دمعة في وداع أخي وشيخي عبد الرزاق خالد البيطار
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أخي أبا جابر لمحزونون
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي )
بمزيد من الأسى والحزن ننعى أحد الدعاة المربين إنه :
الأخ المربي ، والداعية المخلص ، عبد الرزاق خالد البيطار الذي طواه الموت فجر اليوم الأربعاء الرابع والعشرين من ربيع الأول عام تسعة وثلاثين وأربعمئة وألف الموافق الثالث عشر من كانون الأول عام سبعة عشر وألفين ميلاديةن في مدينة عمّان في المملكة الأردنية الهاشمية.
نِعْمَ الأخ المربي أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين السوريين، عن تسعة وسبعين عاما ، قضاها في التربية والدعوة ، وفي العمل مع الجماعة في مناهضة الحكم الأسدي الجائر، مما اضطره - مع الآلاف غيره – لمغادرة الوطن أوائل ثمانينيّات القرن الماضي، إلى الأردن الذي عاش فيه أكثر من نصف عمره ، مهاجرا إلى الله ، وحادِباً على إخوانه في غربتهم، وداعياً للخير وساعياً فيه.
* وُلدَ الفقيد عام ثمانية وثلاثين وتسعمئة وألف، في مدينة حمص لأسرة معروفة بالدين * نال الثانوية العامة والشرعية، وتخرّج من كلية الشريعة في جامعة دمشق ، ثم حصل على الدبلوم العام في التربية ، وكان يدرّس في مدارس حمص وثانوياتها .
انتسب الفقيد لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ، في المراحل الأولى من شبابه.
يقول الشاعر
" المرءُ ما دامَ حَيّاً يُستَهانُ به * * * ويَعظُمُ الرِّزءُ فيه حينَ يُفتَقدُ "
ويقول شاعر آخر
يُوَدِّعُ غصن العلم بالحزن زهرة
و يبقى شذاها في سماء العوالم
قضى عمره بين الدفاتر مشعلاً
يضيء بذاك النور درب الأكارم
و غاب عن الأوطان ظلما ً لأنه
أبى أن يكون العلم طوعاً لظالم
فيا رحمة الله المؤمل جودها
أفيضي عليه اليوم حسن المراحم
فَمَنْ مِثْلَهُ في القلب قد عَزَّ فَقْدُهُ
كفى العمر بَلْوى فَقْدُ شيخٍ وعالِمِ
أيها الأخ الحبيب ....
طيّب الله ُ ثراك ْ
يا أخا الإسلام ِ والإيمان ِ والدرب ِ الطويل ِ
كيف تتركُني وحيداً
لاغترابي ونحيبي ؟!
يا أبا المساكين والمحتاجين
رحلتَ وتركتَ الهمَّ لنا ، الهَمَّ الذي منه نعاني ؟!
*مَنْ عَرفَك كما عَرفتُك ، شخصيًا منذ الثمانينيّات من القرن الماضي، وما أَحبَبْتُ أحدًا مِمَّن تَعَرَّفتُ عليهم؛ مثلك ، فقد رأيْتُ أُنموذجاً لرجل هادئ أنيس، صابر، وكم سمعتُ عن صبرك وثباتك في سجن الظالمين.
نِعْمَ الرَّجلُ أنت من رجالات الحركة الإسلامية، ودعوتها الراشدة : تضحية، وإخلاصاً، وزهداً ، وحرصا على تعليم العلوم الشرعية، فقد عَلّمْتني الفرائض ، والتلاوة ؛ فنعمَ الرّجلُ أنتَ بقدّك الوسيم ومحيّاك البشوش وروحك المرحة، تجذب إليك من يلقاك أو يخالطك
– والله يشهد – أنني كنت أحب الرّجل وأحب الحديث معه وأحب لقاءه الهادئ، بل أشتاق أنْ ألْتَقِيَهُ وأتجاذبُ وإيّاه أطراف الكلام حول هموم الدعوة والوطن، وكنتُ أستمعُ إلى نصائحه الشخصية والعامة ، لأتمثلها ، وأستشيره في أمور كثيرة ؛ فنلتقي كثيرا، ونختلف في بعضها أحياناً، دون أن يغيّر ذلك ممّا بيننا من وِدادٍ، فإنّ ما يربطنا من عناصر المحبّة والأُخوّة في هذه الدّعوة الكريمة فوق كلّ اعتبار.
ويشهد لك يا أخي وشيخي عارفوك أنّك كنت في كل موقع ، مِثالُ العامل الجادّ والمسؤول الأمين والقائد المنظّم والرّاعي الشّفيق والأخ المتواضع ورئيس القوم الخادم لقومه والدّاعية الدّؤوب.
