداث الساعة وآفاق الإعلام المتاح، وشجون العالم الإسلامي، وراح يطرح رؤى في غاية النصح والنضج، أثبتت الأيام صحتها وجدواها. تحدث عن صورة السودان بعد خصومة البشير والترابي، وعن ضعف الكوادر المؤهلة في العمل الإعلامي، وعن تحديات الخطاب الإسلامي كان عذب المنطق وأريحي الحديث، لا يتأثر أو يغضب لغير حرمات الله.
وما زلت أذكر مقاله (فلتسلمي يا مصر) الذي كتبه بعد تصاعد العنف وقتل السياح في مصر، قال:
- إن ما يحصل خطأ فادح بحق مصر والعمل الإسلامي، ولن يكون ذا جدوى، وستكون نتائجه كارثية على الأمة والبلد.
- وبعد عَقدٍ كامل من تحذيره ذاك، رأينا مراجعات الجماعة الإسلامية، ونقدها الذاتي واستنكارها واعتذارها من الشعب المصري!!
رحم الله د. عبد القادر طاش، وعوّض المسلمين خيراً.
وهنيئاً لك (أبا عادل) هذا المثوى في جوار السيدة خديجة العظمى، وأسماء وابن الزبير، وإن شاء الله في جنات ونهر، في مقعد صدق، عند مليك مقتدر. وإنا لله وإنا إليه راجعون.