الصادق المهدي والوضع الراهن
د. بلال كمال رشيد
استضاف منتدى الدستور في عمان / الأردن علماً من أعلام الأمة ، ممن عاشوا حياتهم بين سلطة الفكر وفكر السلطة ، دولة الإمام الصادق المهدي محاضراً عن الوضع العربي الراهن ، وقد أبدع دولته وهو يُؤصل ويُحلل ويُعلل، رابطاً بين الأسباب والنتائج ، مقارناً بين الحضارة العربية والغربية ، والحركات السياسية والمذاهب والتيارات الفكرية والدينية ، ليصل إلى أنّ الوضع الراهن وبأمثلته المتعددة والمختلفة هو نتيجة لرهائن الفكر الواحد الذي لا ينفتح على الآخر ، ولا يتحاور معه ، بل يقف أمامه موجهاً التُهم بعقلية المؤامرة ومواجهاً بندية كيدية تسعى لإلغاء الآخر ونفيه وإبادته ، ثم يستعرض التاريخ مستشهداً ومؤكداً بأن الشيعة لم تستطع ولن تستطيع إلغاء السُنَّة ، وفي المقابل لم يستطع أهلُ السُنَّة ولن يستطيعوا إلغاء أهل الشيعة ، كما لم يستطع العلمانيون إلغاء الإسلاميين وفي المقابل لن يستطيع الإسلاميون نفي أو إقصاء العلمانيين ، ولئن ذهبتْ الحضارة الغربية إلى تهميش الحضارة العربية ، وإضعاف كيانها، ومحاربة الدين الإسلامي إلا أنها لم تستطع أن تقف أمام المدِّ الإسلامي إلى عُقْر ديارهم رغم ضعف وهوان المسلمين .
من هنا ذهب دولتُه إلى ضرورة وجود توازناتٍ بين معادلات القوى المتصارعة سواء أكانت عربية عربية ، أو إسلامية إسلامية ، أو سُنية شيعية ، أو عربية غربية ، تستند إلى أُسس وأخلاقيات التحاور والتجاور ، وفي احترام وجود الآخر واحترام حقوقه .
وأشار من بين ما أشار إليه إلى ضرورة تغيير دور جامعة الدول العربية وتفعيله في أن تكون جامعةً للشعوب العربية وتطلعاتها، وليس للدول العربية وحُكامها ، فقد تغيرت المنطقة بسبب التقدم العلمي والإعلام والاتصال ، وانتهت عُقْدة الخوف ، وأصبح للشعب كلمته التي تُبدل وتُغير وتُطيح برؤساء وطغاة ، ولكنه لم يستطع أن يُوجد البديل ، لذلك كان التخبط ،كما كانت الفوضى بديلاً للحرية أو الاستبداد .
كانت المحاضرة مفيدةً وممتعةً ، وتميز معها الجمهور الذي كان نوعياً ومتعدداً من مختلف المنابت والمشارب والمناصب ، حتى وقف أحدهم مُعرفاً بنفسه بأنه عربيُّ القومية ، أردنيُّ النشأة والجنسية ، مسيحيُّ المذهب ، مسلمُ الثقافةِ والحضارة، فقابله الجمهور بالاستحسان والتصفيق الحار ، فلخص بهذا التعريف جذور الحضارة العربية ، كما تفاعل الجمهور مع المحاضرة تفاعلاً طيباً ، تأييداً ومعارضةً لبعض الأفكار، ولكنها انتهتْ باحترامٍ وإجلالٍ للمُحاضِر، الذي أقر الكلُّ بعلمه وفكره ،واحترم الكلُّ طرحه الذي جاء انتصاراً لمحاورة فكر الآخر ، و الانفتاح عليه ومحاورته بالحكمة والموعظة الحسنة، دون تجريحٍ أو تخوين ، بل بطرح أفكارٍ تسير على سياسة الأخذ أو الرفض ، لا على سياسة الفرض ، بل سياسة الرفد ، رفد الفكرة بأفكار ، أفكار تستدعي التفكير لا التكفير ، أفكار تستدعي تجميع الأمة لا تفريقها ، فلا استبعاد ولا استعباد ،سعياً نحو الأفضل والأصوب للجميع .
ويبقى السؤال لماذا يلتئم شملُ الفرقاء من المفكرين والسياسيين على الموائد الحوارية ، وفي منتديات الفكر، وهم يتحاورون ويختلفون ، ويؤيدون ويعارضون ، ويحترمون الآخر إنساناً وفكراً، لماذا لا يلتقون ويتحاورون على موائد الكبار وصنع القرار ؟؟؟!!!!!