الدكتور عبد الله الكيلاني يحاضر في رابطة الأدب الإسلامي
التجديد في الفقه ضروراته وضوابطه
الدكتور عبد الله الكيلاني يحاضر في رابطة الأدب الإسلامي
من صالح أحمد البوريني/عمان |
أكد الدكتور عبد الله الكيلاني أن التجديد الأدبي والفكري هو الأكثر تأثيرا في مسار المجتمعات من الكتابات الفكرية المغرقة في التنظير وأن ممارسة الفكر والإبداع أبلغ في التأثير من التنظير والدعوة المباشرة إلى الفكر .
وكانت رابطة الأدب الإسلامي قد مزجت بين الفقه والأدب فـي أمسية يوم السبت 21/5/2005 التي ألقى فيها الدكتور عبد الله الكيلاني أستـاذ الفقه في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية محاضـرة بعنوان : التجديد في الفقه ضروراته وضوابطه .
أهمية التجديد :
واستهل الكيلاني محاضرته بالإشارة إلى أهمية التجديد الفكري وقال : " موضوع التجديد الفكري من القضايا التي تشغل المجامع الفكرية كلما واجهت الأمة أزمة أو نكسة ، وتـنعقد لأمر التجديد المؤتمرات العلمية وينهض العلماء الغيورون يبحثون للأمة عن قبس من النور ويلتمسون لها الهدى " .
التجديد والثقافة الإسلامية :
وربط الكيلاني بين قضية التجديد وبين الثقافة الإسلامية للأمة كأساس لا يمكن تجاهله فقال : " ولعل من أهم الأمور التي ينبغي إدراكها كوسيلة للتجديد ؛ الوعي إلى أن الأمة العربية والإسلامية تعتمد على الثقافة الإسلامية كمرجعية تحرك الشعوب وتتمركز في وجدان الإنسان العربي والمسلم ، وأضاف : إن محاولة القـفز عن الثقافة الإسلامية كوسيلة للتجديد ستـتعثر بتصادمها مع قناعات الأمة كما حدث في العديد من التجارب في المنطقة العربية وما جاورها والتي اعتمدت الأنموذج الغربي معيارا للتطور والرقي . ولعل من المستحسن أن يكون التجديد من خلال ثقافة الأمة والمحافظة على ثوابتها بفهم نصوص القرآن والسنة النبوية فهما مقاصديا لا فهما حرفيا . مع الوعي للمتغير من الاجتهادات الفقهية ، وقد يكون داعي التغير استجابة لضرورات العصر واحتياجاته أو بسبب اختلاف معارف العصر بما يكشف عن معان جديدة تستدعي أحكاما مستجدة ، وهذا الأمر يحمل الدعاة والمفكرين مسؤولية بيان المنهج الكفيل بتجديد الفكر على نحو يكفل للأمة حياة فضلى ويجنبها التصادم مع دينها ومكون وجدانها " .
شمولية الإصلاح :
وأكد الكيلاني على أهمية الشمولية في الإصلاح وعدم جدوى التعامل الجزئي مع هذه القضية فقال : " إن إصلاح الفكر شرط لإصلاح المجتمع ، وما لم تكن السيادة في العقل والوجدان للفكر الإسلامي فلن ينجح الإصلاح ، ولذلك يجب أن توضع الآليات لبناء وعي عام في الأمة لاحترام دينها والدفاع عن حقوقها بما يمنع الاستبداد والتبعية ؛ فالقوانين كانت مستمدة من الشريعة الإسلامية حينما سقطت الخلافة وكان المسلمون ما يزالون خاضعين لتلك القوانين الإسلامية جملة وتفصيلا ، ولكن تلك القوانين لم تحل دون انهيار الخلافة ، لأن الأمة كانت تفتقد كل آليات إصلاح الحكم ، ولذلك فإن مشروع الإصلاح ينبغي أن يشمل الفكر كله لا بعض جوانبه " .
