الدكتور محمد الكتاني في ضيافة مركز ابن أبي الربيع السبتي
الدكتور محمد الكتاني في ضيافة مركز ابن أبي الربيع السبتي
أبو الخير الناصري
بتنظيمٍ من مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية، وتعاونٍ من فرقة البحث الأدبي والسيميائي، وماستر لسانيات النص وتحليل الخطاب، وماستر الأدب العربي في المغرب العلوي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، احتضنت قاعةُ العميد محمد الكتاني بالكلية المذكورة صباحَ يوم الاثنين 04 من ماي 2015 لقاءً علميا خُصص لقراءة كتاب الدكتور محمد الكتاني المعنون بـ"موسوعة المصطلح في التراث العربي الديني والعلمي والأدبي"، وهو الكتاب الصادر في ثلاثة أجزاء عن دار الثقافة بالمغرب عام 2014م.
تحدث في بداية هذا اللقاء الدكتور محمد سعد الزموري عميد الكلية، فرحب بالدكتور محمد الكتاني عضو أكاديمية المملكة المغربية، وبالدكاترة المشاركين، والباحثين والطلبة الحاضرين، وذكر أن هذا اللقاء العلمي يأتي في سياق التعاون بين الكلية ومركز ابن أبي الربيع السبتي التابع للرابطة المحمدية للعلماء، في إطار تفعيل اتفاقيتي الشراكة اللتين تربطان الكلية بالرابطة والمركز المذكورين. كما أشاد العميد في كلمته بأخلاق الدكتور محمد الكتاني ومنجزاته العلمية، وقال إن الموسوعة التي يُنظم هذا اللقاءُ لتقديمها ستصير مرجعا للدارسين والباحثين، ونوه بالجهد الكبير الذي بذله مؤلفها في إنجازها وحده دونما اعتماد على فريق من الباحثين.
بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور محمد الحافظ الروسي، رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي، وقال في حديثه إن هذا اللقاء يندرج في سياق النهج الذي نهجه المركز والمتمثل في تنظيم محاضرات ولقاءات علمية تهتم بعلوم اللغة وقضاياها، وأشار إلى خصوصية هذا اللقاء لطبيعة الضيف الدكتور محمد الكتاني من جهة، ولتميز الكتاب المحتفى به من جهة ثانية، مشيدا بجملة من مزايا الكتاب ككونه قد جُمع فيه ما تفرق في غيره، وكون المؤلف ألزم نفسه بضوابطَ منها ما هو مألوف عند القدماء، ومنها ما لم نألفه إلا في الموسوعات الغربية؛ وذاك مما يجعل قارئ هذا الكتاب يحس بأنه سيستغني به عن غيره، وأن غيرَه لا يُغني عنه.
وبعد هاتين الكلمتين توالت مداخلات ستة دكاترة من أساتذة الكلية عملوا على إضاءة جوانب متعددة في هذا الكتاب الموسوعي الخاص بالمصطلح في التراث العربي.
كان أول الدكاترة المتدخلين الدكتور محمد عبد الواحد العسري الذي ابتدأ كلمته بالترحيب بالدكتور الكتاني وشُكْره على مجهوده العلمي - وهو ما تكرر فيما تلاه من مداخلات - ثم تساءل عن علاقة "موسوعة المصطلح في التراث العربي" بمجموع ما أنتجه د.الكتاني من أعمال في مجالات الفكر الإسلامي، والأدب العربي، والتحقيق وغيرها. ليؤكد بعد طرح هذا السؤال على أن هذه الموسوعة تتنزل في سياق هاجس الانشغال بالهوية الثقافية الإسلامية، وهو الهاجس الذي يؤطر مجمل أعمال الدكتور محمد الكتاني.
وقال الدكتور محمد عبد الواحد العسري إن "موسوعة المصطلح" لَبِنَة من لبنات المشروع الحضاري والعلمي للدكتور الكتاني، ووصفها بأنها بدايةٌ لكل مجتهد ونهايةٌ لكل مقتصد في استخدام مصطلحات التراث العربي.
