الأستاذ الشيخ الداعية إبراهيم بن منير بن إبراهيم العبيدي المدرّس
(1349ه - 1930م ) / ( 1435- 2013م )
ولد الأستاذ الشيخ الداعية إبراهيم بن منير بن إبراهيم العبيدي المدرّس في محلة سوق حمادة في الكرخ ببغداد سنة 1349 هـ 1930م. ونشأ في ظل أسرة مسلمة ملتزمة بأحكام ربها وتعاليم دينها .
دراسته ومراحل تعليمه:
أكمل دراسته الابتدائية في المدرسة الفيصلية بالكرخ سنة 1943م
أكمل دراسته المتوسطة في مدينة العمارة بجنوب العراق سنة 1947.
انتسب إلى كلية الشريعة في الأعظمية القسم الإعدادي وأتمه سنة 1949.
تخرج في كلية الشريعة سنة 1953م.
شيوخه وأساتذته :
واصل دراسته العلمية على شيوخ بغداد أمثال:
1- الشيخ أمجد الزهاوي
2- والشيخ قاسم القيسي
3- والشيخ عبد القادر الخطيب ...وغيرهم رحمهم الله جميعاً.
أعماله ومسؤولياته:
عين (إبراهيم منير المدرس) مدرساً في ثانوية القرنة في البصرة سنة 1954، وفي سنة 1959 عين معيداً في كلية الشريعة، ثم نقل مفتشاً في وزارة الأوقاف.
انتدب للتدريس في كلية الشريعة بمكة المكرمة سنة 1967م، وأمضى فيها ثلاث سنوات. نال درجة الماجستير من باكستان عام 1977م. ثم انتدب للتدريس في معهد فخر المدارس في هرات بأفغانستان.
استمرّ لسنوات طويلة مدرساً في ثانويات العراق.
أحيل على التقاعد عام 1983م.
وفي أثناء وجوده في ثانوية العمارة عام 1945 تأثر إبراهيم المدرس بأفكار الإخوان بزميله في الدراسة المجاور له في السكن عبد الجبار داود البصري، والذي كان داعية، ويمثل الدعاة في مدينة العمارة، وقد دعاه إلى دعوة الإخوان المسلمين، وأعاره مجلة الإخوان المسلمون، فقرأها، وأعادها إليه ليعيرها غيره؛ وأصبح هو والبصري يدعوان إلى الله عزّ وجلّ على بصيرة، ويثبتون شعار الإخوان في نفس شباب العمارة، إلا أن مما يؤسف له أن عبد الجبار داود البصري لم يستمر في طريق الدعوة وإنما انحرف عنها بعد عودة إبراهيم المدرس إلى بغداد .
مع بداية العام الدراسي الأول (1947) في كلية الشريعة، فوجئ العالم العربي والإسلامي بقضية فلسطين، وكان الشيخ محمد محمود الصواف - رحمه الله- قد عاد لتوه من الأزهر، وعين أستاذاً في الكلية؛ وكان يشتعل حماساً، فتحولت كلية الشريعة إلى محرض وقائد للمظاهرات، وانفعل طلبة الجامعات وتفاعلوا أكبر تفاعل، وفوجئت الحكومات العربية بثورة لا مثيل لها حتى تعطلت الدراسة، وكانت المرة الأولى التي يرى فيها العراقيون شيخاً بعمامته وجبته يقود المظاهرات ويخطب يومياً، ويجمع التبرعات بل يجمع المتطوعين للذهاب إلى فلسطين، وكان يرى البعض ومنهم الشيخ حسن البنا - رحمه الله- أن اليهود في فلسطين قد كوّنوا عصابات، وهم يخوضون حرب عصابات، وفي مثل هذه الحالة على الطرف الآخر أن يقابلهم بحرب عصابات وليس بجيش نظامي..
وشارك الأستاذ المدرس في المظاهرات التي كان يعد لها الطلبة في الاقسام الداخلية وتعرض للاعتقال عدة مرات.
