الشهيد الداعية نزار أحمد الصباغ
(1361 ـ 1402هـ = 1941 ـ 1981م)
الإخوان المسلمون في إسبانيا:
يعود ظهور الإخوان المسلمين الأول في إسبانيا إلى الخمسينيات من القرن الماضي، حيث طورت الجماعة شبكات صداقة مع الطلاب العرب والمسلمين في الجامعات الإسبانية، الذين جاؤوا من سوريا ومصر وفلسطين والأردن ولبنان والمغرب. في ذلك الحين، بدأ ظهور اتحادات طلابية بقيادة أعضاء ومتعاطفين مع الإخوان المسلمين، مما منح الحركة أعدادًا أكبر من الأتباع في البلاد.
الآلاف من أعضاء وأنصار الإخوان ظلوا في إسبانيا بعد زواجهم من إسبانيات وحصولهم على الجنسية الإسبانية. قامت جماعة الإخوان بتأسيس أولى منظماتها هناك عام 1963 تحت اسم “المركز الإسلامي في غرناطة”، وجرى تسجيلها رسميًا عام 1966 إلى جانب بعض الجمعيات الإسلامية. وجرى كذلك تسجيل “الاتحاد الإسلامي في مليلة” عام 1968، وكذلك “الاتحاد الإسلامي في مدينة سبتة” عام 1971. عمل الإخوان كذلك على تسجيل “اتحاد إسبانيا الإسلامي” عام 1971 في العاصمة مدريد، من قبل أحد الطلاب السوريين المرتبطين بالإخوان، يدعى رياي تتاري.
كان نزار أحمد الصباغ عضوًا بارزًا آخر في جماعة الإخوان المسلمين في إسبانيا في تلك السنوات، فقد استقر في غرناطة في الستينيات، ونجح في تكوين علاقات مع “رابطة العالم الإسلامي” و”الجمعية العالمية للشباب الإسلامي”، اللتين منحتاه إمكانية الوصول إلى الموارد المالية. حصل الصباغ كذلك على الدعم الكويتي لإطلاق شركة للنشر تسمى “البيت الإسلامي”، طبع فيها أيديولوجيات إسلامية خاصة بحسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي.
وبعد ذلك، جرى تأسيس منظمات أخرى، شملت “مجلس المساجد الأوروبية” و”اللجنة الإسبانية الإسلامية” بقيادة منصور إسكوديرو.
وفي شهر أيلول/سبتمبر عام 1989، جرى تأسيس “الاتحاد الإسباني للهيئات الدينية الإسلامية” برئاسة إسكوديرو كذلك، من أجل جلب جميع المنظمات الإسلامية في البلاد تحت مظلتها. وفي عام 1990، قام “تتاري” بتأسيس “اتحاد الجماعات الإسلامية في إسبانيا”، إذ لم يكن سعيدًا بلعب دورٍ ثانوي وراء إسكوديرو. وحينها، حصلت صراعات شخصية ومؤسساتية بين الإخوان حول مصالح ورؤى متنافسة.
كان الوجود الإخواني في منتصف الثمانينيات وحتى أواخر التسعينيات محدودًا نسبيًا في إسبانيا، إلا أن تمويل الجماعة اعتمد على مصادر أجنبية في كثير من الحالات.
في الواقع، ترددت الانقسامات داخل جماعة الإخوان المسلمين السورية في إسبانيا في سبعينيات القرن الماضي. وحينها، قام نزار أحمد الصباغ بمناصرة عبد الفتاح أبو غدة، الزعيم المعترف به من قبل جماعة الإخوان المسلمين دوليًا، بينما اختار تيار آخر فرع الإخوان بقيادة عصام العطار.
وبعد ذلك بسنوات طوال، وبالتحديد في عام 2006، جرى الاستيلاء على الجماعة من قبل قيادة قريبة من السلطات المغربية، وقد وصفتها السلطات المغربية بـ”السلاح الرئيس للتحكم” بالمهاجرين المغاربة إلى إسبانيا. وبالطبع، لم يقبل معتنقو الإسلام من الإسبانيين القيادة الجديدة للإخوان، واتهموها بإعطاء الأموال أولوية فوق جميع الحسابات. بينما كانت شخصيات إخوانية أخرى محطّ هجوم لاذع من قبل مناصري الجماعة، مثل منصور إسكوديرو، بسبب علاقاته بنظام معمر القذافي آن ذلك..)[2] .
مولده ونشأته
وُلد الشهيد الداعية نزار أحمد الصباغ في مدينة (حمص) بسوريا يوم 15/7/1941 م، ونشأ في كنف أسرة مسلمة ملتزمة بأحكام دينها .
دراسته ومراحل تعليمه :
ودرس في مدارسها الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم تتلمذ على يدي الشيخ عبد العزيز عيون السود، والشيخ عبد الغفار الدروبي.
وخلال المرحلة الثانوية انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في حمص.
