التجربة السياسية للحركة الإسلامية في سورية : محمد معروف الدواليبي أنموذجاً
( 1909- 2004م)
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
الحلقة الثانية
تمهيد :
ظهر إبان عهد الاستعمار الفرنسي الغاشم لسورية فيما بين 1920 – 1946م عدد من رجالات السياسة والوطنية في سورية ، قادوا الحركة السياسية من أجل الاستقلال، وشكلوا (الكتلة الوطنية ) التي انقسمت – فيما بعد – إلى حزبين : حزب الشعب ومقره في مدينة حلب، شمال سورية ، والحزب الوطني ، ومقره في العاصمة دمشق .
وكان من رجالات السياسة : هاشم الأتاسي ، وعبد الرحمن الشهبندر، ومحمد علي العابد، والشيخ تاج الدين الحسني ، وعبد الوهاب حومد، ورشدي الكيخيا ، وخالد العظم، وشكري القوتلي، وناظم القدسي، ومعروف الدواليبي، وأكرم الحوراني، ومصطفى السباعي، ومصطفى الزرقا، وحسن الحكيم، وصبري العسلي، وصلاح البيطار، وميشيل عفلق، وسواهم من الرعيل الأول ، وكلهم أفضوا إلى ما قدموا ، وكان آخرهم وفاة الدكتور معروف الدواليبي الذي انتقل إلى رحمة الله في مدينة الرياض مساء الخميس 22 / 11/ 1424ه / الموافق 15 / 1/ 2004م ودفن في البقيع، في المدينة المنورة عن عمر ناهز الخمسة والتسعين عاماً .
وسوف نتحدث في هذه الوقفات عند سيرة رجل ألمعي عظيم، وصرح شامخ وعلم من أعلام سورية، وأحد زعماء الاستقلال ، وأحد مؤسسي حزب الشعب، الذي خدم وطنه وأمته بوفاء وأمانة وفهم وذكاء ومهنية، لم تمنعه السياسة من تصدره كحقوقي بارز وشخصية دينية مرموقة ، فألف العديد من الكتب المهمة في الفقه والتاريخ والقانون ، وشارك محاضراً في عشرات المؤتمرات والندوات العلمية الإسلامية حول العالم .
وسوف يبقى ذكره خالداً عبر الزمان والمكان، فهو جزء من تاريخ سورية المشرف، إنه رجل دولة من الطراز الرفيع وقل نظيره ، يتمتع بالشجاعة ورباطة الجأش ، رجل العلم والسلام، يدافع عن الحق بكل جرأة وقناعة ، مؤمن بالحرية والديمقراطية والعدل والكرامة يحترم مواقفه، ويدافع عن نهجه ...
المولد والنشأة :
ولد الشيخ الدكتور محمد معروف بن محمد رسول الدواليبي في حي البياضة في مدينة حلب، في 29/3/1909، في أسرة متواضعة، تنتسب أسرته إلى الصحابي اليماني فيروز الديلمي، والنسبة إلى الدواليبي قديمة، ويقال : إنها نسبة إلى صناعة الدواليب التي تستخرج المياه من الآبار .
دراسته ومراحل تعليمه :
تلقى معروف الدواليبي التعليم الابتدائي في حلب، ثم انتقل إلى التعليم الثانوي، فدخل مدرسة الفرير الفرنسية، فدرس فيها سنة، ثم انتقل إلى الدراسة في الثانوية الشرعية (الخسروية) بحلب، والتي ساهمت في تكوين معارفه وعلومه، بسبب تأثره بعلمائها وشيوخها الذين لقنوه العلوم اللغوية والدينية والتربوية كعلوم اللغة العربية، والقرآن، والحديث، والفقه ، والأخلاق وغيرها، نهل العلم على أيدي علمائها : الشيخ عيسى البيانوني ، والطباخ ، وأضرابهم .
وفي عام 1928م تخرج في المدرسة (الخسروية ) وكان ترتيبه الثاني بين المتخرجين من نفس الدفعة، وبعدها درس في كلية الشريعة والعلوم الإسلامية بالجامعة السورية (دمشق )، فتخرج فيها حاملاً الإجازة في الشريعة عام 1927م .
وكذلك حصل على الليسانس في الآداب من جامعة دمشق .
وحصل على ليسانس في الحقوق حيث تخرج في كلية الحقوق (جامعة دمشق ) عام 1935م
ثم حصل على دبلوم « دراسات عليا في الحقوق الرومانية » من ( جامعة دمشق).