وعن إحدى هذه المظاهرات التي خرجت بتوجيه الأستاذ الصواف وإعداد وتنظيم الأستاذ إبراهيم المدرس لها مع الأستاذ عبد الله العقيل، ويوسف العظم.
فقد انطلقت من كلية الشريعة في الأعظمية، وجمعت في طريقها مدارس دار المعلمين الابتدائية، وكلية فيصل الثاني، وثانوية الاعظمية للبنين وثانوية الاعظمية للبنات ومدرسة تطبيقات دار المعلمين واهالي الاعظمية يتقدم المظاهرة طلاب كلية الشريعة بلباسهم الرسمي الجبة والعمامة.
ثم تسير إلى البلاط الملكي، ثم إلى مجلس الوزراء يحملون الشيخ الصواف على الأكتاف، واقتحموا حدائق البلاط منادين بتحرير فلسطين ورفض المعاهدة وهذا ما عبر عنه الأستاذ الصواف مخاطباً الوصي عبد الإله قائلاً له:
إن الجماهير تستنكر تقسيم فلسطين وتطالب بالتدريب والسلاح من اجل الجهاد في سبيل الله وتستنكر المعاهدة التي لم تكن سوى احتلال بريطاني ثانٍ، ولم يخرج المتظاهرون إلا بعد موافقة الوصي على ذلك .
وعند مجلس الوزراء حاولت الشرطة تفريق المظاهرة بالغاز والهراوات ثم اتجهت المظاهرة نحو جسر الشهداء وعنده قبض على عدد من إخوان كلية الشريعة وأودعوا السجن وعند النهاية الاخرى تصدت لهم الشرطة بالرشاشات فسقط العديد منهم شهداء. وقد فصل عدد منهم من كلية الشريعة اما فصلاً مؤقتاً لمدة سنة أو مؤبداً. بذلك كان للشيخ الصواف أبلغ الاثر عليه، وقد تمخض عن تأثر طلبة الكلية بأفكار الإخوان ان شكل اول تنظيم طلابي اخواني داخل الكلية في السنة الدراسية (47-1948) كان أحد أعضائه الأستاذ منير المدرس.
ويذكر إبراهيم المدرس، فيقول:
(نظمنا أنفسنا، وباشرنا دعوتنا، فاختارني الصواف مسؤولاً عن الرياضة في الكلية، وعن الوعظ والإرشاد خارج الكلية، وفي القرى والأرياف خاصة)
ثم يقول:
(كنت أدرب الإخوان فوق نادي الكلية بعد صلاة الفجر بجوار جامع الإمام الأعظم حيث القسم الداخلي للكلية)، ليصبح لهذا التنظيم دور فاعل للمشاركة في الاحداث السياسية التي مر بها العراق.
التحق بجمعية الأخوة الإسلامية التي أجيزت عام 1949 والتي كان المراقب العام لها الأستاذ محمد محمود الصواف بعد أن رفض الطلب الأول عام 1943 لإجازة الجمعية باسم الإخوان المسلمين لوجود مثيل لها في بلد اسلامي آخر طبقا لقانون الجمعيات.
عاش الأستاذ المدرس المظاهرات الكبرى والصراع بين الأحزاب، وانتشار الحزب الشيوعي، بحيث صار مصدراً للقلق الشعبي والحكومي، وجاءت ثورة 1958 أو انقلاب 1958، وانقسم القائمون عليها بسرعة مخيفة، وأبرز الحزب الشيوعي عضلاته، وقام بحملات دموية في كركوك والموصل، وشن حملة إرهاب لا مثيل لها ولا سابق، وشهدت المدن العراقية اعتقالات لعشرات الألوف لتخويف الناس وإسكاتهم، حيث كانت الساحة السياسية العراقية في النصف الأول من القرن العشرين خالية من الأحزاب السياسية ذات العمق الإسلامي .
