نحو الكوفيين أقرب إلى طبيعة اللغة من نحو البصريين
نحو الكوفيين أقرب إلى طبيعة اللغة من نحو البصريين
محاضرة للدكتور عودة الله منيع القيسي
في رابطة الأدب الإسلامي
من صالح أحمد البوريني/عمان
في محاضرته التي ألقاها مساء السبت الماضي في رابطة الأدب الإسلامي بعمان تناول الدكتور عودة الله القيسي عددا من الخصائص والظواهر اللغوية التي تميزت بها اللغة العربية عن بقية اللغات مثل الوضوح والخفة والتناسب وظاهرة الاشتقاق وتعدد معاني اللفظة الواحدة وانتفاء الترادف مستشهدا لكل منها بما يسعف به وقت المحاضرة .
وقد قسم الدكتور القيسي محاضرته قسمين جعل الأول منهما تمهيدا للآخر ، وتناول فيه على الحديث عن تشابه اللهجات العربية وجمع اللغة من القبائل العربية ، وتكلم على نشأة اللغة العربية ، وبين أنها لغة ليس لهـا ماض تطورت عنه ولا آثار حفظتها النقوش وإنما هي إلهام من الله تعالى ، وهذا يردنا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربعة عشر عاما ) وبين أن الله تعالى مهد لنزول القرآن وانتشار رسالة الإسلام باختيار العرب الذين كانوا مؤهلين بالفصاحة والبلاغة والفروسية والجنديــة وروح التحدي لينطلقوا بالإسلام إلى العالم ، وأنه تعالى خصهم بلغة لا مثيل لها بين اللغات من حيث أنها لغة معيارية قياسية منطقية وغنية قابلة في معظمها للتعليل .
وفي مقارنة بين اللغة العربية وبعض اللغات السامية أنكر القيسي انتساب اللغة العربية للعائلة السامية ، وبين أن هذه فرية افتراها المستشرقون على العربية ليرفعوا عنها صفة القدسية التي تميزت بها إذ كانت لغة الوحي التي نزل بها القرآن الكريم .
ثم قارن المحاضر بين نحو الكوفيين ونحو البصريين بصفتهما المدرستين النحويتين الأصيلتين التين أخذ عنهما النحو العربي ؛ مبينا أن البصريين كانوا أميل إلى الاكتفاء بما ثبت في كتاب سيبويه واعتباره القاعدة العامة بينما كان الكوفيون أقرب إلى طبيعة اللغة من حيث توسعهم في القياس على القليل وعلى الكثير الأمر الذي يفيد في تنمية اللغة واتساع مداها بخلاف البصريين الذين اكتفوا بالأعم الأغلب .
وفي باب الاشتقاق ذكر المحاضر أنه حتى الذي لم يشتق منه العرب فإننا نستطيع أن نشتق منه ، والذي يقول البصريون إنه لا يقاس عليه فإن هذا غير صحيح ، بل يجب أن يقاس عليه . وثمة شاهد آخر على الخلاف بين البصريين والكوفيين يتعلق بالنسبة إذ يقول البصريين : لا ينسب إلا إلى المفرد والكوفيون قالوا : بل ينسب إلى المفرد وإلى الجمع .
وقال الدكتور القيسي إن الكوفيين أخذوا نحوهم حتى من الشاهد الواحد ، ذلك أن اللغة قابلة لأن تمتد وتنمو وتستجيب لمتطلبات الحضارة المستمرة يوميا ، والناس ـ إلى أن تقوم الساعة ـ يحتاجون إلى استغلال كل شيء في اللغة ، ولذلك فالحقيقة إذا اكتفينا بالأعم الأغلب فقد أفقرنا اللغة ، ولكننا عندما نقيس على المثال الواحد فمعنى هذا أننا نثري اللغة ، وعليه فحين يسمي البصريون ما خالف مقاييسهم شذوذا فتلك تسمية باطلة وليست صحيحة .
وأكد الدكتور القيسي أن نحو الكوفيين أقرب إلى طبيعة اللغة من نحو البصريين لكل الأسباب والدلائل السابقة ، ولأن طبيعة اللغة العربية أيضا تميل إلى الاتساع والامتداد بما فيها من الطاقات والإمكانات والمزايا التي تفوق بها سواها من اللغات والتي أكدت قدرة هذه اللغة عبر التاريخ وحتى يومنا هذا على الاستجابة لمتطلبات التطور والتجديد ومسايرة الحياة الإنسانية وأكدت تفوقها في القدرة على الاستيعاب والتعامل المرن مع متغيرات العصر ومستجدات المعجم الأدبي والفني والعلمي .