الجمعية المغربية للبحث في الرحلة
الندوة الوطنية الأولى التي نظمتها
في موضوع: آفاق البحث الرحلي بالمغرب
يوم الخميس 06/12/2007 بكلية الآداب بالرباط
إدريس الخضراوي
الرباط
نظمت الجمعية المغربية للبحث في الرحلة ندوة علمية في موضوع: آفاق البحث الرحلي بالمغرب، وتأتي هذه الندوة في سياق الاهتمام الذي توليه هذه الجمعية للرحلة بحثا ودراسة ونشرا. ورغم حداثة تأسيسها فإنها تمكنت طرح أسئلة هامة، وإثارة قضايا بالغة الدلالة تمس البحث في الرحلة، وهو ما يعطي لدى المتتبع الانطباع بكون هذه الجمعية تمثل إضافة نوعية للمحافل المعنية بالاهتمام بالرحلة تأليفا وتحقيقا ودراسة.
تميزت الجلسة الافتتاحية التي ترأستها الأستاذة مليكة نجيب بكلمة السيد نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط الأستاذ بنحادة، والتي هنأ فيها الجمعية على هذه الندوة، كما عبر عن سعادته بكون الكلية تحتضن أشغال هذا اللقاء العلمي. وذكّر الأستاذ بنحادة بأن المغاربة كان لهم إسهام وافر في حقل الرحلة، ولذا ليس غريبا أن تتأسس هذه الجمعية، وتتخذ من البحث في الرحلة وقضاياها المختلفة مجالا للبحث. وفي هذا السياق وجه التحية لعميد الرحالين المغاربة المعاصرين الأستاذ عبد الهادي التازي على حضوره وإسهامه اللافت في تطوير البحث في الرحلة من خلال تحقيقة لرحلة بن بطوطة وكذلك موسوعته المعروفة بمائة رحلة ورحلة. بعد ذلك تناول الكلمة رئيس الجمعية الدكتور عبد الرحيم مؤدن حيث توقف عند دوافع تأسيس هذه الجمعية، وكذا دلالات تصاعد المنجز الرحلي كما وكيفا. وذكر الأستاذ المؤدن بأن الرحلة نص متمرد ومنفتح وديمقراطي، وهذه الخصائص تجعل البحث فيها شديد الأهمية. وفي هذا السياق أشار كذلك إلى مصاعب التأسيس التي تمكنت الجمعية من تخطيها، وذكر بأن الجمعية انخرطت رغم ذلك في إثارة قضايا متنوعة تتصل بالرحلة، وكان من ثمار كل ذلك أن أنجزت ملفا هاما حول الرحلة وأسئلتها نشر بالملحق الثقافي فكر وإبداع، كما ذكّر كذلك بالتقليد الذي كرسته الجمعية والمتمثل في لقاء الشهر الذي يتوقف عند مساهمة واحد من المهتمين بالرحلة. وأشار بأن الجمعية نظمت لقاءين اثنين منذ تأسيسها: اللقاء الأول كان ضيفه الأستاذ الدكتور عبد الهادي التازي واللقاء الثاني تمحور حول كتاب الرحلة في الأدب المغربي لعبد الرحيم مؤدن أما اللقاء الثالث فسيكون محوره كتاب الرحلة في الأدب العربي للدكتور شعيب حليفي.