وقد ألقي القبض عليه في أعقاب الانقلاب البعثي عام 1963م، ثم خرج من السجن ليتابع نشاطه الإسلامي، وسافر إلى مصر 1964م؛ ليكمل دراسته الجامعية هناك، وانتسب إلى كلية الهندسة المدنية بجامعة القاهرة؛ ولم يمض على وجوده هناك عدة أشهر، إلا وجاء أمر من المخابرات المصرية بترحيله عن مصر، فعاد إلى مدينته: (حمص) سنة 1965 م.
ثم اقترح عليه بعض إخوانه السفر إلى إسبانيا للاستفادة من نشاطه الإسلامي هناك، فرحل إليها سنة 1967 م على أمل أن يلتحق بكلية الصيدلة في جامعة غرناطة، ولكنه انشغل في أمور المسلمين، ولم يتابع الدراسة، وانطلق يعمل في حقل الدعوة الإسلامية بين الطلبة العرب والجاليات العربية والإسلامية ووسط الإسبان أنفسهم، فأسّس أول كيان إسلامي في إسبانيا منذ سقوط آخر معاقل الدولة الأندلسية سنة 1492 م، كما أقام في العام نفسه أول اتحاد للطلبة المسلمين في إسبانيا.
وقد كرّس جهوده لفتح المراكز الإسلامية والمساجد وتربية النشء تربية إسلامية، وأسس داراً للترجمة والنشر قدّم من خلالها ثلاثة عشر كتاباً باللغة الإسبانية آخرها (حياة محمد).
ثناء المستشار عبد الله العقيل عليه :
يقول المستشار عبد الله العقيل في ترجمته ، وكيف تعرف عليه: ( بدأت صلتي بالأخ الشهيد نزار أحمد الصباغ في الستينيات الميلادية حيث كان يدرس بكلية الصيدلة في إسبانيا، ويعمل في حقل الدعوة الإِسلامية هناك بين الطلبة العرب والجاليات العربية والإسلامية ووسط الإسبان أنفسهم.
ولقد أجرى الله على يديه الخير الكثير، حيث تمكّن بفضل الله ثم بمساعدة بعض الشباب العرب المسلمين من تجميع صفوف الشباب المسلم، وبخاصة الطلاب وإنشاء المراكز الإسلامية التي يمارسون من خلالها نشاطهم، وعقد المؤتمرات ، والندوات، والمخيمات والدورات وإلقاء الخطب والمحاضرات، وكانت إقامته الأولى في (غرناطة) لسنين طويلة انتقل بعدها للإقامة في (برشلونة)، وقد تعدّدت المراكز الإسلامية وأقيمت المساجد في أكثر من مكان.
كان نزار الصباغ خطيب الجمعة بالمركز الإسلامي في (برشلونة) التي انتقل إليها سنة 1978 م والذي تؤمّه جموع كثيرة من الطلاب والمقيمين والمسلمين الإسبان، وكانت خطبه الحماسية تستجيش مشاعر المصلين، وتلهب عواطفهم، وتستنهض هممهم حيث يعرض أوضاع المسلمين في العالم، وما يتعرضون له من المحن على أيدي البغاة والطغاة الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، ويمكرون الليل والنهار لمحاربة دعاة الحق وأعلام الهدى وجند الله ودعاته، ويناشد المسلمين للعمل الجاد المنظم للتصدي لأهل الباطل من عملاء الشرق والغرب على حد سواء.
صفاته ومواقفه
كان صلباً قوي الحجة ثابت الجنان رابط الجأش لم تلن له قناة، ولم تزده الأحداث الجسام إلا قوة ورسوخاً وصلابة وثباتاً، حيث يفزع إليه الشباب المغترب حين تدلهمّ الخطوب وتشتد الأمور، فيواسيهم، ويثبّتهم، ويبذل وقته وعافيته وماله وجهده لقضاء حوائجهم وتفريج كربهم وإزالة العقبات التي تعترض طريقهم متوكلاً على الله ومستعيناً بإخوانه من أهل السابقة بالدعوة الذين خرجوا من أتون المحن أصلب عوداً وأشد مراساً فكانوا نماذج صادقة للإسلام الحق بعلمهم وعملهم وخلقهم وسلوكهم، رهباناً في الليل فرساناً في النهار، يعيشون الإسلام بشموله وكماله وينتصبون لحمل الدعوة الإسلامية وإبلاغها للناس كافة.
جهوده العلمية والدعوية :
كان نزار الصباغ صوت الحق في إسبانيا ومركز الثقل لتحمّل مسؤولية الدعوة الإسلامية فيها، وكان من الشخصيات القيادية المميّزة.
فلقد أسهم في نشر الكتب باللغة الإسبانية، وترجمة معاني القرآن الكريم، التي استشهد قبل أن يكملها، وترجم كتب الحديث الشريف، والسيرة النبوية إلى اللغة الإسبانية، واعتنق الإسلام على يديه كثيرون من الإسبان وغيرهم رجالاً ونساء، شيباً وشباناً حتى تكونت منهم مجموعات تشكّل مجتمعات صغيرة تعيش في أجواء الإسلام ، وتستظل في ظلاله.