وكم تألّمتُ ألماً شديداً، إذ فوجئتُ بما ألمّ به مرضٌ عُقام غيّر من حاله وملامحه وحديثه. وكم كنت من بعدُ ومن قبلُ أهمّ بزيارته في بيته ، لأكتسب بزيارته دفئاً وأزداد بها له وُدّاً، لكنّ كثرة المشاغل – وإن كان هذا ليس عذراً كافياً – كانت تؤخّرني عن ذلك وكنتُ أتواصل معه على الهاتف ، وعندما ازداد مرضه ذاك، كنتُ أطلبُ من أبنائه لأستأذنه بزيارةٍ له أخويّة أبويّة، غير أنّ أولاده ردّوا عليَّ بأنّه في وضعٍ لا يسمح فيه لنا بإمضاء هذه الزّيارة، وقد تشرَّفْتُ بزيارته يوم الجمعة الماضي ، وسلَّمتث عليه ودعوتُ له ، ومازحتُه ثم استأذنتُ بإنهاء الزيارة حتى لا أثقل عليه ، إلى أن فُجِعْتُ بخبر وفاته وذلك فجر اليوم الأربعاء فترحّمتُ عليه واسْتَرْجَعتُ
رحمةُ الله عليكَ يا صاحب الحديث اللطيف يا شيخَ المساكين ، ورمزَ الصابرين، متواضعًا في مشيتك، رزيناً في قولك، حكيمًا في مشورتك، إلْف مألوف، لا تتحدث إلا بخير، نفعنا الله سبحانه بشرف معرفتك
أبا جابر، فنعم الخِلُّ أنت بل نعم المربي أنت
فقد كنتَ يا شيخنا مثالا للصدق والأمانة والوفاء والعطاء رحمك الله وأعلى مقامك
طيب الله ثراك وأسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين فقد كنت زاهدا ورعا ؛حَسَنَ المعشر والأخلاق، ودِقَّةَ تعاملاتك
فأنت من خيرة من عرفتُ منذ سنوات عدة في صفائك وحبك للخير وصدقك في دعوتك وصبرك على الابتلاء وعطفك على الضعفاء ورقة قلبك وحسن توكلك ..كنت رحمك الله مثالا للمؤمن الذي وقف حياته في سبيل الله خدمة لدينه وأمته
ووفاءً منّي لأخي وشيخي الحبيب عبد الرزاق خالد البيطار - رحمه الله- ها أنا أنعيه ، الذي وافاه الأجل فجر اليوم إثر مرضٍ عُضال عانى منه طويلاً ، بعد أن قضى الرّدح الطّويل من عمره المبارك الذي نيّف على الثمانين، في ميادين العلم والتعليم، والدّعوة إلى الله وطاعته.
وإنّني باسم عائلتي وإخواني أنقل لأهله آل البيطار الأكارم وأولاده وإخوانه وأصهاره ومعارفه وأصحابه أحرّ آيات العزاء وأسأل الله لهم جميل الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون
سائلين الله أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّم لدينه ودعوته وأمّته
ونتقدّم للأولاده : جابر وعبد السلام ورائد ، وبشرى وزلفى أرقّ مشاعر التّعزية وأندى كلمات المواساة بوفاته رحمه الله، ونقول لهم : نشاطركم مصابكم الجلل وهو مصابنا بوفاة الأخ العزيز عبد الرزاق البيطار، ولئن كان أبو جابر مثال الإنسان البَرّ والدّاعية المخلص والعالم الجليل، إنّ الفضل في ذلك لله ثمّ لدعوة الإخوان التي كان ينتمي إليها ومن ثمّ لمنبته الطّيب في أسرة البيطار ، مصداقاً لقول الشّاعر
وهَلْ يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إِلاَّ وَشِيْجُهُ
وتُغْرَسُ إِلاَّ فِي مَغارِسِها النَّخْلُ
وحقاً، لا ينبت الشيء إلا أصلُه، ولا يطلعه إلا فصلُه
فاللهمّ إن أخانا أبا جابر قد وَفَدَ عليك، فأحسن اللهمّ وِفادَتَه،
اللهم عوّضه عن هجرته في سبيلك، وعن صبره على مرضه، وعلى بذله وجهده وجهاده في سبيلك
اللهم عوّضه الفردوس الأعلى، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا
وأَلْهِمْ أخيه أبو تمام ، وزوجه وأولاده ( المحاسب جابر ، د. عبد السلام ، المهندس رائد، وبناته: بشرى وزلفى، وأحفاده وجميع آله وذويه، وإخوانه ومحبيه، الصبر الجميل والسلوان
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله
رحمك الله أخي وشيخي أبا جابر ،
و جعل الفردوس الأعلى مثواك
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة
اللهم اجعل قِراهُ منك الجنة من غير حساب ولا عتاب ولا سابقة عذاب
برحمتك يا أرحم الراحمين
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ومِنْ عَذَابِ النَّارِ
وأنتم يا أبناء شيخي ، أُعزّيكم بقوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
وأقول لكم: ثابروا على بِرِّهِ كما عَهِدْناكم بارِّين به في حياته
وآخر دعوانا أَن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على رسولنا وأُسْوَتِنا محمد وسلَّم تسليما كثيرا.
أبو جعفر/دير الزور ، الشحيل
وسوم: العدد 751