وكان متفوقاً في مراحل دراسته جميعاً، مما جعل وزارة المعارف السورية توفده لاستكمال دراساته العليا في جامعة باريس (السوربون)، وكان ذلك في سنة 1938 م ، ولم يكد يستقر في باريس وجامعتها ، حتى فاجأته الحرب العالمية الثانية ، واغلقت دونه طرق العودة إلى وطنه ، فمكث هناك إلى ما بعد انتهاء الحرب .
وفي جامعة باريس درس القانون الروماني، ونال شهادة الليسانس في علومه، كما نال الدبلوم في الحقوق الكنسية من الجامعة نفسها .
ثم أكمل دراساته العليا، فحصل على دكتوراه في الحقـوق من جامعة باريس ، وكانت أطروحته التي كتبها باللغة الفرنسية حول (الاجتهاد في الشريعة الإسلامية) كتبها بأسلوب جديد، للتعريف بالإسلام وشريعته، ويقول الدكتور معروف الدواليبي حول موضوع رسالة الدكتوراه: "وهذا الموضوع فرض عليّ من قِبَل جامعة باريس، بعد أن نقدتُ الكثير مما جاء في كتبهم الجامعية" وعلى ألسنة أساتذة الجامعة في التجريح في الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك مثلاً ما ذكره أحد الأساتذة ، وكان مستشرقاً يهودياً، من أن الشريعة الإسلامية متوحشة متخلفة، ولا تصلح إلا للعصور البدائية البائدة .
وضرب على ذلك مثلاً فقال : ( الأستاذ المستشرق ) :
في الشريعة الإسلامية ، إذا استدان شخص من آخر، ولم يستطع تسديد دينه في حينه، يخيّر الدائن في حبسه، أو استرقاقه، أو أن يقتطع ما يشاء من أعضاء جسمه ، استيفاء لدينه .
قال الدكتور معروف الدواليبي : وقبل أن ينتقل إلى مثال آخر عن وحشية الشريعة الإسلامية، رفعت يدي ، واستأذنت بالكلام ، ثم سألته :
من أي مرجع جئت بهذا الكلام ؟
أجاب البروفيسور : من عشرات الكتب التي ألفها علماء الإسلام .
فقال له الدواليبي الطالب عند ذلك المستشرق :
-أريد مرجعاً واحداً ..كتاباً واحداً ..فهل تستطيع أن تذكر لنا الآن اسم كتاب واحد ؟
فارتبك البروفيسور ، ولكنه قال بثقة وتحدٍ :
لا أذكر الآن شيئاً مما تطلب، ولكنني سآتيك بعشرات الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع في المحاضرة القادمة .
وفي المحاضرة القادمة نظر إلي في تجاهل ، وقبل أن يبدأ محاضرته ، رفعت يدي وسألته : هل جئت بالمرجع يا أستاذ ؟
قال بحدة : لا ..نسيته ، وسوف آتيك بعدة مراجع في المحاضرة الآتية .
ولم يأت طبعاً بشيء في المحاضرة التالية فقلت له في تحد :
إن ما قلته يا أستاذ عن وحشية الشريعة الإسلامية افتراء غير موجود في أي كتاب إسلامي ، إنه ليس موجوداً إلا في عقلك ، وأنا أتحداك أن تأتيني بشيء من ذلك .
وهكذا كان النقاش بيني وبين العديد من الأساتذة والمستشرقين الذين كانوا يحاضرون حول الإسلام ، ويفترون عليه ، وكنت أتابعهم وأرد عليهم ...وهذا هو سبب فرض الموضوع علي.
-وساهم محمد معروف الدواليبي خلال وجود في فرنسا بتهريب المجاهد الحاج محمد أمين الحسيني من السجن الفرنسي إلى مصر .
أعماله والوظائف التي تقلدها :
عمل معروف الدواليبي أستاذاً في كلية الحقوق, ورئيس قسم تاريخ القانـون والحقوق الرومانية في جامعة دمشق.
ثم عين أستاذاً في كلية الشريعة في جامعة دمشق عام 1947 م ..ثم ترك العلامة محمد معروف الدواليبي التدريس لينشغل بالهمّ السياسي العام ، ويخوض الانتخابات ويصارع الاستبداد والطغاة .
