تَارِيخُ أعظَمِ مَسجِدٍ أثَرًا بِسُورِيَةَ مَسجِدُ الجَامِعَةِ السُّورِيَّةِ
(1367- 1384هـ = 1947- 1964م)
تَارِيخُهُ، خُطَبَاؤُهُ ومُدَرِّسُوهُ،
نَشَاطَاتُهُ، لَجنَتُهُ، رَسَائلُهُ العِلمِيَّةُ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل السلام وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:
فهذا بحث مُهم وفريد وطريف، حول مسجد وجامع مشهور ومظلوم؟!
وقد كان له دور وشأن كبيران في الدعوة إلى الله تعالى أيام العِزِّ والحُرِّيَّة في سورية في الخمسينات، وأوائل الستينات الميلادية من القرن الماضي.
تلك الأيام الذهبِيَّة التي مرَّت على سورية، وذهبت إلى غير رجعة -للأسف-بعد مجيء الحكم البائس الفاجر، والكابوس العظيم، والكارثة الكبرى التي حلَّت بسورية بمجيء حكم البعث إلى السلطة في سورية، في 8/3/1963م، والذي جعل الناس في سجن كبير، وحكمهم بالحديد والنار، والعَسف والقَهر قرابة نصف قرن من الزمان، ثم نكبهم بنكبته الكبرى بعد عام 2011م؟!
فقد أتِيح له ما لم يُتح لمسجد قبله ولا بعده في عصرنا، من الدعاة والعلماء والخطباء والمُدرسين والوُعَّاظ والمُؤلفين، ما ليس له نظير في مسجد، ولا جامع آخر في هذه المعمورة؟!
وكل ذلك بسبب إخلاص لجنة ذلك المسجد المُبارك وصِدقهم، وحُسن اختيار الخُطباء والمدرسين فيه، وجَوِّ الحُرِّيَّة التي تمتعت ونعمت بها سورية في تلك الحِقبة الذهبية التي لم تشهد مثلها.
*فدُونكَ هذا البحث قارئي الكريم! الذي وفقني الله إليه، وفتح به عليَّ؛ إذ لم أجد من كتب عنه سوى مقالة يتيمة للأستاذ زُهير الشاويش -رحمه الله- في موقع "رابطة أدباء الشام" قبل نحو 18 عاما؟!
دُونكَ هذا البحث الفريد الطريف لتنظر بركة هذا المسجد على صغر حجمه، وضيق مكانه، وكم عالما وخطيبا تناوبوا على منبره ومحرابه؟! من سورية وخارجها، ومن العالمين العربي والإسلامي؟!
بل من جل العالم العربي؛ من سورية، من محافظات شتى منها، ومن: مصر، والأردن، ولبنان، والعراق، والجزائر، والمغرب، وتونس.
*ومن كبار العلماء والمفكرين والدعاة الإسلاميين؛ أمثال: العلامة د. مصطفى السباعي، والعلامة القاضي الشيخ علي الطنطاوي، وعلامة حماة والشام الشيخ محمد الحامد، والأديب والشاعر والخطيب المصقع الأستاذ عصام العطار، والعلامة الشيخ بهجة البيطار، من سورية.
والعلامة محمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورثلاني من الجزائر.
والعلامة تقي الدين الهلالي من المغرب.
وكالعلامة والداعية الكبير أبي الحسن الندوي من الهند.
والعلامة الفقيه الكبير الشيخ محمد أبي زهرة من مصر.
والعلامة والداعية الكبير الشيخ محمد محمود الصواف من العراق.
*وكم نَشرت لجنة هذا المسجد من رسائل علمية في غاية الأهمية لعلماء ومفكرين، وفقهاء، ودعاة؟!
*وهم ما بين عالم وفقيه، وطبيب، وقاض وشاعر، ومُفكر إسلامي، وقانوني، نُشر لهم من العالمين العربي والإسلامي، وغيره أيضا؟!
*يكفي أن تعرف منهم: العلامة الشيخ أبا الأعلى المودودي من باكستان.
وأبا الحسن الندوي وسليمان الندوي من الهند.
والإمام حسن البنا، والأساتذة: سيد قطب، وعبد القادر عودة من مصر، وعباس محمود العقاد، وعز الدين إبراهيم من مصر.
والأستاذ محمد عمر الداعوق من لبنان.
ومحمد أسد (ليوبولد فايس) من النمسا.
وغيرهم كثير كثير، ستعرفهم من خلال هذا البحث الطريف والماتع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مسجد الجامعة السورية أعظم جامع أثرا في سورية
(1367- 1384هـ = 1947- 1964م):
تاريخه، خُطباؤه ومُدرِّسُوه، لَجنته، رسائله، نهايته
تقع "جامعة دمشق"- والتي كانت تسمى (الجامعة السورية)- على مرتفع مُتسِع غربي منطقة "المنيبع؛ محطة البرامكة"، وقد أنشئت على ذلك المرتفع ثُكنة عسكرية مطلع القرن الثالث عشر الهجري سُميت "ثكنة الحميدية"، نسبة إلى السلطان عبد الحميد الثاني العثماني رحمه الله، وأقيم وسط هذه الثكنة مسجد لطيف تحيط به حديقة كبيرة في إطار مُربَّع كبير جميل، ووراء تلك الحديقة البناء الضخم بقاعاته الواسعة؛ أي بناء الجامعة، ويحيط كل ذلك ساحات من الشرق والجنوب.
صورة نادرة للثكنة الحميدية -غرب دمشق- (جامعة دمشق فيما بعد)، بُدئ بإنشائها سنة 1897م، بأمر السلطان عبد الحميد
ولما دخلت فرنسة محتلة لسورية جعلت المسجد ناديا لجنودها، وغيرت معالمه، وشوهت جُدرانه برسوم فاسقة.
