مشاهدات مصرية الطريق إلى معهد ناصر
مشاهدات مصرية الطريق إلى معهد ناصر
م. محمد يوسف حسنة
تدهوُر قطاع الصحة وغياب خدمات أساسية للمرضى في قطاع غزة، غالباً ما يُلجئهم للعلاج في الخارج، متحملين عناء السفر وتكاليف الإقامة الباهظة، كنت ممن اختبر الله صبرهم على البلاء وخرجت مرافقاً لأخي الصغير طلباً للشفاء، علّنا بما نجد في مصر من إمكانيات ضالتنا.
ولأنني أهوى مخالطة الشعوب والتعرّف على وجهات نظرهم فكنت أختار وسائل النقل العامة التي تنبض حيوية وتعج بكل أطياف الشعب.
تستيقظ باكراً استعداداً لرحلة الذهاب لمعهد ناصر في الموعد المحدد، فقاهرة صلاح الدين الأيوب تختلف عن غزة التي تجوبها ذهاباً وإياباً في ساعة من الزمن، ففي القاهرة عليك بالخروج قبل ساعة أو اثنتين من موعدك كي تصل في التوقيت المناسب.
تخرج وإذ بسيل سيارات كأنه رصاص منهمر على الجانبين بانتظارك، تُحاول قطع الشارع وسط السرعات الفائقة التي يسير بها السائقين، فهم يعتمدون شبكة أنفاق أرضية للمشاة أو جسور تقطع الشارع، إلا أنك تحتاج غالباً للسير طويلاً حتى بلوغها فتختار قطع الشارع على ما فيه خطورة وهى مغامرة شيقة نهايتها الوصول للطرف المحدد أو مقابلة الرحمن على يد سيارة مسرعة.
تصل مستشفى معهد ناصر، حيث لا يتم الأخذ بعين الاعتبار أي من نتائج الفحوصات الواردة من غزة، -فحسب المعهد- عديد من التشخصيات غير صحيحة ولا تصف الحالة، وعليه هنالك حاجة لإعادة الفحوصات ومن ثم تحديد تدخّل العلاج، والحق أنني وجدت قصوراً في ملف متابعة مرضى العلاج في الخارج سواء من وزارة الصحة بغزة ووزارة الصحة برام الله وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر وتقييم.
كل ما يمكن أن تراه عيناك في ذلك المكان هو نظامٌ وترتيبٌ رغم الكثافة العددية للمراجعين، ونظافة دورية ومتابعة من الأطباء والممرضين وحتى طاقم الصيانة الذي يتواجد خلال عشر دقائق من التبليغ عن أي عطل في غرفة المريض، هذا ما ستسجله حال دخولك بوابة المستشفى.
مستشفى سجلتُ فيها العديد من الملاحظات إلاّ أنني سأتوقف عند أحمد وشخصية الشيخ محمد رجب.
أحمد يعمل رجل أمن يتولى تنظيم خروج ودخول المواطنين والأجانب، سألني هل أنت من غزة قلت نعم، بادرني بالقول “أود الحصول على عقد عمل في غزة”، قلت له: غزة فيها من البطالة ما يجعلنا نُفكر في فتح السوق العربي لاستيعاب القدرات العمالية لدينا كما أن مصر فرص عملها أكثر وأنت تعمل فلمَ تُريد القدوم لغزة، تمهّل قليلاً ومن ثم قال: هل تُجاهد في غزة؟ تبسمت وقلت: كل من في غزة على ثغر وكل منا يُجاهد بطريقته وبوسائله حسب موقعه، فقال: الحق أني أريد الجهاد في فلسطين هل تستطيع المساعدة؟ تبسّمت مغادراً وقلت في نفسي سيأتي يوم تجد من يُساعدك، فغزة بل فلسطين تنتظرك وتنتظر جميع المسلمين.
بعد أربعة أيام عاد صديق لي يُدعى محمد المغربي وقد رافقني لمتابعة أخي المريض أيضاً ليُخبرني قصة، ابتدأ الحديث قائلاً استوقفني أحدهم وسألني هل أنت من فلسطين فقلت نعم فقال أنا أُتابع أخبار فلسطين وغزة وأنتم تاج رؤوسنا، أود الجهاد في غزة لا تنساني من الدعاء، صعد صديقي لغرفة أخي المريض وبعد برهة نزل، هرول أحمد يسأل هل كل أموركم بخير، هل تحتاجون لأي شيء؟، في هذه اللحظة تبرع المغربي لتقديم ما ظنّ أنه مطلوب منه وهو مبلغ بسيط من المال لرجل الأمن، احمر وجه الرجل وبصوت حزين قال أنت تُهينني هكذا، أنا لا أريد مال، أنا أريد الجهاد بغزة، ويروي المغربي أن أحمد استمرّ بالاطمئنان عليهم وعرض مساعدة في أكثر من مرة ما يفوق 200 جنيه، أي ما قد يكون راتبه مساعدة لصديقي وأخي إن احتاجوها، قدّر الاثنان الموقف وشكرا أحمد وأبلغاه أنهما ليسا بحاجةِ أموال فالخير موجود ولا ضير من الدعاء المتبادل.
أما الشيخ محمد رجب، فهو زميل أخي المريض، تناسى مرضه واهتم بأخي الصغير دعاءً ودعماً معنوياً، كلما رآني سارع بالترحاب بي وسألني عن غزة وأهلها ومعيشتهم وصبرهم وجهادهم، وأثنى وعظّم في جهاد ومدافعة أهالي فلسطين عن مقدسات الأمة، وأنه لولا أهل فلسطين لما بقت القدس ولما بقي الأقصى.
صورتان تنبضان بحيوية الحب الذي يسكن قلوب المصريين لفلسطين عموماً وأهل غزة خصوصاً، وكيف أن فلسطين نموذجاً يُحتذى به ويُقدر ويُسعى لمشاركته الهمّ، صورتان توضحان كيف تطير القلوب فرحاً وتحتفي بكم الأمم يا أهل فلسطين، علّكم ومن خلال هاتين الصورتين تُدركون أهمية الثغر الذي أنتم عليه وما تمثلون للأمة عنوان رئيس وأساسي في مقارعة الظلم والطغيان.