التجربة السياسية للدكتور معروف الدواليبي :
الدكتور معروف الدواليبي سياسيّ محنّك، شجاع، جريء في طرح ما يعتقد أنه صواب، وهو من خيرة السياسيين العرب قاطبة، وقد ترك بصماته الواضحة في السياسة السورية خاصة، والعربية والإسلامية عامة.
انضمامه إلى الكتلة الوطنية:
بدأ (محمد معروف الدواليبي) حياته السياسية ممثلاً لسورية في الاستفتاء الشعبي على مصير لواء الإسكندرون، مكلفاً من الكتلة الوطنية للإشراف على هذا الاستفتاء، وكانت نتيجة الاستفتاء لصالح سورية في بقاء اللواء تابعاً لها، وجزءاً منها بنسبة 80 بالمئة، ولكن الصفقة كانت بين الفرنسيين المستعمرين، وبين الأتراك الكماليين قد قضت بإلحاق اللواء (الإسكندرون ، وأنطاكيا، وكيليكيا ) بتركيا، تلميعاً وتشجيعاً لأتاتورك، وكذلك كان منذ 1938م ....
وقبل سفر معروف الدواليبي إلى فرنسا انضم إلى الكتلة الوطنية التي كان أول رئيس لها (هاشم الأتاسي) لتقف في وجه المستعمر الفرنسي (1920-1946م)، لعبت الكتلة الوطنية دوراً بارزاً في السياسة السورية، وضمت بين صفوفها : شكري القوتلي، وسعد الله الجابري، وفارس الخوري، وشكلت الحكومة عدداً من المرات بدءاً من حكومة العام 1936م، كما شاركت في حكومات أخرى عديدة.
وكانت شعبيتها تتركز في دمشق، ودرعا، والقنيطرة، والسويداء، بينما كانت حلب وحمص وحماة من أنصار حزب الشعب .
وكان الشيخ معروف الدواليبي قد خاض مع الكتلة الوطنية معارك ضد الفرنسيين، وكان يمثل الشباب في الكتلة الوطنية، ومن أكثرهم اتصالاً بإبراهيم هنانو، وسعدالله الجابري، وقد رشحته الكتلة للانتخابات البرلمانية عن مدينة حلب عام 1947م ، وفاز فوزاً ساحقاً .
المبادئ التي قامت عليها الكتلة الوطنية :
يقوم الحزب على خمسة مبادئ أساسية :
الوطنية للوطن . والشخصية السورية المتميزة . كل ما هو غير سوري فهو عنصر غريب . يسعى لخدمة السوريين ورخائهم بغض النظر عن اتجاههم السياسي أو الفكري . وللسوريين مطلق الحرية بممارسة كل رغباتهم وتطلعاتهم شرط أن لا ينتج عن ذلك أي ضرر يلحق بأي سوري )[1].
وإلى جانب عمل الدواليبي ودراسته الحقوقية والقانونية كان سياسياً وطنياً، وشجاعاً يناهض الاستعمار الفرنسي الذي كان يحتل سورية، كما كان مدافعاً أميناً عن القضية الفلسطينية، وكان يخطب الجمعة في الجامع الكبير بحلب في بعض الأحيان، داعياً الشعب إلى الإضراب ومقاومة الفرنسيين، كما كانت له جلسة وعظ أسبوعية يوم الجمعة في الجامع الأموي الكبير في حلب.
تأسيس حزب الشعب :
وبعد جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية في 17 نيسان 1947م ساهم مع بعض الشخصيات الوطنية في تأسيس حزب الشعب .
ففي عام 1948م وخلال مؤتمر عقد في مدينة بعلبك في لبنان، انشقت الكتلة الوطنية إلى حزبين: حزب الشعب في حلب، وكان الدواليبي أحد أركانه الأربعة ( ناظم القدسي، ورشدي الكيخيا، ، وسعد الله الجابري، بالإضافة للدكتور معروف الدواليبي )، وكان معهم عبد الوهاب حومد وزير العدل في الخمسينات، أما المجموعة الأخرى فأسست (الحزب الوطني) في دمشق بقيادة الرئيس شكري القوتلي .
ونعود لدور معروف الدواليبي السياسي في سورية حيث أنه قد تقلب في المناصب التالية :
1-أصبح نائب حلب في مجلس النواب السوري منذ عام 1947 حتى 1963.وكان ينال أعلى الأصوات عن مدينة حلب .