التجديد والحداثة :
ولما كان حديث التجديد يجعل صاحبه على تماس مباشر مع مفهوم الحداثة التي فرضت نفسها على ساحة الحياة الفكرية والاجتماعية والأدبية وغيرها فقد عرج الكيلاني على الحداثة قائلا : " كثير من الناس يدعو إلى التجديد ليتخذه مركبا إلى الحداثة .. والحداثة مصطلح يطلق على مسيرة المجتمعات الغربية بوجه عام منذ عصر النهضة بما يشمل مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأدبية حيث استطاع الإنسان الغربي أن يسخر القوانين لخدمة حياته على نحو لم يسبق الوصول إليه من قبل " .
وخلص المحاضر من تعريف الحداثة إلى فكرتين رئيستين هما : الثورة ضد التقليد وفكرة مركزية العقل في مقابل النقل . وبيّن أن القطيعة بين العقل والنقل كانت من خصائص الحداثة وتفسير ذلك أن الغرب لا يملك وحيا معصوما ولما كانت الكنيسة قبل الثورة الصناعية حقلا للخرافة وحربا على العلم حملت الحداثة مفهوم الانقطاع عن الدين وتوافق انعتاقها من قيود الكنيسة مع انطلاقها في آفاق العلم والتطور .
وأما في مفهوم الإسلام حيث لا تناقض بين العقل والنقل فإن النهوض والتقدم لا يتطلب قطيعة مع الماضي ولا انسلاخا عن الإسلام لأن الإسلام لا يتعارض مع العقل ولا يتعارض مع العلم ويدعو إلى التقدم والتطور .
وبين المحاضر أن هناك أمورا لا تقبل التجديد ولا يطرأ عليها التبديل بأي حال مثل أمور العقيدة والعبادة والثوابت المحكمات مثل أمهات الفضائل وتحريم القتل والعدوان وتحريم الزنى وتحريم عقوق الوالدين فهذه لا تقبل تغييرا ولا تبديلا .
ضوابط التجديد :
وقد عرض المحاضر عددا من الشواهد والأمثلة في تفصيله لضوابط التجديد التي منها فهم الكليات على ضوء الجزئيات وأن النص الكلي يلقي بظلاله على النص الجزئي فيخصصه وأن الالتفات إلى الظروف والعلة التي من أجلها شرع النص من الضوابط الضرورية للتجديد بالإضافة إلى التمييز بين الحكم السياسي والحكم العام وأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد .
بين الممارسة والتنظير :
وأكد أن التجديد الأدبي والفكري هو الأكثر تأثيرا في مسار المجتمعات وقال : " وربما يعد ما يصدر عن المساجد والمفتين من فتاوى وعن الأدباء من أعمال أدبية أكثر تأثيرا في مسيرة المجتمعات من الكتابات الفكرية المغرقة في التنظير ... وإن ممارسة الفكر وترجمة المبادئ إلى أعمال إنسانية وحركة بناء اجتماعية ونماذج فنية إبداعية حية كل ذلك بلا شك أبلغ في التأثير في مسيرة المجتمع من التنظير والدعوة المباشرة إلى الفكر " .
المهرج والأكياس الفارغة :
وقد جمع الكيلاني إلى تخصصه الفقهي موهبة أدبية ؛ فهو يقرض الشعر ويكتب القصة ، وقد نشرت له مجموعة من القصائد والقصص في صحف ومجلات أردنية وعربية . وكتمثيل على أن قوى التجديد والنهوض الفاعلة في المجتمع هي مؤسساته الأدبية والاجتماعية وأفراده الذين يمارسون الفكر والإبداع على أرض الواقع ، قرأ الدكتور الكيلاني قصة قصيرة بعنوان ( المهرج والأكياس الفارغة ) انتقلت بالحاضرين من جدية البحث العلمي المتخصص إلى جو النص الأدبي المشرق الذي حقق نوعا من الربط العضوي بين الفكر النظري وممارسته العملية في إطار التجربة القصصية الإبداعية .