رسالة إلى الشّاعر فراس عمر حج محمد

clip_image001_32f88.jpg

عزيزي الشاعر الأديب فراس عمر حجّ محمد

سلام عليك

لا تحزن عمّا جرى، فأنت لم ترتكب خطأم ولم تسئ لأحد، لكن احزنْ يا صاحِ على من رجموك بسهام حقدهم، ونصّبوا أنفسهم حماة للدّين دون أن يفهموه، والمحزن أكثر أنّهم يفتون ويحلّلون ويغضبون بناء على مقالة لم يقرأوها، وبعضهم إن قرأ لا يعي المعاني الكامنة في النّصّ، وهذا ليس غريبا على جماعة القطيع التي تنساق دون أن تدري، ألسنا يا شاعرنا أمّة تقول ثقافتها" إذا جيت ناس يعبدون العجل حشّ واطعمه" فلماذا لم تجمع رياحين شعرك لتكون قربانا "لعجلنا المقدّس"؟ فرغم كلّ المصائب والهزائم التي عشناها ونعيشها على مختلف الأصعدة، فإنّنا لم ندرك بعد، ولم نعترف بما نحن فيه، بل يزداد فخرنا بعظمتنا وجبروتنا بأنّنا منغلقون على ثقافات الشّعوب الأخرى، لأنّنا المالكون الوحيدون للحقيقة! ولم نتمسّك بشيء إيجابي من موروثنا، بل تمسّكنا بالخرافات والأكاذيب التي تسيء لديننا ووعينا وحتّى انسانيّتنا، ووجدنا "عبدة العجل، والجهل المقدّس" يدخلون السّاحة كما الثّور الهائج عندما يسمعون اسم المرأة، وهذا ليس جديدا أيضا، ألم يسلبوا المرأة انسانيّتها؟ ألا يتعاملون معها " كحرمة"؟ فاسمها حرام، وصوتها حرام وكلّ ما يتعلق بها حرام في حرام، ألا تنصبّ غالبيّة فتاويهم على الجزء السّفليّ من المرأة؟ ويحلّلون ويحرّمون كما يحلو لهم دون أن يتّقوا الله في أفعالهم، ودون أن يكلّفوا أنفسهم عناء التفكير واستعمال العقل، ويتدثّرون بعباءة الدّين، معتمدين على نصوص من كلام بشر مثلنا يخطؤون ويصيبون، وأخرجوها عن سياقها الزّمني والتّاريخيّ، ليشبعوا غرائزهم البهيميّة، ومن هنا جاءتنا فتاوي "جهاد النّكاح" وزواج المسيار والمتعة والمؤانسة وغيرها، فتجارتهم الرّائجة هي المرأة التي يتنافخون غضبا عند ذكرها، لذلك استباحوا النّساء الأزيديّات والمسيحيّات، ومن يخالفهم الرّأي من المسلمين، في العراق وسوريّا وغيرهما، وأعادوا الرّق، وهدموا دور العبادة، والمقامات الاسلاميّة، ودمّروا ونهبوا تاريخ وآثار أمّتنا، بعد أن اعتقدوا أنّ الجهاد يبدأ بذبح وتشريد شعوبهم وتدمير أوطانهم، فذبحوا وقتلوا ودمّروا وشرّدوا، ظنّا منهم أنّهم على حقّ!

ألا تذكر يا شاعرنا كيف تحالفوا ولا يزالون مع قوى الطّغيان، التي ما أرادت خيرا لهذه الأمّة في تاريخها؟ ألم يتجنّدوا ولا يزالون لتنفيذ سياسات الامبرياليّة العالميّة؟ والأدهى من ذلك أنّ أسيادهم كانوا يعتبرونهم أضحوكة العصر، فكبريات محطّات التلفزة في أوروبا وأمريكا كانت تبدأ نشراتها الاخبارية في حربي الخليج بلقطة تلفزيونيّة لعربي مسلم يقود شاحنة صغيرة"تندر" بجانبه على الكرسيّ الأماميّ ماعز، وزوجته المنقّبة خلفه، ووجدنا من يفاخر بهذا الشّرف الرّفيع، الذي يقدّم الماعز على المرأة وهي برفقة زوجها! أو ربّما تكون والدته أو شقيقته أو بنته.  

إنّهم يا أديبنا لا يعتبرون المرأة انسانا! ولا يعطونها حقوقها التي أعطاها إيّاها الله. وهم لا يفهمون الدّين فهما صحيحا، ولم يقرأوا تاريخ أمّتهم، ولم يطّلعوا على الثّقافة الموروثة، فالغزل عندهم حرام، والمرأة "حرمة" ولا يتعدّى دورها في نظرهم سوى أن تكون وعاء لتفريغ شهواتهم، وللانجاب، وكأنّي بهم يرون أنفسهم أكثر أخلاقا، وأكثر حرصا على الاسلام من آبائنا وأجدادنا في العصرين الأمويّ والعبّاسيّ، وما سبقهما وما تبعهما أيضا.

فلا تستغرب أيّها الشّاعر الجميل إن رجموك بكلماتهم على نصّ أدبيّ لم يقرأوه، واحمد ربّك كثيرا وأنت المسلم الملتزم، بأنّهم لم يدعوا إلى قتلك، مع أنّهم لا يزالون يغتالون سمعتك، دون أن يعرفوك شخصيّا، ولا يعلمون كم أنت شريف عفيف مسلم ملتزم تقيّ ورع، فهذا الفكر الدّاعشيّ أغرق الأمّة في بحار من الدّماء، وهم يحرّمون على الآخرين ما يحلّلون لأنفسهم. ولا استعداد عندهم للحوار وفهم الحقائق، وكنت أتمنّى لو قرأوا النّص وبعدها حكموا عليه، مع أنّ أي نصّ أدبيّ لا يستطيع الحكم عليه إلا أديب ناقد متمكّن، وقد وصف الدّكتور عادل الأسطة استاذ الأدب العربيّ في جامعة النّجاح، وهو ناقد معروف النّص بأنّه عاديّ، ودافع النّاقد ابراهيم جوهر عن النّصّ وعن كاتبه، لكنّ الظلاميّين بقوا على عنادهم.

وبهذا الخصوص فإنّني أتمنّى على المحكمة الدّستورية أن تعطينا رأيها حول محاكمة نصّ أدبيّ، وهل في ذلك مخالفة للقانون الفلسطينيّ أم لا؟ وليتنا نسمع موقفا رسميّا ومعلنا من وزارة الثّقافة واتحاد الكتّاب الفلسطينيّين حول الموضوع؟