وبعد ثورة تموز 1958 وانتقال الحكم من الملكية إلى الجمهورية وما صاحب ذلك من صراع بين الأحزاب العلمانية والليبرالية وجدت جماعة الإخوان المسلمين في العراق عام 1960 أن الوقت أصبح يحتاج الى عمل سياسي لإخراج البلد من حاله هذا؛ وأصبح الحال مواتياً بإتاحة عبد الكريم قاسم الفرصة للأحزاب كي تتشكل، فقدم السيد نعمان عبد الرزاق السامرائي، طلباً إلى وزارة الداخلية لتأسيس حزب سياسي باسم (الحزب الإسلامي العراقي)
لكن وزارة الداخلية رفضت الطلب بقرارها المرقم ش / ج / 914 في 27/3/1960، فميز السيد نعمان السامرائي القرار المذكور لدى محكمة التمييز، فأحيلت الدعوى إليها لإجراء التدقيقات التمييزية عليها وبعد التدقيق والمداولة، وجد من محاضر التحقيق المرفوعة من الجهات المختصة إنه ليس هناك مانع بقدر ما يتعلق الأمر بتلك الجهات من منح الأعضاء المؤسسين إجازة. وقد صدرت موافقة محكمة التمييز على تأسيسه في 26 / 4 1960/
وأعلنوا عن تشكيل الحزب الإسلامي العراقي والذي يعدّ واجهة سياسية لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك، و عقد مؤتمره الأول في 29 / 7 / 1960. حيث انتخب المؤتمر اللجنة المركزية) المكتب السياسي) للحزب الاسلامي العراقي؛ فقد فاز الأستاذ نعمان عبد الرزاق السامرائي برئاسة الحزب، والشيخ ابراهيم منير المدرس بمنصب نائب الرئيس وعضوية كل من: الأستاذ فليح حسن السامرائي والمحامي فاضل دولان، والشيخ عبد الجليل الهيتي والأستاذ نظام الدين عبد الحميد، والأستاذ سليمان محمد أمين، والشيخ طه جابر العلواني، والأستاذ وليد الأعظمي، والمحامي عبد المجيد ذهيبة.
فقادوا الحزب قيادة راشدة تواصلوا من خلالها مع الإسلاميين والوطنيين في الشمال والجنوب، وكانت لهم صلات وثيقة مع رابطة علماء العراق ومع المرجعية الشيعية في النجف وكربلاء. وصدرت مواقف وطنية مشتركة لمؤازرة المقاومة الفلسطينية والثورة الجزائرية ومنددة باعتراف إيران بدولة إسرائيل.
وبعد مرور ستة أشهر على تأسيسه نشر الحزب مذكرته الشهيرة التي دون فيها انتقاداته لسياسات عبد الكريم قاسم وقانون الأحوال الشخصية وقانون الإرث الذي ساوى فيه بين الاناث والذكور في الميراث مخالفا الشريعة الإسلامية وللمذابح التي ارتكبت في عهده في الموصل وكركوك في جريدة الفيحاء، فتم على أثر ها اعتقال جميع أعضاء المكتب السياسي مدة خمسة شهور، وجرى التحقيق معهم في بناية محكمة المهداوي.
وقد كان عبد الكريم قاسم ينتظر منهم استرحاماً أو اعتذاراً ليطلق سراحهم فلم يتقدم أحد منهم بشيء، وجاء رمضان فارتأى أن يوجه الدعوة لعلماء الشريعة ليتكلموا بشأن أعضاء الحزب فيطلق سراحهم، وقد وجه الدعوة إلى الشيخ أمجد الزهاوي الذي أرسل إلى الدكتور نعمان السامرائي، وهو في سجنه مبعوثاً منه الحاج فاضل النعيمي يسأله يطلب رأيه بالمشاركة وعن الآراء التي يريدون طرحها، فأجاب الدكتور نعمان بالشكر لسماحة الشيخ الزهاوي؛ وقال: (أنا اقترح أن ترفضوا الدعوة ولا تذهبوا للإفطار عنده لأنه في ذلك يكون هو المنتفع)، فامتنع الشيخ أمجد عن قبول الدعوة وامتنع الحاج حمدي الأعظمي والحاج عبد القادر الخطيب والحاج نجم الدين الواعظ.