وفي سنة 1946م استقلت سورية عن فرنسة، وتسلمت الحكومة السورية تلك الثكنة، وجعلتها المركز الرئيسي لـ "لجامعة السورية؛ جامعة دمشق"؛ التي كانت تضم كُلِّيَّات الطب، والحقوق، والصيدلة، والعلوم، والآداب، ثم أضيفت إليها كليات الزراعة والشريعة والهندسة.
وبقي المسجد مُهملًا؛ فاستُعمل مُستودعًا حينًا للمُهملات، وغير ذلك، مما لا يليق بالجامعة مركز العلم والثقافة، ولا الجامع وما له من حُرمة وحقوق.
فقامت فئة من الأساتذة والطلاب بمُحاولة افتتاح ذلك المسجد وإقامة الصلاة فيه، فقوبلت بإهمال بعض المسؤولين، وتآمر بعضهم الآخَر، ثم جرت مُحاولة جعله ناديًا للطلاب، وأصلحوه على هذا الأساس بمشاركة مدير شؤون الطلاب يومئذ (نعيم الحمصي)؟!
وقبل افتتاح النادي اقتحم بعض الشباب المؤمنين المكان، وألقوا ما به من أدوات اللهو، وطمسوا صور العصر الفرنسي، ووضعوا منبرا، وفرشوه بالسجادات والبُسُط والحُصر، وأقاموا به الصلاة، واعتصموا بداخله بتناوب، وأقام المفسدون مع بعض مسؤولي الجامعة ودار الفتوى والأوقاف ضجة فرد الله كيدهم في نحورهم جميعا.
واستمرت الجهود بعد ذلك -لتثبيت بقاء المسجد- حتى أقيمت فيه صلاة الجمعة، وتوالى على الخطبة أول الأمر الشيخ د. مصطفى السباعي، والأستاذ علي الطنطاوي، والأستاذ عصام العطار، وغيرهم.
*ثم سعت "لجنة المسجد" لدى مُديرِيَّتَي الأوقاف والإذاعة لنقل خطبة الجُمعة من المسجد عبر "إذاعة دمشق"، وتمَّ ذلك مرَّاتٍ عِدَّةً.
هذا المسجد كان صغيرا يعني مساحته 10+ 10 من الأمتار، أو 15+ 15 مترا، عند مدخل جامعة دمشق على يسار الداخل "كلية الاقتصاد والتجارة"، و"كلية الحقوق"، وعلى اليمين "كلية الشريعة" قبل كلية الشريعة توجد ساحة في هذه الساحة يقع "مسجد جامعة دمشق"، وهو صغير كما ذكرنا، يُصعد إليه بدرجات، وكانت تقام فيه خطبة وصلاة الجمعة من أواخر الأربعينات حتى انقلاب البعث على السلطة سنة 1963م، لنحو سبع عشرة سنة.
مَزِيَّتان لمسجد الجامعة
وأهم مزايا هذا المسجد الجامع اثنتان؛ إحداهما: كونه كان على السنة النبوية، وخاليا من بِدع المساجد الأخرى في دمشق وغيرها.
والثانية: كون خطبته ذات مستوَى عالٍ ورفيع من الثقافة والعِلم.
لذلك كان مَن يؤم هذا المسجد نوعين من الناس، هما: المثقفون الذين يتطلعون إلى سماع خطبة مُرتفعة المعنى والأسلوب.
ومُحِبُّو السنة الذين يكرهون البِدَع، وينفِرون منها، ولا يجدون مسجدا خاليا منها سوى مسجد الجامعة؛ كما يقول الشيخ محمد لطفي الصباغ.
*وكان مسجد الجامعة منبرا حُرًّا جريئًا، تُقال فيه كلمة الحق بقوة وإقدام، لا يُبالي الخطيب فيه بالمتاعب والعقبات، ولا يخشى في الله لومة لائم؛ كما يقول الشيخ محمد لطفي الصباغ.
خُطباء مسجد جامعة دمشق، ومُدرِّسُوه، وأصحاب رسائله
لقد اعتلى منبر ذلك المسجد المبارك العظيم -صغير الحجم كبير الفعل والصيت- كبار العلماء والدعاة من سورية والعالم الإسلامي قاطبة، ولم يُتح لمسجد أو جامع آخر في الدنيا ما أتيح له من خطباء وعلماء عظماء، بما في ذلك المساجد الفاضلة الثلاثة؟؟!!
كما كان خطباء مسجد الجامعة ممن تختارهم "لجنة المسجد" وتنتقيهم انتقاء دقيقا؛ كما يقول الشيخ محمد لطفي الصباغ.
*هذا، وقد توالى على الخُطبة في ذلك المسجد -أول الأمر- كل من د. مصطفى السباعي، والشيخ علي الطنطاوي، والأستاذ عصام العطار، رحمهم الله جميعا، ثم خطب فيه أكثر من أربعين آخرين من دول وبلدان شتى، وهذه أسماء من عُرف من خُطبائه، ومدرسيه، ومؤلفي رسائله:
1- العلامة الشيخ د. مصطفى السباعي: من دمشق - سورية.
2- العلامة القاضي الشيخ علي الطنطاوي: = = .
3- العلامة الخطيب والشاعر الأستاذ عصام العطار: دمشق - سورية.
4- العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: رئيس جمعية العلماء الجزائر.
5- الأستاذ الفضيل الورثلاني: من الجزائر.
6- العلامة المحدث د. تقي الدين الهلالي: من المغرب.
7- العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي: من الهند.
8- الشيخ أبو الأعلى المودودي: باكستان.
9- الأستاذ سليمان الندوي: الهند.
10- الأستاذ أمين أحسن إصلاحي؟
11- الأستاذ خليل الحامدي: معتمد دار العربية في باكستان.