في المداخلة الثانية ذكر الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي أن هذه الموسوعة تندرج ضمن إشكال كتابة الموسوعة عند العرب والمسلمين منذ القديم، حيث نجد الموسوعات عند العرب والمسلمين فردية، خلافا لأغلب الغربيين الذين يُشْرف عندهم فريقٌ من الباحثين على إنجاز الموسوعات، وأشاد المتدخل بهِمّة د.الكتاني الذي أنجز هذا الكتاب الضخم وحده، ووصفه بأنه مَسْحٌ شامل للتراث العربي؛ لأن صاحبه استعرض فيه تاريخ التراث العربي منذ بداياته إلى زمننا هذا.
وذكر د.السلمي أن مما دفع د.الكتاني لتأليف هذا العمل رغبته في تطوير اللغة العربية وتطويعها للعلوم، ورغبته في النهوض بهذه اللغة لكي ينهض أهلها، وأن مشروع الكتاني في هذا الكتاب هو تطوير لكل المشاريع التراثية والنهضية في مجال كتابة الموسوعات، وعَدَّ من مميزات "موسوعة المصطلح" عناية صاحبها بالتعريف بالأعلام والترجمة لهم.
أما المداخلة الثالثة فكانت للدكتورة سعاد الناصر، وقد ابتدأتها بالحديث عن اللغة العربية وأهميتها لتصل بعد ذلك بين الحديث عن العربية والحديث عن الموسوعة، قائلةً إن "موسوعة المصطلح" للدكتور محمد الكتاني عملٌ كاشفٌ عن حيوية العربية وغناها، ومُعبِّرٌ عن عبقرية هذه اللغة وقدرتها على أن تكون لغة العلم، ومؤكدةً على أن هذا العمل العلمي هو حصيلة عمق معرفي واشتغال متوالٍ استغرق مدة زمنية طويلة، وأن ما توفر فيه من عناصر الجودة قد جعل منه إضافة نوعية جادة في مجال التأليف المصطلحي ومرجعا للباحثين للإحاطة بتعريف مختلف المصطلحات تعريفات موسعة.
وفي المداخلة الرابعة اتفق الدكتور عبد اللطيف شهبون مع د.محمد عبد الواحد العسري على أن الكتاب المحتفى به في هذا اللقاء ينبغي أن يُقرأ قراءة نسقية، وقال إنه لا يمكننا عزل هذه الموسوعة عن النسق الفكري الذي يشتغل به د.الكتاني منذ عقود.
وأضاف د.شهبون قائلا إن صدور هذه الموسوعة في هذه الظرفية الحضارية التي نعيشها أمرٌ بالغ الأهمية، خصوصا أمام النقاش الذي يراد له أن يزيغ عما هو علمي، في إشارة منه إلى النقاش حول الفصحى والعامية.
وقال المتدخل إن هذا الكتاب ألَّفته شخصية الْمُعَلم بالمعنى الأرسطي للكلمة، أو بمعنى العالم المشارك في الثقافة الإسلامية، وشدد على أن هذا الكتاب ليس كتابَ مطالعة، وإنما هو مصدرٌ للاستمداد الوظيفي الدائم، وختم بالقول إن الكتاب عَمَلٌ عزيزُ النظير، وإنه لا يمكن فصله عن شخصية صاحبه الدكتور الكتاني الرجلِ المنهجي الدقيق الذي يرتب عمله ويَفهمُ عن نفسه ما يقول قبل أن يفهم عنه الآخرون.
أما الدكتور عبد الرحمن بودرع فقال، في كلمته، إن هذه الموسوعة تأتي لتقوم شاهدا على نسق تفكير مؤلفها، ونفاذ بصيرته، وغوصه في أعماق التراث العربي، ووصفَ الموسوعة بأنها تجربة رائدة فريدة بُنيت على ثقافة واسعة، وأنها ذات منهج استقرائي موضوعي محايد، وأن طريقة عمل صاحبها فيها أسفرت عن معجم متخصص يغني عن كثير من المعاجم لاستيعابه ما فيها.