وفي ليلة 27 رمضان 1380 هـ، منتصف آذار جمع عبد الكريم قاسم المعتقلين أعضاء المكتب السياسي كان أحدهم الشيخ إبراهيم منير المدرس بصفته نائب الأمين العام ضمن الحاضرين وكان اللقاء بمقر عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع واشتكى من مذكرة الحزب مدعيا أنهم ظلموه واخذ يستعرض نشاطاته الخدمية للشعب وتبريراته لما يعترض عليه، كل ذلك وقيادة الحزب ترد عليه وتجادله بشجاعة واستمر اللقاء على هذا المنوال من التاسعة مساءً حتى الرابعة فجرًا أذِن لهم بعدها بالانصراف إلى بيوتهم.
وقد منع الحزب من العمل وأغلقت ومنعت كافة مقاره ونشاطاته، وعاد إلى العمل السري. واجه الإخوان المسلمون في العراق محناً عديدة وشديدة في العهود المختلفة، وتعرضوا للتصفية عدة مرات غير أن المحن تلك زادتهم قوة وصلابة
واستمر نشاط الحزب الإسلامي والجماعة في ستينات القرن الماضي بين السر والعلن حتى جاءت ثورة تموز 1968 والتي تفرد فيها حزب البعث بالسلطة تفرداً تاماً، وصادر الحريات وحظر جميع الأحزاب السياسية وبضمنها الحزب الإسلامي العراقي.
واستمر الشيخ المدرس، وهو الرجل الفاضل العالم ذو المعرفة الواسعة يلتهب نشاطاً وإخلاصا وغيرة عاملاً بعلمه وعمله طيلة السنوات التي تلت ذلك، فكان يعظ الناس في جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة وبعض مساجد الأعظمية.
وكان يعظ العشائر العراقية في مناطقها وفي القرى والأرياف. عضو عامل في جمعية الشبان المسلمين العراقية، ورابطة علماء العراق.
ثم شغل الشيخ إبراهيم منير المدرس عضو الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين، ورئيس القسم الاجتماعي تولى رئاسة جمعية التربية الإسلامية عام 2006 بعد وفاة رئيسها الأستاذ عبد الوهاب السامرائي -رحمه الله-، وأصبح رئيساً لتحرير مجلة التربية الإسلامية الشهيرة في العراق.
ساهم في بناء كثير من المساجد نشر كثيراً من البحوث العلمية في المجلات الإسلامية. وله كتاب الفقه الميسر.
وفاته:
توفي في العاصمة بغداد صباح السبت 25/5/2013؛ فضيلة الشيخ العلامة (إبراهيم منير المدرس) رئيس جمعية التربية الإسلامية، وأحد أعلام جماعة الإخوان المسلمين في العراق عن عمر ناهز (83) عامًا بعد صراع مع المرض.
وانتقل الشيخ المدرس إلى جوار ربّه بعد عقود قضاها في الدعوة والتربية حيث تخرج على يديه جمع غفير من طلبة العلم، وكان مربيًا فاضلاً في فترة زمنية حساسة من حياة جيل حاصرته المعاناة من كل جانب، وقد حاول رحمه الله تثبيت هذا الجيل على الدين والإيمان والقيم الحميدة.
وكان الشيخ الفقيد قد عانى قبل ثلاثة أيّام من غيبوبة بسبب ارتفاع نسبة السكر في دمه، فضلاً عن انتشار السرطان في جسمه حيث شيع من جامع برهان الدين ملا حمادي بعد أن أم المصلين لصلاة الجنازة فيه الشيخ العلامة أحمد حسن الطه رئيس المجمع الفقهي في العراق وإمام وخطيب جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، ووري الثرى في أحد مقابر بغداد - رحمه الله-، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
وسوم: العدد 808