12- الأستاذ وحيد الدين خان: باكستان.
13- الإمام حسن بن أحمد البنا: مصر.
14- العلامة الفقيه الشيخ محمد أبو زهرة: من مصر.
15- العلامة الشيخ د. يوسف القرضاوي: من مصر.
16- الأستاذ عباس محمود العقاد: مصر.
17- الأستاذ عبد القادر عودة: مصر.
18- الأستاذ سعيد سيد رمضان: من مصر.
19- د. أحمد الشيخ المصري: من مصر.
20- الشيخ د. عز الدين إبراهيم: من مصر.
21- الأستاذ عبد البديع صقر: من مصر.
22- الأستاذ محمد أحمد الغمراوي: مصر.
23- الأستاذ محمد حسين هيكل: مصر.
24- الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة: الأردن.
25- الشيخ عبد الله قلقيلي: مفتي الأردن.
26- العلامة الشيخ محمد محمود الصواف: من العراق.
27- الأستاذ محمد أسد (ليوبولد فايس): النمسا.
28- الأستاذ محمد عمر الداعوق: من بيروت - لبنان.
29- الأستاذ محيي الدين القليبي: تونس.
30- د. عز الدين جوالة: ؟
31- - العلامة الفقيه النحوي الشيخ محمد بهجة البيطار: دمشق - سورية.
32- العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد: من حماة - سورية.
33- الأستاذ محمد سعيد الطنطاوي: دمشق - سورية.
35- الطبيب النابغة محمد هيثم حمدي الخياط: دمشق - سورية.
36- العلامة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ: دمشق - سورية.
37- العلامة الشيخ د. محمد سعيد بن رمضان البوطي: دمشق - سورية.
38- العلامة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: دمشق - سورية.
39- المربي الأستاذ عبد الرحمن الباني: دمشق - سورية.
40- الفقيه الشافعي الشيخ عبد الغني الدقر: دمشق - سورية.
41- العلامة الفقيه الحنفي الشيخ وهبي سليمان الألباني: دمشق - سورية.
42- العلامة والفقيه والقانوني الأستاذ مصطفى الزرقا: حلب - سورية.
43- الأستاذ محمد خير الجلاد: دمشق - سورية.
44- الداعية الشيخ محمد علي مشعل: حمص - سورية.
45- الشيخ سعدي ياسين: دمشق - سورية.
46- الشيخ ناصر الدين الألباني: دمشق - سورية.
47- الأستاذ محمود مهدي الإستانبولي: دمشق - سورية.
48- الطبيب الداعية حسن هويدي: دير الزور - سورية.
49- الأستاذ أحمد مظهر العظمة: دمشق - سورية.
50- العلامة الأستاذ محب الدين الخطيب: دمشق - سورية.
51- الأديب الشاعر الأستاذ محمد المجذوب: طرطوس - سورية.
52- الأديب الشاعر الأستاذ أحمد مظهر العظمة: دمشق - سورية.
53- الأستاذ محمد سعيد العُرفي: دير الزور- سورية.
54- الأستاذ أمين المصري: دمشق؟ سورية.
55- الأستاذ جودة سعيد: سورية.
56- الأستاذ مصطفى الصيرفي: ؟
57- د. محمد الهواري: ؟
58- الأستاذ محمد عيد: ؟
59- الأستاذ أحمد راتب: ؟
*كما خَطبَ في المسجد عدد من طلاب الجامعة السورية "جامعة دمشق".
هذا وقد اشتهر الأستاذ عصام العطار بخطابته في ذلك المسجد لسنوات، وهو بشكل عام؛ فقد كان خطيبًا مِصقَعًا يأخذ بالقلوب والألباب، وقد أسقطت إحدى خُطبه واحدة من الحكومات السورية.
*واستمر الكيد للمسجد يقوى حينا ويضعف آخَر، وكان أشدها تضييقا أيام حكم الطاغية المستبد العسكري الرئيس أديب الشيشكلي، ثم بعد انقلاب حزب البعث الفاجر في 8/3/1963م، ولكن صلوات الجمعة والجماعة لم تنقطع عن مسجد الجامعة تلك الفترة.
وأضيف إليه قاعة أخرى ضمن مبنى الجامعة جُعلت مُصَلًّى للنساء من طالبات الجامعة ومُرتاداتها، وانتشر فيها الزي الإسلامي منذ ذلك اليوم.
نشاطاته
*ومع الخُطب المتميزة التي كانت تقام في مسجد جامعة دمشق، أقيمت فيه أيضا المحاضرات وأحاديث المناسبات الدينية، والدروس الأسبوعية، الوعظية، والفكرية التوعوية التي تهتم بشؤون المسلمين في جُل بِقاع الأرض، وتنتهِز لذلك الفُرَص للاستماع إلى أي عالم أو مُصلِح يَمُرُّ بدمشق، كما يقول الأستاذ زهير الشاويش.
وكانت "لجنة المسجد" تدعو الطلاب عامَّةً إلى المحاضرات، وغالبا ما تكون بعد صلاة المغرب، والمُحاضِرون من أساتذة الجامعة، ومن علماء سورية، أو ممن يَفِد إلى دمشق من العلماء والمفكرين الكِبار المشاهير.
وكانت تلك اللجنة تطبع بطاقات الدعوة، وتضع إعلانات لهذه المحاضرات التي ستلقى في مسجد الجامعة؛ كما يقول الشيخ محمد لطفي الصباغ.
*كذلك فقد كان من نشاطات مسجد الجامعة تنظيم الرحلات، إذ كانت لجنة المسجد تنظم كل سنة رحلة أو رحلتين إلى بساتين غوطة دمشق الجميلة للطلاب المُتَديِّنِينَ من كليات الجامعة كلها، ومن محافظات سورية شتَّى؛ ليتعارفوا وليتعاونوا على الخير، وعلى الالتزام بأحكام الإسلام، وربما صاحبهم فيها بعض الأساتذة الكبار كالشيخ د. مصطفى السباعي، رحمه الله.