انطلقت الجلسة العلمية الأولى برئاسة الأستاذ الحسن الغشتول وكان محورها: آفاق البحث الرحلي، وتميزت بأربع مساهمات علمية، حيث تدخل الأستاذ عبد الرحيم مؤدن في موضوع: قراءة في مشروع ارتياد الآفاق للبحث الجغرافي، والورقة هي رؤية تعريفية بهذا المركز العلمي الهام الذي يعنى بالرحلة تحقيقا وبحثا ونشرا. واستعرض الباحث أهم محطات هذا المشروع متوقفا عند إيجابياته الكثيرة خاصة طموحه إلى نشر مائة رحلة عربية. وأنهى عبد الرحيم مؤدن مداخلته بالتأكيد على أن المركز يمثل إسهاما متميزا في التعرف على الذات والآخر، من جهة، وتحصين، من جهة ثانية، قيمة الاختلاف والمغايرة كأداة للحوار بين الشعوب والثقافات المتعددة بعيدا عن الأحادية أو القطبية الإبداعية والإيديولوجية. أما المساهمة العلمية الثانية فكانت للأستاذ محمد الحاتمي في موضوع: رحلة العبدري من النشر
إلى التحقيق. وقد ذهب الباحث في هذه المداخلة إلى أن الاهتمام بالكتابة الرحلية بالمغرب يمكن أن يصنف إلى مجالين اثنين: مجال العناية بالنصوص وتحقيقها قصد وضعها بين أيدي الباحثين والدارسين، حيث المطبعة الحجرية هي التي دشنت هذا المجال حينما قامت بطبع بعض الرحلات المغربية، وبعدها تم طبع العديد من الرحلات المغربية بالحرف العادي ، وكان محمد الفاسي رائدا في هذا المجال. أما المجال الثاني فيشمل الدراسات التي تناولت النصوص الرحلية بطرائق ومناهج مختلفة مستفيدة من تطور النظريات النقدية. وقد ركز الباحث على المجال الأول متتبعا مسار تحقيق رحلة العبدري، متوقفا عند محطات هذا التحقيق وبعض النواقص التي شابته. والمداخلة الثالثة تقدم بها الباحث الأستاذ أحمد السعيدي في موضوع: النص الرحلي وتحقيقاته، قراءة في رحلة ناصر الدين على القوم الكافرين، وقد انطلقت مساهمة الباحث من سؤال تعدد تحقيقات النص الرحلي ومنها: تحقيق محمد رزوق، الدار البيضاء (1987) وتحقيق وتقديم وترجمة شورد فان كوننكزفلد، مدريد(1997) وتحقيق أحمد حسن بسج ، بيروت(1999) وتحقيق وتقديم محمد رزوق، دار السويدي. وقد انطلق الباحث في مناقشة هذه التحقيقات وتفحصها من المنظورات المعاصرة حول التحقيق وما يتصل به من تخريج وتوثيق وفهرسة وتقديم أو دراسة للعمل المحقق. المداخلة الرابعة في هذه الجلسة، وقدمت باللغة الفرنسية، كانت للباحثة بشرى بن بلا في موضوع: أدب السفر، جنس إشكالي كلياني وواقعي، وقد سعت في مداخلتها إلى التوقف عند الخصائص المميزة لمحكي السفر، مستعرضة أهم ما تقول به نظريات السرد الحديثة حول هذا الموضوع، كما أشارت إلى ما يعتري مسألة تجنيس نصوص الرحلة من صعوبات، نتيجة بنية هذه النصوص نفسها، وما يتفاعل فيها من حقائق ومتخيلات ومحكيات وصور.
عرفت الفترة المسائية جلستين علميتين: الأولى في موضوع: الرحلة في الدراسات الأكاديمية والجامعية وقد ترأسها الأستاذ محمد الحاتمي، وتدخل فيها الأساتذة: بوشعيب الساوري في موضوع: عبد الرحيم مؤدن، نحو أدبية للنص الرحلي، وقد انطلق في ذلك من إسهامات الباحث المؤدن في هذا المجال، ساعيا إلى إبراز الأهمية التي قدمتها أعماله في التعريف بالرحلة من حيث طبيعتها الأدبية، وكذا القوانين الناظمة لاشتغال الخطاب فيها. وخلص الساوري إلى أن الباحث عبد الرحيم مؤدن يعد من أبرز المشتغلين بالدرس الرحلي بالمغرب، ولا أدل على ذلك هو أعماله الكثيرة التي تراوحت بين النقد والدراسة والتحقيق والإبداع. وهذا ما مكنه من توسيع الرؤية لنص الرحلة وفتح منافذ جديدة لمقاربتها. بعد ذلك تدخل الأستاذ المهدي السعيدي في موضوع: أدب الرحلة في الدراسات الجامعية بالمغرب، وفي هذه المداخلة تناول الباحث طرق ومناهج دراسة أدب الرحلة في الدراسات الجامعية بالمغرب، وقد انطلق في ذلك من أطروحة لنيل الدكتوراه تقدم بها الأستاذ محمد الحاتمي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير سنة 2004. كما أضاء الباحث طريقة تعامل صاحب هذه الدراسة مع المتن الرحلي، حيث زاوج بين التحقيق والتحليل الذي يتوقف عند البنيات المضمونية والفنية. أما المداخلة الثالثة في هذه الجلسة فكانت للأستاذ إدريس الخضراوي في موضوع: مناهج دراسة الرحلة. كتاب الرحلة والنسق لبوشعيب الساوري نموذجا. وانطلقت هذه المداخلة من إثارة أسئلة نظرية ومنهجية تتعلق بالبحث في الرحلة، ومظاهر الاستمداد من حقل الدراسات الروائية التي تطبع أهم الدراسات التي تناولت الرحلة من منظور الأدبية، مما يطرح تساؤلين اثنين: الأول حول ما إذا كانت الرحلة قد تخطت العثرات المتعلقة باستقبالها كجنس أدبي، والثاني حول طبيعة المساهمة التي تقدمها هذه الدراسات فيما يتعلق بالوعي بالرحلة ما دامت لم تحقق القطيعة مع الدراسات الروائية. وفي هذا السياق توقف الباحث عند كتاب الرحلة والنسق متقصيا في الأطروحة التي انطلق منها بوشعيب الساوري متتبعا أصداءها عند ريموند ويليامز وكليفورد كيرتس وعبد الله حمودي وآخرين، وختم مداخلته بما يؤكد أهمية هذا الكتاب نظريا ومنهجيا. أما المداخلة الرابعة فكانت للأستاذة الباحثة أسماء المكناسي في موضوع: إشكالية الرحلة في القرن التاسع عشر، وفي هذه الورقة العلمية التي قدمت باللغة الفرنسية توقفت الباحثة عند صورة الشرق عند الغربيين، كما تعرضت للأسباب الموضوعية والذاتية التي كانت وراء ظهور ظاهرة الرحلة عند الكتاب الفرنسيين الرومانسيين مع بداية القرن التاسع عشر.
