الصحابي ذو البجادين
لعلّ بعضنا لم يسمع باسم هذا الصحابي، وإن في سيرته لعبرة.
كان اسمه في الجاهلية عبد العزّى، واسم أبيه عبد نُهْم من مُزَيْنة. نشأ يتيماً فكفله عمّه، وكان هذا العم ثريّاً، وأحبّ ابن أخيه وأغدق عليه العطاء والدلال فعاش في رفاهية ورغد.
وحين هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة كانوا يمرّون ببلدته وعرضوا عليه الإسلام، فرقّ قلبه وأدّى شهادة التوحيد، وكان عمره يومئذ ست عشرة سنة، وكان يتعلم منهم الآيات والسور فيحفظها، ثم يتعلم المزيد.
كل هذا وهو يخفي إسلامه عن عمّه وقومه، خشية أن يؤذوه، بل كان يأمل أن يُسلم عمُّه. فلما تأخر إسلام عمه، وأراد أن يهاجر مع المهاجرين، عرض الإسلام على عمه الذي رفض الدعوة وغضب غضباً شديداً. وبقي الشاب على إيمانه والعم على كفره. حتى قال الفتى: يا عم، لقد طال انتظاري لإسلامك، وما أرى منك نشاطاً. وردّ العم: والله لئن أسلمتَ لأنتزعن كل ما أعطيتُك، فقال الفتى: إن نظرةً من محمّد أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها. فلما عزم الفتى على السير ليلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم جرّده عمّه من متاعه ولباسه، فناولته أمه بجاداً (كساءً غليظاً)، فشقّه نصفين، وجعل أحدهما إزاراً والآخر رداءً. ووصل إلى المسجد النبوي ليلاً وبات فيه. وحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم رآه فسأله من أنت؟. قال: أنا عبد العزى بن عبد نهم، وقصّ عليه قصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنت عبد الله. واشتُهر بعد ذلك بذي البجادين. وكان يَلزم بابَ النبي صلى الله عليه وسلم.
وخرج في غزوة تبوك، وسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ادعُ لي بالشهادة، فقال: "اللهم حرّم دمه على الكفار". وأصيب يومئذ بالحمّى وتوفي رضي الله عنه هناك، وعمره ثلاث وعشرون سنة، وحفر له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنزله النبي صلى الله عليه وسلم في القبر وقال: "اللهم إني أمسيتُ راضياً عنه فارضَ عنه". قال عبد الله بن مسعود: يا ليتني كنت مكانه. لما أعجبه من هذا الدعاء.
وبمثل عبد الله ذي البجادين نطمئن إلى أن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من تأسّى بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم: إنّا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله. كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاءُ أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده). {سورة الممتحنة: 4}.
وسوم: العدد 804