*وأقيمت صلاة العيد مرتين في باحة الجامعة عملا بالسُّنَّة، وكانت الجامعة يومئذ تُعدُّ خارج مدينة دمشق.
ثم انتقلت الصلاة إلى خارج المدينة في آخر (خط المُهاجِرين)؛ حيث أقيمت صلاة الاستسقاء سنة 1960م، وخطب بالناس الشيخ علي الطنطاوي، واستجاب الله دعاؤه ودعاء المُستغيثين معه، وهطل المطر في اليوم عَينِه!
*وبلغت خُطب الجمعة أوجها خلال السنوات (1956- 1963م)؛ إذ كان الأستاذ عصام العطار يلقي فيه الخطب العلمية مع تعريجه على النواحي السياسية والاجتماعية في سورية والعالم الإسلامي.
*هذا، وقد كثر عدد المصلين حتى ملؤوا الحدائق وسط الجامعة المحيطة بالمسجد، والحدائق المحيطة بالجامعة وأروقة كلية الطب الواسعة جدا؟!
وازداد حضور الناس والمُقبلين على المسجد من دمشق وما حولها والمدن السورية المختلفة، حتى أربَى عددهم -أحيانا- على الأربعين ألفا؟؟!!
"لجنة مسجد الجامعة" ورسائلها
*كما جُعلت للمسجد لجنة علمية من كبار العلماء، وكان ذلك عام 1370هـ- 1951م، وقد شُكِّلت أولا من الأساتذة: محمد سعيد الطنطاوي، ومحمد هيثم الخياط، ومحمد لطفي الصباغ.
*هذا، وقد صدر عن تلك اللجنة بعض الرسائل والكتب العلمية المُهمة باسم "رسالة مسجد الجامعة"، وقد ناهز عددها المِئةَ، بعضها من تأليفهم، وبعضها سُجِّلت من حِوار مع بعضهم حولَ موضوع مُعيَّن جُعلت أجوبته رسالة، وبعضها الآخر من اختيارهم، وهي كلها لعلماء ومفكرين مشاهير آخَرين، ستَرِد أسماؤهم جميعا.
*ومن تلك اللجنة كان الشيخ علي الطنطاوي، وأخوه الأستاذ محمد سعيد الطنطاوي، والأستاذ عصام العطار، والطبيب الأستاذ محمد هيثم الخياط، والشيخ محمد لطفي الصباغ، والأستاذ زهير الشاويش، وغيرهم.
*أول ما فكرت لجنة المسجد بطباعة رسائله، كانت الغاية منها أن تطبع خُطب مسجد الجامعة التي تُلقَى فيه، بشرط أن تكون هذه الخُطَب مُعَدَّة إعدادًا جيِّدًا، ومدروسة وَفقَ مَنهَج وُضِع واتُّق عليه، وبُدئ بتسجيل الخُطَب في المسجد على هذا الأساس.
وقد انطبق ذلك الشرط على بعض رسائل المسجد التي نُشرت، وعلى عدد آخَر لم يُنشر، أو أُدخِل في كتب أصحابها الخُطباء، أو في مَجَلَّات ودَورِيَّات، كما يقول الأستاذ زُهر الشاويش.
*وقد ابتدأ طبع تلك الرسائل سنة 1371هـ - 1951م، وقد طبعت أولا مُتفرقة رسالة رسالة، وكتابا كتابًا.
ثم طبعها الأستاذ زهير الشاويش، استجابة لطلب الشيخ عبد الرحمن الباني، وقدَّمَ لها مُجتَمِعةً طبعة ثانية في ثلاث مجموعات، وثلاثة مجلدات في "المكتب الإسلامي" في بيروت - لبنان، سنة 1405هـ - 1985م، وقدم لها مُقدمة ضافة عرَّف فيها تعريفا كافيا شافيا بالرسائل، و"جامعة دمشق؛ الجامعة السورية" عامة، ومسجد جامعة دمشق العظيم خاصة، وهو الذي كان سببا في كتابة ونشر تلك الرسائل، وذكر خُطباءه الذين اعتلوا منبره كلهم، وطَرَفا من أخبارهم.
*وهذه أسماء ما صدر عن "لجنة مسجد جامعة دمشق" من كتب، مُرتبة مسلسلة كما صدرت -خلال بضع عشرة سنة- مع أسماء مؤلفيها:
1- (يا ابنتي). ش. علي الطنطاوي. 2- (يا ابني). ش. علي الطنطاوي.
3- (الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة). ش ناصر الألباني.
4- (نظام التكافل الاجتماعي). أ. سيد قطب.
5- (الصراع بين الخير والشر). أ. محمد خير الجلاد.
6- (من إلهامات الهجرة). أ. مُحب الدين الخطيب.
7- (إحياء سنن الإسلام). = = = = .
8- (بين حضارتين). أ. محمد هيثم الخياط.
9- (اتجاه الفكر الإسلامي). أ. عز الدين إبراهيم.
10- (مِن وحي الذكرى). أ. محمد المجذوب.
11- (الحدود في الإسلام). أ. مظهر الصديق.
12- (السُّلُطات في الدولة). للشهيد عبد القادر عودة.
13- (التقليد). أ. محمد أسد.
14- (استقبال رمضان). أ. عز الدين إبراهيم.
15- (عَرَفَات). ش. علي الطنطاوي.
16- (الجيل المثالي). أ. محب الدين الخطيب.
17- (مِحَنُ الجُنود). أ. عبد العزيز كامل.
18- (مِن مكايد الاستعمار في بلاد المغرب). د. تقي الدين الهلالي.