ولقد سعدنا بلقاء الكثير من هؤلاء الإسبان المسلمين في إسبانيا وأثناء زيارتهم لنا في البلاد العربية كانوا يذكرون الشهيد نزار الصباغ بكل خير، ويردّون له الفضل بعد الله في هدايتهم إلى الطريق المستقيم، طريق الإسلام الصحيح.
كما كانت له مشاركته الفعالة في المؤتمرات الإسلامية التي تعقد في إسبانيا وأوروبا والبلاد العربية والإسلامية حيث يصدع بكلمة الحق، ويطرح الحلول لمشكلات المسلمين المعاصرة على ضوء الكتاب وهدي السُّنَّة، كما كان عضواً عاملاً في الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، وفي الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي وغيرها من المنظمات الإسلامية ذات الطابع العالمي الإسلامي.
كما كانت له جهود مشكورة في رفد العمل الإسلامي في شمال إفريقيا وبخاصة في المغرب والجزائر وفي أوروبا عموماً حيث كان من مراكز التنسيق فيما بينها.
وكان كخلية النحل دائم الحركة والتنقل في أنحاء المدن الإسبانية، ودول المغرب العربي وتركيا، وبلدان الجزيرة والخليج.
وقد أسهم أيما إسهام في رفد العمل الإسلامي في أوروبا عموماً وإسبانيا والمغرب العربي خصوصاً، وكان له الكثير من الأتباع والمحبين الذين يُجاهدون الليل والنهار لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه والتصدي لدعاة العلمانية والفرق الهدامة وأنصار الاستعمار الشرقي والغربي على حد سواء، مما أسخط الكثير من الجهات ضده وتحالفت جميعاً على وقف نشاطه وشل حركته بكل وسائل المكر والكيد والمحاصرة والتضييق والمطاردة، بتسخير العملاء وشراء الذمم لوقف هذا النشاط الإسلامي، وعرقلة سير دعاته وبخاصة في ديار الغرب حيث كانت الحرية النسبية تعطي المجال للدعاة المسلمين ليقولوا كلمة الحق، ويُسمعوا رأيهم للناس دون خوف أو وجل.
هكذا كان نزار الصباغ وتلك كانت سيرته، ومن أجل هذا ضاق به الطغاة ودبروا المؤامرات للتصدي له والنيل من جهاده مرات ومرات.
استشهاده :
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل لجؤوا إلى اغتياله بأيدي عملائهم أمام باب مكتبه في (برشلونة) جهاراً نهاراً فخرَّ مضرجاً بدمه شهيداً في سبيل الله، وسجّل بذلك اسمه في سجل الشهداء الذين سبقوه إلى الله، وكان ذلك ليلة السبت 22/11/1981 م، وقد أوردت وكالات الأنباء المحلية والعالمية نبأ استشهاده وأذيع في الإذاعات ونشر في الصحف وتوجّهت أصابع الاتهام إلى عملاء السفارة السورية المأجورين هناك.
وفي يوم 25/11/1981 م نقل جثمانه إلى مدينة (غرناطة)، ودفن في السفح المطل على (قصر الحمراء) بالقرب من (جنة العريف) حيث توجد مقبرة إسلامية كان قد دفن فيها فيما بعد المفكر المسلم النمساوي الأستاذ محمد أسد سنة 1992 م.
وقد حضر تشييع الشهيد الصباغ وفود غفيرة من الجاليات والجماعات الإسلامية من عدة دول أوروبية وعربية ومن المسلمين المقيمين بإسبانيا ومن أبناء البلاد والطلاب والعمال... وغيرهم.
ومن الجدير بالذكر: أن استشهاده كان وهو في طريقه إلى المركز الإسلامي ببرشلونة ليكمل موضوع الأسبوع السابق وكان بعنوان (الشهادة ومكانة الشهيد في الإسلام)، وهذه من المبشرات التي يفرح بها المؤمنون.
ولقد كانت بينه وبين الشهيد محمد كمال الدين السنانيري بيعة وميثاق، فشاء الله أن يستشهد نزار الصباغ بعد استشهاد السنانيري ببضعة أيام في نوفمبر 1981 م؛ ليلحق به إن شاء الله في جنة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين.
رحم الله الشهيد نزاراً، وألحقه بالنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.. )أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – المستشار عبد الله العقيل .
2- رابطة أدباء الشام – مواكب الشهداء - وسوم: العدد 671، بقلم د. عبد الله الطنطاوي .
3-إرهاب العصابة الأسدية خارج سورية - د. محمد الداخل ، ط3 ، سنة النشر: 1433هـ/ 2012م ، دار النشر: المؤسسة السورية للنشر والتوزيع، ويقع الكتاب في 114 ص .
4- مجلة البيان - إرهاب العصابة الأسدية – مقالة الكاتب محمود ثروت أبو الفضل بتاريخ : 10/7/2012 م .
[2] - مجلة البيان : العدد 304 ذو الحجة 1433هـ / أكتوبر- نوفمبر 2012م.
[3] - أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – المستشار عبد الله العقيل .
وسوم: العدد 798