الجلسة العلمية الثانية ترأسها الأستاذ أحمد السعيدي وكان محورها: النص الرحلي مقاربات نقدية. وعرفت هذه الجلسة أربع مساهمات علمية للأساتذة: محمد رزوق في موضوع: قضايا التاريخ الموريسكي في رحلة الشهاب الحجري، وفي هذه المداخلة توقف الباحث عند أهمية هذه الرحلة بالنظر إلى السياق الذي كتبت فيه، وأهمية مؤلفها الذي أصر على كتابتها باللغة العربية في ظروف كانت شديدة الصعوبة. وذهب الباحث بأن لهذا النص قيمة توثيقية كبيرة لأن الحجري يحكي فيه تجربته كموريسكي، كما أنه عاصر جل القضايا الكبرى التي سجلها سواء بالأندلس أو البلدان العربية التي زارها، كما أنه تميز بانفتاحه وتسامحه، وتمثل ذلك في اتصاله بالرهبان والأحبار بفرنسا وهولندا ومجادلته لهم في العديد من القضايا التي تهم العالم الإسلامي. بعد ذلك تدخل الأستاذ محمد الدخيسي في موضوع: قراءة في فضاءات الأكسير في فكاك الأسير. وهذه المداخلة قدمت باللغة الفرنسية كذلك، حيث تناول فيها صاحبها أهمية الفضاء في هذا النص السفاري، باعتباره الحيز الذي ضمنه الرحالة ابن عثمان المكناسي مختلف الأفكار حول الآخر. وذهب الباحث إلى أن هذا التضمين تم عبر الوصف، ولذا اعتبره فضاء لأصوات متعددة تعكس خطابا متعدد الأوجه يساهم في بناء صورة الآخر. أما المساهمة العلمية الثالثة فكانت للأستاذ الحسن الغشتول بعنوان: نموذج المجتمع المغربي وثقافته في رحلة أنس الساري. استهل الباحث مداخلته بما يميز النص الرحلي دلاليا وجماليا، كما أبرز أهمية نص أنس الساري، وكشف عن قدرته على تمثيل العصر الذي عاش فيه ابن مليح من الناحية الثقافية والدينية والحضارية والجغرافية. كما توقف عند صورة المجتمع المغربي كما تعرضها هذه الرحلة، واستقصى دلالات الحضور الصوفي فيها. أما المداخلة الأخيرة في هذه الجلسة فكانت للباحث عبد العزيز بلبكري في موضوع: الرحلة الداخلية لأحمد بن الحسن السبعي، وتميزت المداخلة بتعريفها بصاحب الرحلة، وبالجوانب التي عكستها كالجانب الطبيعي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والمعماري، مثلها في ذلك مثل الكثير من الرحلات المغربية. وقد خلص بلبكري في مداخلته إلى أن الرحلة الداخلية لأحمد ابن حسن السبعي تتعين صورة قريبة من واقع المجتمع المعيش آنذاك، وكذلك نمط الوعي الفكري والوطني الذي كان سائدا.
وانتهت هذه الندوة، بعد أن عرفت جلساتها العلمية نقاشا واسعا انصب حول مجمل الأوراق المقدمة، الأمر الذي مكن من فترح كوى جديدة، يمكن أن يطل منها الباحث في الرحلة، بما يقود إلى تطوير الفهم بموضوعه وأسئلته وقضاياه.