19- (الإسلام يُكافح الاستعمار). = = = = .
20- (الإمارة والشورى). ش. ابن تيمية.
21- (مدرسة الثلاثين يوما). أ. مصطفى صادق الرافعي.
22- (من غار حِراء). ش. أبو الحسن علي الحسني الندوي.
23- (خُذوا الإسلامَ جُملةً). أ. سيد قطب.
24- (مأدُبَةُ الشيطان). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
25- (رحمة الأمَّة الصيام) و(الاعتكاف). ش. محمد بن عبد الرحمن الشافعي الدمشقي. من علماء القرن 8 الهجري.
26- (الحياة بعد الموت). ش. أبو الأعلى المودودي.
27- (شريعة الأحرار لا شريعة الخانعين). = = = = .
28- (رِدَّة جَديدة ودعوة جديدة). ش. أبو الحسن الحسني الندوي.
29- (الغايَةُ لا تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ). أ. محمد هيثم الخياط.
30- (داءُ المُسلِمينَ ودَوَاؤُهم). ش. أبو الأعلى المودُودي.
31- (مَشَاهِدُ مِن السِّيرَة). إم. عبد المَلِك بن هِشام.
32- (نِساءُ الإسلام). أ. سليمان الندوي.
33- (هل في الشَّرِّ خَيرٌ؟). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
34- (الأخطاء والنقائص في الطريق الحاضر للدعوة الإسلامية).
أ. أمين أحسن إصلاحي.
35- (على مُفتَرَق الطُّرُق). لَجنة المَسجِد.
36- (من الظلمة إلى النور). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
37- (الحَرَكِيَّة والحَتمِيَّة في الإسلام). أ. محمد سعيد المَولَوِي.
38- (طبيعة المُجتَمَع الإسلامي). أ. سيِّد قُطب.
39- (كرامة الإسلام). أ. محمد أحمد الغمراوي.
40- (عِزُّ الدين القسَّام). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
41- (المُسلِم إنسان إيجابي). أ. محمد هيثم الخياط.
42- (عبد الحكيم الأفغاني). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
43- (الإخلاص). أ. عبد الوهاب حمامي.
44- (14 ربيع الأول). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
45- (تحتَ لِواء القُرآن الكريم). ش. وهبي سُليمان الألباني.
46- (شمس الأئمَّة السَّرَخسِي). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
47- (لِماذا هذه الدعوة؟) أ. أمين أحسن إصلاحي.
48- (إلى المُتَثَاقِلِينَ عن الجِهاد). أ. سيد قطب.
49- (سعيد بن المُسَيِّب). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
50- (المرأة المُسلمة). ش. حسن البَنَّا.
51- (صفحات من سيرة الصِّدِّيق). أ. علي الطنطاوي.
52- (دَفع شُبَه المُعتَرِضين على حقيقة الإسراء والمعراج).
أ. وهبي سليمان الألباني.
53- (الحسن البصري). أ. علي الطنطاوي.
54- (تاريخ مَجيد ينتظر من يكتبه). أ. مُحب الدين الخطيب.
55- (اللَّيث بن سعد). أ. علي الطنطاوي.
56- (صُوَر ومَوَاقِف قُبَيل المَعركة). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
57- (النظام الاقتصادي في الإسلام). أ. أبو الأعلى المودودي.
58- (أمير المؤمنين ف الحديث). أ. علي الطنطاوي.
59- (ثَورة في التفكير). ش. أبو الحسن الندوي.
60- (بَقِيَّة الخُلَفاء الراشدين). أ. علي الطنطاوي.
61- (أصول حضارة الإسلام: عقد اجتماعي جديد). أ. محمد أسد.
62- (صفحات من سيرة الفاروق). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
63- (طريق الخلاص). أ. سيد قطب.
64- (محمد بن القاسم الثقفي). أ. محب الدين الخطيب.
65- (عقيدة شاملة). أ. عباس محمود العقاد- جمع: أ. جودة سعيد.
66- (في نادي الكَمَلَة: غرفة محمد بن مَسلمة الأوسي).
أ. محب الدين الخطيب.
67- (بشائر نُور وإرهاصات نبوة). أ. وهبي سليمان الألباني.
68- (الملك المُظفَّر). أ. علي الطنطاوي.
69- (لِمَ هذا الرُّعبُ كُلُّه من الإسلام؟) أ. جودة سعيد.
70- (جمال الدين الأفغاني). أ. محمد سعيد الطنطاوي.
71- (الطريق إلى الاتجاه السليم). أ. محمد حسين هيكل.
72- (الإسلام بعد 14 قرنًا من الزمان). أ. وهبي سليمان الألباني.
73- (أفراح الروح). أ. سيد قطب.
74- (نحو بعث إسلامي). أ. وحيد الدين خان.
مُضايقات لبعض خطباء مسجد الجامعة،
وتوقف نشاطه الكبير سنة 1964م، بنفي العطار عقب مجي حزب البعث الفاجر لحكم سورية
*هذا، وقد حصلت مُضايقات لبعض خُطباء المسجد؛ كما جرى للشيخ علي الطنطاوي بسبب خُطبة ألقاها شدَّد فيها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأظنها تِلك التي ذَكر فيها ما كان يفعله فخري البارودي في دمشق في "مدارس دوحة الأدب" من حفلات ماجِنة يدعو إليها بعض فتيات دمشق ونسائها -وهُن مسلمات؟!- للرقص والغناء أمام الأجانب، وهن مُزينات ولابِسات ألبسة فاضحة، ويُدَرِّبهن على ذلك، ثم يُقيم حفلات يدعو إليها الرجال والنساء إلى هذا المنكر الفظيع؟!
