سنتان تمران.. والحزن يزداد
سنتان تمران.. والحزن يزداد
ياسين سليماني
عندما يفقد المرء شيئا غاليا على قلبه، يكون الحزن الذي يتملكه أكبر من مجرد كلمات يقولها أو يسمعها من الغير ورغم ذلك يمكنه الصبر وبمرور الوقت يلتفت إلى حياته ثم ينسى.
غير أن فجيعة فقدان شخص حبيب، لا تقر العين ولا برؤياه ولا تنتظم دقات القلب إلا بوجوده، ولا يرتاح البال إلا بسماع صوته ومناجاته، تكون حينها الفجيعة فجيعتان، الأولى الفقدان في حد ذاته، وموت ذلك الحبيب والثانية الشعور المضني بالاستيحاش، ....
من الصعب جدا على المرء أن يشعر بالوحدة وسط أهله ... وحدة لا مخرج له منها إلا بحضوره اللآ ممكن... ووحدة بتجدد الشعور بها بتجدد الثواني والدقائق، وبدل أن يكون الوقت عاملا مساعدا للشفاء يكون عاملا مساعدا للتذكير بالألم والغطس فيه إلى الغرق....
عندما رحل صديقي الحبيب علاء، أفقت بعد إغماءة طويلة على حقيقة تقول أني لن أراه مجددا ... كان غاليا علي إلى درجة لا توصف ، حتى أني كنت أعتبره أقرب من الأخ الشقيق، وكان قلبه موطن سري ، وكان عقله محطة سؤالي، فلا قضية استشير فيها سواه، كما كان هو أيضا يعتبرني أخا شقيقا أنعم الله به عليه فقد عاش وحيدا دون إخوة لولا أخٌوَتِي لهُ.
عندما مات علاء ، أفقت على كارثة الشعور بالوحدة، ارهقت يومياتي بالدراسة واللقاءات مع الناس حتى لا أموت، كنت أود أن أراه حياً، وحين عز علي ذلك هربت إلى النوم، وطيلة أيام كثيرة كان يُطِل على أحلامي حيا يرزق.
الحياة لُوِنتْ فجأة بالأسود الحالك،... علاء ليس صاحبا عاديا يمكن أن ينسى كما فعلت مع غيره، ولكنه كيانٌٌ عظيم وجوهر نادر لا يقدر بثمن، ومخلِصاً أقول أنه لو كان القدر يقبل بلحظة لقاء جديدة تجمعني به في هذه الحياة مقابل كل ما أملكه في هذا الكون لقبلت دون ثانية تفكير، لأني جازم أن تلك اللحظة ستكون دهرا من الفرح تغنيني عن أية حياة وعن أية رغبة...
احتفظ لفقيدي الغالي بذكريات رائعة الجمال،... أحتفظ له بتلك اللقاءات الباهرة التي كان فيها عزيزا عظيما، تشهد بذلك كل المدن التي زرناها سوياً، عين البيضاء، قسنطينة، باتنة، سطيف، سكيكدة، جيجل، بجاية، الجزائر العاصمة والعديد من المدن التونسية، خاصة جربة التي عشقتها بسببه حين زرناها سنة 2005 عندما نلت البكالوريا الأولى، احتفظ له ، ذلك الحرص الكبير على ان أكون في احسن حال... احتفظ له بذلك المال الذي تركه لي كثيرا ورميته يمينا وشمالا، داعيا له بالرحمة والمغفرة متمنيا له العيش في جنات النعيم أبد الآبدين..
احتفظ له بلقاءاتٍ عديدة في منزله مع والده، ويشهد الله اني كنت اعتبرهما ابوين عزيزين غاليين في قلبي ،يكفي ان والدته المحترمة الفاضلة قالت لي مرة أنها ولمن كانت لا تملك من الأبناء سوى علاء إلا أنها تعتبرني أخا شقيقا له... وهي كلمة لا أنساها لها، كما لا أنسى فضلها الكبير عليُّ....
حين مات علاء، ذهبت إلى منزله لألتقي بوالديه في أكثر من مناسبة، وفي الاعياد لا أهاتف أحدا قبلها ولا اذهب على مكان قبل ان اطمئن عليها.... وادعوا الله ذائما أن يرزقهما بابن يعيد للابوة معنى، وللأمومة معنى بعدما غاب هذان المعنيان منذ رحبيله... كما ادعو دائما ان يعطيهما الصحة والعافية ويجعل فقدان علاء آخِرَ احزانهما...
بالنسبة لي كررت كثيرا القول بأني سعدت أكثر من أي شخص، وحزنت كذلك أكثر من أي شخص، لذلك لا اعتقد انم هناك حزنا سيفوق حزني على صديق ظللت اعتبره أخاً شقيقاً...
البعض قال انها محنة وستمضي إلى حال سبيلها، ومع الأيام يخف المصاب ويعود رالمرء على حياته.... ربما لم اتوقف عن الحياة بمعناها الآلي، ولا عن المشاغل اليومية ولكن يصعب علي كثيرا ان اكتشف ان قلبي قد مات ..تحجًّر...قس تلك القساوة التي لن يتراجع عنها...
تهافتت الدنيا امام ناظري... واصبحت اسخر كثيرا من اشياء كنت آمن بها... لم يعد عندي ثقة في اغلب الأمور... حتى علاقاتي بالناس، لا اهتم أنا يرضوا او لم يرضوا... ولا اهتم ان يقال عني كذا او كذا...
مات ذلك الدافع للحياة وانتهى ومن صارت حاله كتل هذه المال حق له ان يتلقى التعازي في نفسه....
تمر سَنَتان على وفاة عالم من المشاعر والاحاسيس النبيلة الراقية، ويشهد الله أني مانسيت في يوم هذا العزيز وما قرت لي عين منذ رحل...
فلتطب نفسا أخي الحبيب فلن يكون لافي الحياة أحد مثلك.