فقد رشح الإخوان والعلماء وأنصارهما أربعة من القيادات الإسلامية لخوض معركة الانتخابات في المدن السورية الكبيرة : الشيخ معروف الدواليبي عن حلب ، والشيخ محمود الشقفة عن مدينة حماة، والقاضي أنيس الملوحي عن مدينة حمص، والأستاذ محمد المبارك عن العاصمة دمشق، نجح الثلاثة ما عدا الملوحي فقد أخفق بسبب تلاعب الحكومة بالنتائج لصالح مرشح الكتلة الوطنية التي كان يقودها القوتلي .
فأما معروف الدواليبي فظل على صلة وثيقة بالإخوان تعاوناً وتفاهماً، ولكنه لم يرتبط معهم تنظيمياً بل عمل مع تكتلات برلمانية انتهت إلى تشكيل حزب الشعب الذي كان الدواليبي من أركانه ، وباسمه ودعمه ترأس البرلمان وشكل الوزارة ، وشغل عدداً من مقاعد الوزارات .
ولم يطل العهد بهذا المجلس المنتخب، فسرعان ما عاجله انقلاب عسكري قاده حسني الزعيم قائد الجيش السوري، فأطاح به وبالحياة الدستورية بكاملها، وأدخل سورية ومن ثم معظم البلدان العربية في دوامة الانقلابات العسكرية ، التي أوقفت تقدمها وعطلت مسيرتها ، ودمرت قرابة نصف قرن من تاريخ بلادنا الحديث، وكان ذلك في 30 / 3 / 1947م أي بعد انتخابات برلمان 1947م بعشرين شهراً .
2-وفي عام 1949م جرت انتخابات الجمعية التأسيسية السورية، ففاز في عضويتها نائباً عن حلب، باسم حزب الشعب ودعم من الإخوان المسلمين الذين لم تنقطع صلته بهم وتعاونه معهم في كل الموضوعات ذات الأهمية، وقد أسهمت الجمعية المنتخبة في وضع الدستور، وصبغته بالصبغة الإسلامية .
3-ثم صار وزيراً للدفاع في حكومة حسن الحكيم في نيسان عام 1951م، وأدلى بتصريحه الخطير المشهور : ( أعلن بصفتي الشخصية، لا بوصفي وزيراً للدفاع، أنه في استمرار الضغط الأمريكي على العرب، لجعلهم يسيرون في سياسة لن تنتهي إلا بتهويد بقية أبناء الأمة العربية ، فإني أقترح إجراء استفتاء في العالم العربي، ليعرف الملأ ما إذا كان العرب يفضلون ألف مرة أن يصبحوا جمهورية سوفيتية على أن يكونوا طعمة لليهود ..)) .
فكان لهذا التصريح دوي في المحافل السياسية المحلية والدولية .
4- وشارك الإخوان المسلمون في حكومة خالد العظم عام 1950م من خلال معروف الدواليبي الذي صار وزير الاقتصاد الوطني ، كما شاركوا في معظم التطورات الهامة التي وقعت في سوريا، مثل القضية الفلسطينية وتطوير سياسة للحياد بين الدول العظمى ، ووقعوا ضد مشروع الأمير عبد الله (سوريا الكبرى ) وضد محاولات الاتحاد مع العراق .
5-ثم أصبح معروف الدواليبي رئيس مجلس النواب سنة 1951.
6-وكلّف بتشكيل الوزارة في 2/12/ 1951م، فشكلها دون أخذ رأي العقيد الانقلابي أديب الشيشكلي وموافقته، واحتفظ لنفسه بوزارة الدفاع، فقام أديب الشيشكلي بانقلابه العسكري الثاني في سوريا في 2/12/1952م ، بعدما تمكن حزب الشعب من البرلمان وبعدما اضطر الرئيس هاشم الأتاسي إلى تشكيل وزارة جديدة برئاسة معروف الدواليبي وبأغلبية من عناصر حزب الشعب مما هدد مواقع العسكريين داخل الحكم. فاعتقل الدواليبي ووزراءه في سجن المزة العسكري .
وكان شموخه أثناء التحقيق معه كبيراً، فما تنازل عن كونه رئيس الوزراء طوال مدة التحقيق والاعتقال .
واتهم الشيشكلي في بلاغه بأن الجيش استلم زمام الأمن في البلاد، وبأن حزب الشعب يتآمر على البلاد، ويسعى إلى تخريب جيشه وإعادة الملكية، ثم قام بحل البرلمان.