وقد عدَّ الشيخ علي الطنطاوي من يُرسل ابنته أو أخته أو زوجته إلى ذلك الحَفل الخليع والماجن "دَيُّوث"؛ كما جاء في الحديث الشريف الصحيح عن سيدنا رسول الله ؟! وتمَّ نقل ذلك على "الإذاعة السورية"!!
*كما لُوحِق الأستاذ محمد لُطفي الصباغ لِلقَبض عليه؛ بسبب خُطبة نصح فيها الحُكَّام وأنكر عليهم إقامة أول تمثال "صنم" في سورية، ليوسف العظمة.
*وأشهر وأشد من ظُلم وضُيِّق عليه من خطباء مسجد جامعة دمشق، كان الأستاذ عصام العطار-رحمه الله- وكان ذلك مرات عدة؛ أشهرها مَرَّتان:
أولاهما سنة 1951م حين هاجم العطار بِشِدَّة حُكم الطاغية أديب الشيشكلي رئيس سورية آنذاك، فصدر أمر باعتقاله فَفَرَ إلى مصر، ولم يعُد إلا قُبيل وفاة والده سنة 1953م.
وأما الثانية فكانت القاضية والنهائية بعد انقلاب حزب البعث على السلطة في 8/آذار/1963م؛ فقد هاجم الأستاذ عصام انقلاب البعث العسكري، واعترض على حكومته، ونفوذ حزب البعث والجيش في مؤسسات الدولة، والاعتقالات التي جرت لرئيس الدولة، ورئيس وزرائه.
وشُكلت حكومة من 12 شخصا، ودُعي العطار للمشاركة فيها، فرفض وقال: "لا يُمكنني القبول بالمشاركة في حياة تقول إنها ديمقراطية، وقد جاءت بانقلاب عسكري، وهذه الانتخابات لن تعيش طويلا حتى يُنقَلَب عليها من جديد"، وطالب بحكومة ائتلافية يُشارك فيها الجميع، ورأى في الانقلاب بُعدًا طائفيا، وأعلن ذلك في خُطَبه، وحَمَته شعبيته يومئذ من الاعتقال.
وخضعت له سلطة الانقلاب فأفرجت عن الرئيس ناظم القدسي، وأعادته لرئاسة الجمهورية السورية.
وبعدها بعام قرر الذهاب إلى الحج؛ فخرج لكن بلا عودة، وعندما انتهى من حجه وأراد الرجوع منعته سلطة البعث من دخول سورية، فظل منفيا حتى مات خارجها، كما هو معروف، رحمه الله تعالى.
مقالة = لبحث مسجد الجامعة
(مسجد الجامعة السورية وإعادة فتحه
سنة 1370هـ - 1951م)
للأستاذ زهير الشاويش رحمه الله
"رابطة أدباء الشام" يوم 21/1/2006م
نشر أحد الأصدقاء من المؤرخين كتابًا مطلع هذه السنة (2006)، وتعرَّض فيه إلى مسجد الجامعة السورية، ومما قاله:
"وفي مطلع الخمسينات، نشب خلاف كبير بين طلبة الجامعة السورية على الصلاة في المسجد الذي يتوسط مباني الجامعة، فرأى طلبة (جماعة الإخوان المسلمين) إن من حقهم نشر دعوتهم من خلال المسجد وحشد المصلين من خارج الجامعة، وخالفهم زملاؤهم الطلبة في هذا التوجه، وأصروا على أن يقتصر زوار المسجد على الطلبة فقط، ووقفنا نحن الطلبة (من القوميين) مع هذا الجانب، وقمنا بمنع دخولهم الحرم الجامعي.
وتلقف الدكتور زريق هذا الموضوع منذ بداياته، وتجاوز الإحراج المهني، إذ أن المرشد العام (هو المُراقِب) للإخوان المسلمين، الدكتور مصطفى السباعي، كان من أساتذتنا في كلية الحقوق، وتمكن الدكتور زريق من عقد اجتماع مع الطلبة المسلمين الذين لم يخرجوا من هذا الاجتماع إلا والموضوع بات مُنتهيًا كليًّا ... إلخ..".
وأردَّ على ما قاله عن مسجد الجامعة السورية بما يلي:
أقول -أنا زهير الشاويش-: حقيقة الموضوع: إن إحياء مسجد الجامعة كان بعمل وطلب من الأساتذة والطلاب الإسلاميين، وهم أغلب أساتذة وطلاب الجامعة، ومنهم شباب الإخوان، وكان يشاركهم الطلاب، من كل المدن السورية، حيث كانت الجامعة الوحيدة يومها، ويُدرس فيها من كل بلد سوري أو أردني وبعض اللبنانيين!!
فحمل الموضوع على الإخوان مسألة فيها نظر!! إن لم يكن يحمل بعض الأغراض!
وأما الخلاف الذي أشار إليه الأستاذ الفاضل، وسماه: خلافًا على الصلاة، وأن يقتصر زوار المسجد على الطلبة فقط!!
(ونرجو أن يكون المانعون فيهم واحد من المصلين؟)
وقال: ووقفنا نحن الطلبة القوميون مع هذا الجانب (وأرجو -أيضًا- أن يكون يومها يوجد جانب آخر)، وقمنا بمنع دخول الأغراب الحرم (كذا) الجامعي ... إلى آخر ما قال؟
إن هذا الكلام من الأستاذ المؤرخ يذكره بعد مضي أكثر من خمسين سنة، وفيه وهم وغلط، وتحسين لوضع (لهم) ما كان موجودًا. بل كان المتدينون القوة الساحقة الغالبة.
وكنت شاهداً على هذا الموضوع، بل ومشارك فيه ؟، فلا يجوز لي السكوت عن بيان حقيقته.
