الظاهرة الأدبية في ضوء نظرية المعرفة القرآنية

صالح أحمد البوريني

الظاهرة الأدبية في ضوء نظرية المعرفة القرآنية

محاضرة لعباس المناصرة في رابطة الأدب الإسلامي

عباس المناصرة

من صالح أحمد البوريني/عمان

[email protected]

في المحاضرة التي ألقاها في مكتب رابطة الأدب الإسلامي في عمان مساء يوم السبت الماضي قدم الأستاذ عباس المناصرة محاولة لدراسة الظاهرة الأدبية بغية الوصول إلى تفسير لها . ويرى المناصرة أن تفسير الظاهرة الأدبية يساعد في كشف خبايا التجربة الأدبية وكشف مراحلها والعوامل المؤثرة فيها ، وخاصة عندما نفسرها من خلال منهج المعرفة في القرآن الكريم .

وقال المناصرة : إن تفسير الظاهرة الأدبية إسلاميا ، سيضيء لنا جوانب كثيرة ، ويجعل لنا وجهة نظر مستقلة في التجربـة الأدبية علــى عُمومها ، مما يتيح لنا قدرا من الوضوح والمنهجية التي تخدمنا في مشروعنـا الإسلامي للنظرية الأدبية التي ندعو إليها . وهذا يتيح لنا أيضا أن نتعرف على كيفية تكون الرؤية عند الأديب وكيف يستوعب العالم معرفيا ، وكيف تتحول المعرفة إلى قيمة وموقف ونص داخل وجدانه ، وبذلك نزداد عمقا في معرفة مراحل التحول ، التي تؤثر في ميلاد النص ، والعوامل المؤثرة في هذا التحول ؛ من موهبة ومراس وثقافة ، ويساعد كذلك في تفسير نشوء العلاقة بين المبدع والمتلقي .

ويرى الناقد المناصرة أن المقصود بالمعرفة هي العلاقـة القائمة أثناء عملية الإدراك بين عقولنا وقواها وأنشطتها من جهة ، وبين حقائق الوجود والحياة أو أوامر الوحي من جهة أخرى . ويبين أن المقصود تحديدا هو متابعة عملية الإبداع الأدبية ، وكيفية هضم العالم معرفيا عند الأديب من خلال متابعة تنقل عملية المعرفة في قنوات عقله ومحطاته وخياله ، وتعرفنا على مسارها العام من بداية تحرش الحياة بعقله وانتقالا إلى فهمها حتى لحظة ميلاد النص ، ومن خلال المعرفة كما يطرحها القرآن الكريم ، لأن ذلك يكشف لنا مسار الإبداع في نفس الأديب ، ويشكل لنا مدخلا مهما في التأسيس لقضايا النقد الأدبي ، في جوانبه النظرية والتطبيقية ، وذلك حين نتعرف على الجهد الذي يبذله صانع الظاهرة الأدبية ، في تحويل لغـة الموقف الشعوري القائمة على المشاعر والنبضات والتوتر وحديث الذات ، إلى لغة البيان التي يفهمها المجتمع من خلال الأنواع الأدبية المعروف لدينا .

وقال المناصرة إن الظاهرة الأدبية تشكل مع الظواهر الأخرى العلمية والفكرية وغيرها مجموع ما أنجزه العقل في وعي الحياة من حوله ، وإن فضل كل ظاهرة يتضح فيما تقدمه من وعي يضيء للإنسان حياته ويسهل عليه بناء حضارته . وأضاف : إن وظيفة الفن والأدب تظهر عبر كشفه عن جدوى هذه الحياة وقيمة حقائقها في نفوسنا ومدى إشباعها لمشاعرنا وفطرتنا وطموحنا بوسائله الذكية الجميلة .

وقد توسع الأستاذ المناصرة في دراسته التحليلية لمراحل تكون التجربة الإبداعية في نفس الأديب ، مستشهدا بكثير من نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تخدم في تنوير الفهم وإضاءة سبيل البحث والتحليل ، وتحدث عن المصطلحات المتعلقة بالموضوع وعن ماهية العقل والوعي والمعرفة والتفكير وموقع ودور القلب والعقل والنفس والمشاعر وعلاقتها باللغة محاولا ترسم خط سير العملية الإبداعية ومحطات رحلة الإبداع عبر طريق التجربة الأدبية منذ أول لحظات الوعي وحتى تخلق النص التعبيري مرورا بالتوتر الذاتي والنبض العاطفي والتوهج الشعوري .

وقد اتصف بحث المناصرة بالجدية المشوبة بشيء من المغامـرة التي يدفعه إليها ـ كما يفهم من تصريحه ـ انفساح المدى بين يديه وامتداد الطريق خاليا إلا من القليل من الجهود النقدية التأصيلية التي تسعى إلى خدمة نظرية الأدب الإسلامي .

وتأتي محاولة المناصرة لتجشم عناء الغوص في أعماق النفس وكشف مساحات الوجدان وصولا إلى تفسير الظاهرة الأدبية استجابة لرغبة جامحة في الخـروج ـ كما يقول ـ من براثن التفسيرات التي قدمت إلينا مع بضاعة الاستعمار الثقافي . وهي كذلك اجتهاد في السعي لتدريب عقولنا على التمرد على حالة القمع التي يمارسها دعاة العلمانية الأدبية على خيالنا بدعوى الواقعية . ثم إنها متطلب منهجي لاستكمال رحلة التأصيل الإسلامي لهذه الظاهرة وتفسيرها على ضوء النص القرآني الذي نؤمن بضرورة تأسيس النقد الأدبي الإسلامي في جوانبه النظرية تحت مرجعيته وخضوعا لهديه وتفسيرا للحياة على نور حكمته.

وقد بعثت المحاضرة في نفوس كثير من الحاضرين شهية التعليق ، وفتحت آفاق الحوار الذي اتسع لكثير من البيان والتفصيل والأخذ والرد حول قضايا المصطلح والمعرفة والتفكير والعلاقة بين القلب والدماغ والنفس والضمير وقضية الفكر واللغة والحس والتعبير وسواها من القضايا التي أثرى بها المعلقون موضوع البحث فتحقق بذلك واحد من أهم أهداف المحاضرة .