7-وبعد الانقلاب على الشيشكلي، أصبح معروف الدواليبي وزير الدفاع الوطني عام 1954م في حكومة (صبري العسلي)، وكان خصماً عنيداً للضباط الانقلابيين أصحاب الطموحات الشخصية، واليساريين منهم خاصة، فاستقالت الوزارة بعد أقل من أربعة أشهر من تشكيلها بسبب موقفه الصلب هذا .
8-وبعد الانفصال عن مصر فاز في الانتخابات البرلمانية فوزاً متميزاً ، فطلب منه تشكيل الوزارة، حيث أصبح رئيس مجلس الوزراء في 25 / 9/ 1961م ، ووزير الخارجية عام 1961-1962م وأدار البلاد في تلك المرحلة الحرجة باقتدار .
جرى الانقلاب على حكومته، ودخل السجن ، ثم غادر سورية بشكل نهائي عام 1963م فأصبح ضيف المملكة العربية السعودية .
الهجرة إلى السعودية :
أرسل إليه الملك الشهيد فيصل بن عبد العزيز، رحمهما الله تعالى، واستقبله بحفاوة، وأكرمه بلقب مستشار في الديوان الملكي لديه، وكان أثيراً لدى الملك فيصل، فقد كان مستشاره، وجليسه، ونديمه، وأكيله، ورفيقه في حلّه وترحاله. تحدث عن دعوة الملك فيصل له فقال: "دعيت من قبل جلالة الملك فيصل، واستقبلني وأكرمني وقال لي: اطلب ما تشاء. قلت: أريد الجنسية السعودية. قال الملك: لا.. كل شيء إلا هذا.
فسألته مستغرباً أن يردّ لي أول طلب أطلبه منه: لماذا ؟ قال جلالته: لأنك رئيس وزراء سورية، ويجب أن تبقى رمزاً للشعب السوري هنا، وفي كل مكان، وأريدك أن تحافظ على لباسك السوري، ولك جواز دبلوماسي، ولأهلك وأولادك الجنسية وكل ما تريد.
وهكذا كان مستشاراً سياسياً للملك فيصل يرحمه الله في الديوان الملكي منذ عام 1965م، ثم بقي مستشاراُ للملك خالد ، وفهد، وبقي في ذلك المنصب حتى وفاته في العام 2004م.
مشاركاته في المؤتمرات :
شارك الدكتور محمد معروف الدواليبي فحضر عدداً كبيراً من المؤتمرات السياسية والعلمية، وكثيراً من الندوات، وترأس بعضها ، وألقى فيها العديد من المحاضرات، وكان حضوره فيها مشهوداً ومتميزاً.
ومن هذه المؤتمرات:
1- مؤتمر العالم الإسلامي في كراتشي عام 1975 وكان رئيساً للمؤتمر، وهو مؤتمر سجل لدى الأمم المتحدة بصفته هيئة مراقبة دولية واجتماعية، وهذا المؤتمر كان عقد دورته الأولى عام 1350هـ في مدينة القدس، وكان يرأسه مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وكان نائبه فيه الشاعر الإسلامي الفيلسوف محمد إقبال.
2- كان رئيس وفد سورية الحكومي إلى حلقة الدراسات العربية والاجتماعية الدولية عام 1950م الذي انعقد في مصر .
3- مثّل جامعة دمشق في مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي الدولي عام 1951 في باريس، بدعوة من مؤسسة الحقوق الدولية المقارنة في (لاهاي).
4- عضو المؤتمر العام الأول لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 1965.
5- رئيس وفد الشعوب العربية في المؤتمر الأول للشعوب الأفريقية والآسيوية في نيودلهي عام 1955.
6- عضو في الوفد السوري الحكومي إلى المؤتمر الدولي لدول عدم الانحياز في (باندونغ) بأندونيسيا عام 1955م.
7-عضو في الندوات العلمية الدولية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، المعقودة أولاً في الرياض، ثم في باريس، ثم في الفاتيكان، ثم في مجلس الكنائس العالمي في جنيف، ثم في مجلس وزراء الوحدة الأوربية في ستراسبورغ منذ عام 1973 حتى أواخر عام 1974م.
8-ثم صار رئيساً لمؤتمر العالم الإسلامي منذ عام 1975م .
9-عضو في مؤتمر رسالة المسجد الدولي في مكة المكرمة عام 1295هـ-1975م.