والحقيقة: أنه ومن سماهم ......، ولا البنات الذين أحضروهم لمنع المصلين، لم ينجحوا في منع الدخول للمسجد، بإغلاق الباب الحديدي الخارجي، منتهزين عدم وجود الإخوان يوم تلك الجمعة، لذهابهم لافتتاح مقرهم في بلدة درعا.
فكان الاتفاق بين من حاول منع المصلين مع الدكتور نعيم الحمصي (لعله
يومها كان المشرف على شؤون الطلاب)، فطلبوا من حراس الجامعة إغلاق الأبواب، وأوقفوا ثلاث من بناتهم (وهن معروفات، والحق أن الأستاذ المؤرخ ابتعد لما كنت أحاور الحمصي) عند الباب الرئيس، الذي كن البنات يقفن عند فتحة واحدة منه، ويطلبن من كل مصل الرجوع، لأن المسجد تحول إلى نادي ومتحف؟ مع الاستهزاء بالمصلين، وأكثرهم من كبار السن؟ ومحاولة لمس أيديهم لنقض وضوئهم؟
ولكن حضر السيد صلاح الدين القطيفاني، ولما حاولن منعه، دفع الباب بقوته، وألقى البنات جانباً، وجعلن يصرخن، ووقف حراس الجامعة، ساكتين لأنهم من المتدينين.
وحاول الدكتور نعيم الحمصي الحضور إلى قرب الباب. فاتجهت إليه، ودخلت معه بنقاش شديد ملخصه: هذا مسجد عمّره السلطان عبد الحميد، وهو وقف للصلاة من أرضه إلى سمائه، ويحق لكل مسلم دخوله.
وغدًا نسأل الأوقاف الإسلامية هل سمحت لكم بإغلاق المساجد؟
فقال: هو من حرم الجامعة.
فقلت: اليوم جمعة، والجامعة معطلة، وأنت هنا فلماذا؟ وأنت لم تكن تصلي معنا، وهؤلاء الذين معك والبنات كذلك، فلماذا حضرتم اليوم، ونحن الآن سندخل المسجد حتمًا، وغدًا أنا أسأل مدير الجامعة الدكتور قسطنطين زريق، وهل هو كلفك بهذا؟
وفي هذه الأثناء، سمعنا من تجمع طلابهم -بعيداً عن الباب- ولا يتجاوز عددهم الثلاثين طالباً: بعض الصياح، وأحد طلابهم يقول: سنلغي المسجد، ونجعله نادياً للفن، والبنات بعد أن دفعهن القطيفاني كن يَصرُخن مُوَلوِلَاتٍ، وسمعنا كلماتٍ من تجمعهم فيها شتمٌ للدين.
وهنا انتهزت الفرصة، وقلت للدكتور نعيم الحمصي: هل ترضى أن يسب الدين؟ وأنت تسمع، وغداً سأرفع الأمر للقضاء..
وهنا جاء العديد الكبير من المصلين من المسجد، ومن القادمين للصلاة في المسجد، وفيهم الكثير(من الجيش والشرطة العسكرية المجاورة)، فانسحب مرشد الطلاب ومن معه مبتعدين، ولم يأت لصلاة الجمعة أي واحد منهم، ودخل الناس للصلاة، وترك الباب شبه محطم !!
وفي اليوم الثاني ذهبت إلى مقابلة الدكتور قسطنطين زريق مع وفد من لجنة مسجد الجامعة، وكان معه الحمصي، وبينت له ما حدث البارحة، وحرصت على بيان الاعتداء على المصلين ومسبة الدين، وأنني اتصلت ليلًا بوزير المعارف الدكتور منير العجلاني، وطلب إليَّ التفاهم معك، وإخباره بما يتم؟
فالتفت إلى الدكتور نعيم الحمصي وقال له بشكل عنيف: لازم تشوف من فعل مثل هذا حتى تعاقبه، ولا يجوز لأحد منع أحد، وأن الدين للجميع، والمشايخ -وأشار لنا- لا يحبوا رفع الأمر للقضاء.
وهنا تدخل الأستاذ سعيد الطنطاوي وقال: نحن لم نحضر للشكوى من هؤلاء، ولكن حضرنا نريد إيقاف الدهان من إعادة تزيين المسجد بالصور والرسوم، ونطلب فرش المسجد مما في الجامعة من الفرش والسجاد، ونطلب تحديد قاعة للمصليات الطالبات، ونريد وضع أماكن وضوء للرجال، وأماكن خاصة للطالبات؟
فطلب الدكتور زريق من الدكتور نعيم، أن يذهب مع الأخوة، ليأخذوا ما عندنا من سجاد وحصر، وإعطاءنا قاعة لصلاة النساء، وهذه القاعة الكبرى، كانت مركزاً للداعيات، ومنها خرجن متسترات لما سمي: الحجاب الشرعي، الذي تستر به مئات الألوف بعد ذلك، وانظر مجلة الرسالة المصرية. حيث كتب الأستاذ علي الطنطاوي عن ذلك في مقال عنوانه (الآنسة ن).
والذين حضروا لمقابلة الدكتور زريق من لجنة مسجد الجامعة هم: الدكتور هيثم الخياط، والدكتور مخلص الحكيم، والأستاذ راتب النفاخ، والأستاذ سعيد الطنطاوي، والدكتور محمد الصباغ، وكلهم طلاب في الجامعة يومها، وليسوا من الإخوان غير واحد منهم.
ولم يتم اللقاء مع من سماهم الأستاذ المؤرخ مع الدكتور قسطنطين زريق بحضورنا، والذي كان في الحقيقة بغاية اللطف والتجاوب التام مع المصلين واللجنة.
ويؤكد كلامي هذا مقدمتي لكتاب "رسائل مسجد الجامعة" في الطبعة الثانية 1985، بمجلداته الثلاث، طبع المكتب الإسلامي.
