عائد من بر وبحر العاصمة
زرت البارحة خالتي ببوزريعة بالعاصمة، رفقة الزوجة والأولاد الأربعة. كانت الزيارة مناسبة لإحياء الدموع من جديد، بسبب وفاة أمي التي لم تشهد جنازتها خالتي، خاصة حين أهدتها أم الأولاد عباءة وخمار لأمي، فاحتضنت القماش بدموع حارة تسترجع عبره عقود ثمانية من الزمن. وكم كانت فرحتي كبيرة شديدة، وهي تحدثي عن إعجابها بما قمت به تجاه أمي، وتسرد أقوال وأفعال أمي الدالة عن رضا الوالدين، والأبناء والزوجة يتابعونها باهتمام بالغ، ثم إفترقنا وكلي أمل أن أعود لأحضان خالتي من جديد.
زيارتي للعاصمة ذهابا، كانت عبر الطريق السيارالشلف العاصمة، آخذين منعرج الدويرة. وفي العودة كان عبر الطريق البحري، تيبازة شرشال تنس الشلف، فكانت ملاحظات الزائر الآنية السريعة..
زرع العمارات.. كلما عبرت شرق البلاد وغربها، إلا وكان لزاما علي أن أقدم كامل الشكر والثناء للذين وقفوا وما زالوا يقفون وراء طريق السيار، مع ذكر بعض النقائص التي تصحح يجب أن تصحح وتستبدل إلى ما هو أحسن وأفضل.
وأنت تجوب الجزائر، تلاحظ أن الجزائر في ورشة كبيرة ممتدة عبر التراب الوطني. العمارات في كل مكان عبر الداخل، وفي الساحل وأعالي الجبال، وفي المناطق النائية، ثم توزع بالمجان، ولا يحدث هذا إلا في الجزائر.
إختناق وإزدحام.. من أسوء مايميّز العاصمة، أن جلّ وقت الزائر يقضيها في الطريق بسبب زحمة المواصلات، التي تفقد الأعصاب وتفسد أيام الزائر.
إن الجهود المبذولة في الطريق السيار، لم تواكبها نفس الجهود داخل المدينة، فبقي الاكتظاظ والانتظار يخنق المدن، مايحتاج إلى إعادة النظر وتصحيح مايجب تصحيحه لتدارك أزمة إختناق المدن المتصاعد بشكل رهيب مفزع.
أين الأكلات الشعبية.. وأنت تجوب العاصمة، وعبر ساحة أول ماي، تبحث عبثا عن أكل للأبناء فلا تجد مايروي العطش ويشبع البطن، غير بيتزا مستوردة وقلي يسيء أكثر مما يفيد وطابور يزعح ويشوه المنظور. وما زلت أتساءل بغرابة ودهشة عن سر غياب الأكلات الشعبية الجزائرية عن المطاعم العاصمية.
سفارات بالجزائر تهين الجزائري.. إغتنمت فرصة وجودي ببوزريعة، فاتجهت إلى قلب العاصمة، راجيا أن يتمتع الأبناء برؤية العاصمة الجزائرية، وبالصدفة أجدني في شوارع كلها للسفارات الأجنبية بالجزائر، وكم كان المنظر حزينا كئيبا ، وأنا أرى شباب الجزائر يفترشون الأرض وعبر طوابير طويلة جدا، وتحت شمس حارقة من وراء الشباك دون أن يسمح لهم بالدخول إلى السفارات. هذا المنظر الكئيب الذي يذل عبره الجزائري في أرضه وتحت سماءه، جعلني لاأسأل عن أسماء هذه السفارات المقامة بالجزائر التي فرضت على أبناءنا الهوان، فلا يهمني إسمها بقدر ماأوجعني إهانتها للجزائري، فأسرعت للخروج من العاصمة من أول منفذ يظهر لي، وحمدت الله أن الأبناء لم يستوعبوا الصورة المحزنة.
بحر دون خدمات.. وتلبية لرغبة الأبناء، إتجهنا بعدها لتيبازة الساحلية عبر حركة مرور خانقة مزعجة، فكانت المفاجأة أنه تم غلق الشاطئ العائلي، بزعم أن هناك ترميمات يتم إنجازها. وعن بعد 600 متر، إنتقلنا لشاطئ عائلي آخر يفتقر لأدنى مقومات الحياة، فلم يكن الوقت ولا ضيق المواصلات، لتسمح باختيار ماهو أفضل.
وعن ميناء تيبازة الذي يفتقر لقارورة ماء حلوة، فيقدم الماء المالح بـ 40 دج، والمثلجات عبر البلاستيك بـ 100 دج، ثم نتساءل بعد عن غياب السائح والسياحة.
هذه ملاحظات زائر عابر لقلب العاصمة الجزائرية وشواطئها، قضى جلّ وقته في زحمة المواصلات، ولم يسمح له سوء الاستقبال وانعدام ثقافة الترحاب بالزائر، بالتمتّع بجمال بلده العزيز، فعاد كئيبا حزينا في انتظار أن يتحسن أداء الخدمات.
وسوم: العدد 626