بدل رفو يوقع بشفشاون ديوانه الجديد: " لالش..بلاد لاتقبع على خرائط الحقد"
من بعيد أتى ديوان"لالش..بلاد لاتقبع على خرائط الحقد" قاطعا المسافات، من بلاد الرافدين، التاريخ والحضارة، وتحديدا من دهوك حيث طبع وصدر، مرورا بغراتس النمساوية حيث اختمرت و انبجست معظم قصائده، وصولا إلى شفشاون المغربية حيث وقع النسخ الخمس والعشرين للديوان صاحبه بدل رفو بدفء مداد الاعتزاز. دهوك، غراتس، شفشاون مدن احتفى بها بقوة الديوان دون أن ينسى مدنا أخرى وشمت بنياط القلب؛ إنها تختصر رحلة غربة طويلة و بحث عن شموس الحرية وتوق مستدام إلى مرافئ سلام.
قبل أشهر من هذا الصيف الذي حل، قبل أوانه، قائظا و مختلفا حدثني الصديق الشاعر الرحالة بدل رفو عن وحشته الملتهبة لزيارة شفشاون، وعن مشاريعه الجديدة، ونيته في حيازة شفشاون مدينته الأثيرة، في بلاد العرب المتعبة، لقصب السبق في الاحتفاء بديوانه الجديد الذي يحتفي من خلاله بشفشاون ضمن المدن الأقرب إلى قلبه، المدن التي تعانق أوجاع ذكرياته وألوان أحلامه وإشراقات آماله...
على صوت فيروز الذي يقطر حنينا و أسى و حلما، وماء وخضرة وظلا، تصفحت قصائد الديوان التي تفوق التسعين لساعات، حتى تملكني خدر شفيف، إنها قصائد تعلي من شأن الشعر كضرورة وجود يقاوم دون هوادة جحافل الرداءة و السلب والظلم و الاستيلاب والحقارة...، بدل رفو في ديوانه" لالش..بلاد لا تقبع على خرائط الحقد" لا يداهن أو يرواغ، إنه يختار بوضوح معركته وخندقه وسلاحه، إنه يسير على خطى ولوركا ونيرودا والجواهري ورسول حمزاتوف، فيرسم باشتياق ولوعة، و هو يحترق بغربة المنافي، وطنا يمجد الحرية و يدعو إلى قيم التسامح و الاختلاف و ينحاز إلى الفقراء والمحرومين والمنسيين...، و تيمة الاغتراب أو الغربة أو المنفى، وهي أساسية في الديوان لا تقترن لديه بالبكائية أو الانهزامية، بالدعة أو الخذلان أو النسيان، فهي على العكس من ذلك جسر لاشتعال الذكرى، للانتصار للوطن، للالتصاق بالتراب، لأسطرة الرموز والأمكنة والجذور والأصول...
قبل أن يأخذ بدل رفو مقعده أمام تلك الطاولة البسيطة تحت ظلال الأشجار السامقة و التي ألقى منها بتـأثر كلمته و مقاطع من قصائده، حظي شاعر المغرب الكبير عبدالكريم الطبال من نفس المقعد بشرف تقديم احتفالية توقيع الديوان، فأومأ، كما حكى لي الرائعان عبداللطيف وعبدالعزيز، بذكائه الشعري و الإنساني المعهود أنه التقى ببدل رفو صاحب الديوان المحتفى به قبل أن يلتقيه ماديا، والشعر روح ترفرف في السماوات، إذ تذكر السي عبدالكريم، ابن شفشاون الأصيل ورمزها الشعري الأثيل، أنه كان ضيفا على العراق ومهرجانه "المربد" عدة مرات، مثنيا على كرم أهل هذا البلد العربي العزيز على كل القلوب، و الذي يتميز بعراقة ثقافته وتنوعها وخصب حضارته وأصالتها التي أججت غيرة وحسد و حقد المغرضين..
احتفالية توقيع الديوان التي احتضنها فضاء المخيم البلدي أزيلان بشفشاون، و التي حضرها أصدقاء الشاعر من حرفيين و تجار وفنانين و مبدعين و إعلاميين و جمعويين...، مرت في أجواء أخوية باذخة اتسمت بالبساطة والعفوية، فأخرجتنا من قيود البروتوكولات الرسمية وأنستنا تعقيدات المؤسسة الثقافية وتراتبياتها الواهية.
من سيقرأ ديوان "لالش..بلاد لاتقبع على خرائط الحقد" الذي أصدره مركز لالش الثقافي والاجتماعي وطبع بدهوك سنة 2022 بإخراج فني جميل و تصميم للغلاف- يذكر بزرقة وبياض شفشاون- من طرف هكار فندي، لن يخطئ، بلاشك، في التعرف على المعدن الإنساني الأصيل الذي صقل منه الشاعر الرحالة بدل رفو الذي يرفض التنكر وراء أقنعة الزيف، فهو متشبث، إلى حد الثمالة، بماضيه، حلوه ومره، و انتمائه الطبقي، و أرض وطنه القريب البعيد وهمومه وبالوفاء الوارف الشجي لأمه سيدة التراب...، ويرد الجميل لكل من هو أهل له، رثاء وتذكرا أو ذكرا وعرفانا واعترافا...
و أخيرا نقول: هنيئا للشاعر الرحالة بدل رفو صديق شفشاون بهذا الإصدار الأنيق، ونتمنى له دوام التألق في مساره الإبداعي و موفور الصحة و العافية في رحلته النضالية، رحلتنا جميعا، فيما تبقى من خريف العمر...
وسوم: العدد 1039