وما أذيع من مقابلة (صفحات من حياتي) مع الدكتور هيثم الخياط على قناة المجد الفضائية السعودية منذ سنتين مع الدكتور فهد بن عبد العزيز السنيدي.
وأن حقيقة موضوع مسجد الجامعة السورية بقي حتى اليوم، وفيه نشاط إسلامي واسع، ولم يزل والحمد لله كذلك.
وحبذا لو أن الأستاذ المؤرخ رجع عن قوله عن الإخوان: أن من حقهم، لأن الحق كان لدين الله.
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا). "الجن:18"
وعن قوله: قمنا بمنع، ويتوب إلى الله، ومع أنكم لم تستطيعوا منع أحد، ولكن بأي حق تمنعوا الناس من الوصول للمسجد؟ وفي المسجد المئات، إن لم أقل أكثر؟ وأحياناً الألوف من المصلين.
وكنت أتمنى على الأستاذ المؤرخ: أن يحذف هذا الموقف من كلامه كما حذف غيره، وأرجو الله أن لا يجعلني وإياه من الذين قال فيهم:
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْداً إِذَا صَلَّى). "العلق:9-10".
* * *
ويكفي هذا المسجد أنه كان السبب الرئيس لعزل رئيس الوزراء خالد العظم لخطبة الشيخ علي الطنطاوي فيه عن قضية الآداب، وملاحقة الأستاذ محمد لطفي الصباغ من قبل الأمن لخطبته بعد الجمعة الثانية عن نفس الموضوع.
واستقالة رئيس الوزارة بشير العظمة؛ لخطبة الأستاذ عصام العطار بسبب حرية البلاد.
ونحن إذ ننشر هذا عن مسجد كان له في دنيا الثقافة السورية، الأثر الكبير، بل وفي البلاد العربية والإسلامية القدح المعلى، في العقود الستين الماضية، ومازال حتى اليوم مركزًا للدعوة إلى الله بشكل واسع، وكتاب رسائله طبع مرات!
ويسرنا أن يعرف من تاريخ هذا المسجد ما ذكرنا.
كما علمنا أن لجنة مسجد الجامعة كانت مؤلفة من أفراد جرى انتخابهم من كل كلية واحد. ووافقت على هذا الانتخاب رئاسة الجامعة، أيام ولاية الدكتور زريق ومن قبله وبعده، ووراء كل واحد منهم مئات الطلاب.
وأما أنتم (المانعون) فقد كنتم باعتدائكم ومحاولات منعكم المصلين، لا تمثلون سوى أنفسكم، وليس ورائكم أي واحد من الطلاب، والذي جاء معكم الدكتور نعيم الحمصي ظهر أنه لا يمثل الجامعة أيضاً كما تبين من كلام الفاضل الدكتور قسطنطين زريق رئيس الجامعة!
وأما موقفي والأخ القطيفاني -ثم من جاء معنا- كان السماح للمصلين بحكم حق المصلي: أن يدخل المسجد الذي هو في وسط حديقة الجامعة للصلاة، ولا يحق لأحد -أياً كان- منعه من ذلك.
وقد نزل الدكتور نعيم الحمصي على رأينا مرغمًا، وانسحب مع مجموعته؟!
وكان معنا وزير المعارف، ثم رئيس الجامعة في اليوم الثاني، ومن ثم سلم لجنة المسجد قاعة ثانية لصلاة الطالبات، وأماكن للوضوء، والفرش للمسجد، واستمرار الصلاة للجميع طلابًا وروادا لأكثر من ستين سنة؟!
ومن العلماء الذين تناوبوا على خطب الجمعة في هذا المسجد في السنتين الأولتين، أو كان كلامهم في الرسائل، أو الذين وردت أسماءهم في كتاب (رسائل مسجد الجامعة 1-3):
علي الطنطاوي، مصطفى السباعي، عصام العطار، محمد سعيد العرفي، محمد ناصر الدين الألباني، سيد قطب، محمد خير الجلاد، محب الدين الخطيب، محمد هيثم الخياط، عز الدين إبراهيم، محمد المجذوب، مظهر العظمة، عبدالقادر عودة، محمد أسد (ليولد فايس - المسلم الألماني)، عبد العزيز كامل، تقي الدين الهلالي، رأي مصطفى صادق الرافعي، أبو الحسن علي الحسني الندوي، محمد سعيد الطنطاوي، محمد بن عبدالرحمن خليفة، أبو الأعلى المودودي، محمد بن لطفي الصباغ، سليمان الندوي، أمين أحسن إصلاحي، أبو عمر الداعوق، محمد سعيد المولوي، محمد أحمد الغمراوي، عبد الوهاب حمامي، وهبي سليمان الألباني، كلام من حسن البنا، كلام من عباس محمود العقاد، جودت سعيد، محيي الدين القليبي التونسي، وحيد الدين خان، والدكتور حسن هويدي، والدكتور عز الدين جوالة، وغيرهم العشرات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع
1- "رسائل مسجد الجامعة". ج 1، 2، 3. مقدمة الأستاذ زهير الشاوش 1/8- 17، وفهارس الأجزاء الثلاثة.
2- "رسائل مسجد الجامعة". مقدمة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ للجزء الثاني منها ص: 2/3- 14.
3- مقالة في "رابطة أدباء الشام" للأستاذ زهير الشاويش بعنوان: (مسجد الجامعة السورية وإعادة فتحه سنة 1370هـ - 1951م).
4- الأستاذ د. محمد عبد الله الموسى في مقطع صوتي "واتس أب".
5- "موسوعة الجزيرة" مقالة وترجمة للأستاذ عصام العطار -رحمه الله- بعنوان: "عصام العطار أحد أبرز قادة الحكرة الإسلامية في سورية" نشر في يوم 5/5/2024م.
6- "معلوماتي الشخصية".
وسوم: العدد 1080