10-عضو في المجلس الأعلى العالمي الدولي للمساجد في مكة المكرمة منذ عام 1395هـ-1975م حتى وفاته.
11-عضو مراقب في مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي.
12-رئيس منظمة (الإسلام والغرب) الدولية، ومركزها جنيف بسويسرا، منذ سنة 1979 وهي سنة تأسيسها، حتى أواخر عام 1984.
13-كما كان نائب رئيس المؤتمر الإسلامي الشعبي في بغداد ، ثم صار رئيس مجلس أمناء ذلك المؤتمر سنة 1984 ، وبعدها صار رئيساً للمجلس التنفيذي للمؤتمر منذ العام 1986م
جهوده العلمية :
لم يتفرغ الدواليبي للتأليف، ولو فعل، لكان لنا منه مؤلف وكاتب كبير، ومع ذلك، أصدر عدداً من الكتب، ولم تجمع محاضراته. ومؤلفاته عبارة عن بحوث علمية، وخاصة كتبه الجامعية التي كان أملاها على طلابه في المواد التي كان يدرّسها في كليتي الحقوق والشريعة بجامعة دمشق.
ومن هذه الكتب:
1- المدخل إلى علم أصول الفقه : وهو من مقررات كلية الشريعة والحقوق في جامعة دمشق.
2- المرأة في الإسلام : وموضوعه هذا طلبته منه منظمة اليونسكو في الأمم المتحدة التي طبعته في مجلد بعنوان (الإسلام) بمختلف اللغات.
3- دراسات تاريخية: عن مهد العرب وحضاراتهم الإنسانية.
4- « المدخل إلى التاريخ العام للقانون » في عنوانه الأول ، ثم «جزيرة العرب مهد الحضارة الإنسانية الأولى ،ومهد نشأة فكرة الحق والقانون » في عنوانه الثاني في الطبعة الأخيرة عام 1995 م .
5- المدخل إلى السنّة وعلومها.
6- الاجتهاد في الحقوق الإسلامية (باللغة الفرنسية)- باريس ، سنة 1941 م .
7- الإسلام أمام الاشتراكية والرأسمالية - (بالعربية والإنكليزية) . طبع كراتشي في الباكستان سنة 1965 م
8- نظرات إسلامية في الاشتراكية الثورية.
9- الوجيز في الحقوق الرومانية، جزءان
10- قلعة طروادة التاريخية : مدينة فينيقية ـ ايتروسكية ـ وعلاقتها بالهجرات العربية القديمة إلى أوروبا , وخاصة إلى اليونان , وايطاليا وفرنسا .
11- نظريات النقد الأدبي عند العرب.
12- القومية العربية في حقيقتها
13- نظرات إسلامية. وهي عدة أبحاث جديدة حول :
أ-الخطوط الكبرى للشريعة .
ب-وحول العبادة، وأنها ضرورة حيوية وعلمية .
ت- وموقف الإسلام من العلم
ث- وحقوق المرأة في الإسلام.
ج- ومن هم الأريسيون؟ : رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الى هرقل : أسلم تسلم ، وإلا فعليك إثم الأريسيين ?
14- أكذوبة الأرض الموعودة لبني إسرائيل من الفرات إلى النيل .
15-وأمريكا وإسرائيل .
وله تحقيقات علمية، وبحوث كثيرة منها :
1-العرب والسيد المسيح في عهد دولة الأباجرة العرب وملكهم أبجر الخامس المعاصر للمسيح عليه السلام , وأنهم أول من حملوا رسالة المسيح الحقيقية خلال ثلاثة قرون حتى قضت عليهم دولة بيزانس الرومانية قبل اعتناقها (الكاثوليكية ) في عهد الامبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع للميلاد .
2-من هم ( الفلسطينيون ) في التاريخ العربي ، وما معنى هذه الكلمة في اللغة العربية الكنعانية القديمة ?
3-مذكرة حكومة المملكة العربية السعودية حول ( الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام) الموجهة إلى دوائر الأمم المتحدة رداً على من ينكر حقوق الإنسان في الإسلام .
4-خمس « ندوات علمية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام » شرحا لمذكرة حكومة المملكة في الرياض ، وباريس, والفاتيكان , ومجلس الكنائس العالمي في جنيف ، ومجلس الوزراء الأوروبي في ستراسبورغ حيث جرى النقاش في هذه الندوات بين فريق من كبار علماء المملكة وآخرين من كبار رجال الفكر والقانون في أوروبا .