وأجمل الدكتور بودرع القول في تعداد بعض مزايا الموسوعة، فذكر منها كون لغتها مبنية على انتقاء عبارات الحد والتعريف بلغة علمية دقيقة، وكونها تقدم المعلومات من أقرب الطرق، وتقديمها الأنفع والأكثر إفادة، وكون الحاجة إليها متجددة ولا ينقطع العمل بها بعد قراءتها مرة واحدة.
وكان آخر تدخل للدكتورة جميلة رزقي تحدثت فيه عن موضوع "المعرَّب والدخيل في موسوعة المصطلح"، مركزة في حديثها عن هذا الموضوع على الجزء الأول من الأجزاء الثلاثة للكتاب. وقالت إن في هذا الجزء مصطلحات معربة وأخرى دخيلة، وأحصت عدد كل منهما، لتصل إلى أن نسبة المعرب أكبر من نسبة الدخيل في هذا الجزء من الكتاب.
وأشادت الدكتورة رزقي بسمات بارزة في الكتاب من قبيل دقته، ووضوحه، وأمانة مؤلفه، ورجوعه إلى المعاجم والموسوعات السابقة واعتماده عليها. وذاك مما جعل عمله نوعيا معززا للحقل الثقافي بالمغرب.
وفي الختام تحدث الدكتور محمد الكتاني فشكر الهيئات المنظمة للقاء والأساتذة الذين قدموا عروضا عن كتابه. ثم ركز حديثه في قضايا يرجع أكثرها إلى أمرين اثنين:
أولهما: السياق العام الذي أُصدرت فيه "موسوعة المصطلح"، وقال – في هذا الأمر – إن ما يُوجَّه للغة العربية من ضربات طاعنة تحت الحزام من قبيل اتهامها بأنها أصبحت ميتة متجاوزة قد أصبح أمرا واضحا. وإن هذه الموسوعة تأتي لتثبت الدور الحضاري للغة العربية ولتؤكد أن لغةً عَبَّرت عن كل علم من العلوم قديما لا يُمكن اتهامها بالعجز عن النهوض بالعلم في هذا العصر.
وثانيهما: العوامل التي ساعدته على إنجاز هذه الموسوعة، وقال إن هذه العوامل متعددة من بينها ما يلي:
أولا: تدريسُه مختلف العلوم بضرب من النضال الصوفي طوال مدة اشتغاله بالتعليم الجامعي، وهو ما مَكَّنه من الاطلاع على علوم كثيرة، وذاك شرط في كل راغب في صناعة موسوعة.
ثانيا: إشرافه على عدد كبير من الأطروحات والرسائل الجامعية وتدقيقه في قراءة كل ما أُنجز بإشرافه من بحوث، وهو ما جعله يختزن في ذهنه مصادرها ومراجعها، فيسهل عليه العودة إليها عند الحاجة.
ثالثا: تلمذته لكثير من شيوخ العلم.
رابعا: مساعدةُ زوجته له في عملية رقن الموسوعة وتخزينها في الحاسوب، وصبرُها على تدقيقاته وتنقيحاته في العمل طوال عشر سنوات.
خامسا: اطلاعه على المصادر والمراجع الكثيرة المتوفرة.
كما قدم الدكتور الكتاني، في كلمته، عددا من الإحصاءات الخاصة بما ورد في موسوعته من مصطلحات تخص بعض العلوم كعلوم القراءات، والفقه، والحديث، وقرأ بعدها، تمثيلا لطريقة تعريفه للمصطلحات، بعضَ ما ورد في الصفحتين 842 و843 من الجزء الأول من "موسوعة المصطلح" عن مصطلح الحرية، فكانت قراءته سبيلا لإطْلاع أغلب الحاضرين على طريقته في تعريف المصطلحات، وجوانب التدقيق والتوثيق في هذا الكتاب.
وبعد فراغ الدكتور الكتاني من كلامه ختم الدكتور محمد الحافظ الروسي، مسير الجلسة، هذا اللقاءَ العلمي بتجديد الشكر لمؤلف الموسوعة، والتنويه بأخلاقه الفاضلة وحرصه على الدقة العلمية، داعيا إياه إلى كتابة سيرته الذاتية وتضمينها تجربته في التدريس والإشراف على الرسائل والأطروحات لما لذلك من فائدة علمية وتربوية أكيدة.