5-« موقف الإسلام من العلم وأثر الرسالة الإسلامية في الحضارة الإنسانية » ، هذا البحث ألقاه في المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية سنة 1400 هـ الموافق 1979 م في دولة قطر .
6-« الإسلام والمشكلات الإنسانية » ، بحث القاه في مؤتمر عالمي سنة 1980 م في قبرص التركية ، وفيه حوار مع الدولتين الكبيرتين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية سنة 1980 م حول القضايا الإسلامية .
7-« الدولة والسلطة في الإسلام » , بحث القاه في الندوة الدولية في اليونيسكو في باريس عام 1982 م ردا على من انكر مفهوم الدولة في الإسلام .
8-« التصور العام للشريعة في الإسلام مقارنة بالشرائع القديمة والحديثة » , بحث ألقاه في مؤتمر الفقه الإسلامي في معهد القانون المقارن بطوكيو في أكبر جامعة في اليابان ( جامعة تشو ـ أو) سنة 1397 هـ الموافق 1977 م .
9- روى العلامة د. معروف الدواليبي المراحل المثيرة التي رافقت العثور على (سفر أشعيا ) وما نتج عنها من أحداث في غاية الغرابة ..
ففي عام 1953م اكتشفت في إحدى المغاور في جبال الأردن التي تبلغ مغاويرها نحو 600 مغارة وهي الأمكنة التي كان يختفي فيها المؤمنون قبل الاف السنين اكتشفت مخطوطات دينية هامة ومن هذه المخطوطات سفر أشعيا الصحيح بكامله ، بينما المنشور في التوراة هو جزء منه . وبعد دراسته اجتمع الفاتيكان لمدة 4 سنوات من عام 1961- إلى 1965م وتبين أن لهذا السفر تأثيراً جديداً على قواعد ومفاهيم المسيحية بالنسبة للإسلام ، فأصدروا كتيباً دعوا فيه إلى الحوار ما بين المسيحية والإسلام، ويثنون على الإسلام كدين، ويأسفون لما سبق من خلاف بين الديانات ويطلبون نسيان الماضي .وأن يدخل المسيحي في حوار مع المسلم ...) .
16- وقد نشر كتاب بعنوان مذكرات الدكتور معروف الدواليبي : وهو من إعداد الدكتور عبد القدوس أبو صالح، وتحرير الدكتور محمد علي الهاشمي، ويجد القارئ تفصيل ذلك كله في هذه المذكرات المعدة للطبع .
هذا الكتاب من منشورات مكتبة عبيكان في الرياض، وجاء الكتاب في 263 صفحة من القطع العادي.
وانطفأ المصباح :
انتقل إلى رحمة الله عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عاماً في مدينة الرياض مساء الخميس 22/11/1424هـ-15/1/2004م، ونقل جثمانه إلى مقبرة البقيع في المدينة المنورة، حيث ووري ثراها الطيب، بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم ، رحمه الله رحمه واسعة، وأثابه على ما قدم لأمته خير الثواب، وأسكنه فسيح جناته .
المراجع :
1-رابطة أدباء الشام .
2-مقدمات كتبه .
3-ذيل العلام – ج3- أحمد العلاونة .
4-ذكريات علي الطنطاوي .
5-مذكرات الدكتور معروف الدواليبي – د. عبد القدوس أبو صالح – د. محمد علي الهاشمي.
6-مذكرات خالد العظم .
7-رجال لهم آثار – عبد الله طنطاوي – دار الفاروق، عمان، الأردن .
8-الإخوان المسلمون في سورية – ج1 – عدنان سعد الدين – دار عمار في الأردن.
9-الحياة السياسية في سورية – محمد فاروق الإمام .
10- بعض المعلومات من أولاده : د. نوفل دواليبي ، وغيره .
11-الموسوعة الحرة .
يتبع
-المراجع-
[1] -سورية صنع دولة وولادة أمة – وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994م .
2-أوراق من تاريخ سوريا المعاصر (1946- 1966) – رشاد محمد ، وغسان حداد- مركز المستقبل للدراسات ، عمان 2001م .
______________
أ.عمر العبسو ، كاتب و باحث سوري، عضو رابطة أدباء الشام.
المعلومات الواردة تعبر عن رأي كاتبها و لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
وسوم: العدد 758