الرجل الصالح أحمد أنس الحجاجي
(1338 - 1392هـ / - 1920-1973م)
هو كاتب إسلامي عرفته من خلال ما كان ينشره في مجلة (الإخوان المسلمين) الأسبوعية، ثم اطلعت على بعض كتبه التي كان معظمها عن الإمام الشهيد حسن البنا، مثل كتابه القيم (روح وريحان)، الذي تفضل بإهدائه إليَّ أحد الطلبة السعوديين بكلية الطب بجامعة فؤاد بالقاهرة سنة 1946م وهو الدكتور يوسف عبد الله الحميدان الذي أصبح فيما بعد وكيل وزارة الصحة السعودية، فقرأته بتمعن وأدركت مقدار تعلق الحجاجي بالإمام البنا، وتتبّعه لتحركاته ومواقفه ومعالجاته للمشكلات في طريق الدعوة بأسلوب سلس وعاطفة جياشة وتصوير دقيق، وتربية حكيمة.
وحين توجهت إلى مصر للدراسة الجامعية سنة 1949م، كان الأستاذ الحجاجي من أوائل من التقيتُ بهم، فقد وجدته ملازمًا لسيف الإسلام بن حسن البنا، لا يكاد يفارقه، بل يوليه جل رعايته وعنايته، ويبذل كل جهوده ليكون الابن صورة من أبيه، فالشبل من ذاك الأسد وكان الحجاجي يعمل سكرتيرًا خاصًا للإمام الشهيد حسن البنا من سنة 1940م حتى استشهاد الإمام البنا وأصدر عدة كتب عنه.
ولقد توطدت صلتي بالأستاذ الحجاجي وبتلميذه سيف الإسلام البنا حتى غادرت مصر سنة 1954م بعد التخرّج، وانقطعتْ صلتي بالحجاجي لوفاته، وتوثّقت أكثر فأكثر بالأستاذ أحمد سيف الإسلام البنا إلى اليوم، والحمد لله.
كان الحجاجي كثير الحديث عن الإمام البنا، ومعجبًا به غاية الإعجاب، يروي لنا على مدار الأيام القصص والوقائع التي واجهت الإمام البنا، ويذكر من صفاته وأخلاقه ما يحببنا فيه ويشدّنا إليه، ويقول عنه: إنه مجدد العصر وهو رأس المئة، لأن فيه من الصفات القيادية والأخلاق العالية والمواهب النادرة ما لا تتوافر في غيره من معاصريه.
ومع أن البنا لقي ربه شهيدًا وهو في الثانية والأربعين من عمره، إلاّ أن الأثر العظيم الذي تركه، والذكر الخالد الذي خلفه وعم العالم العربي والإسلامي كله، لم يبلغه أحد من الدعاة المعاصرين رغم قصر عمر البنا (رحمه الله).
ويؤكد الحجاجي أن قوة جماعة الإخوان المسلمين تكمن في عبقرية البنا؛ لأنه كان أهم شيء في الجماعة وليس فيها من يقاربه أو يدانيه، فقد سبق زمانه وفاق أقرانه وكان فريد عصره ورجل أمة.
ومن هنا أدرك المستعمرون خطورته على مصالحهم الاستعمارية؛ فأقدموا على قتله في شارع من أكبر شوارع القاهرة، وهو شارع الملكة نازلي بأيدي عملائهم المرتزقة، وحالوا دون إسعافه، بمنع الأطباء عن نقلهم الدم له، حتى لقي ربه شهيدًا يشكو الظلم والجور والبغي والعدوان {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (البروج: 8).
إن الأستاذ الحجاجي، يتميز بصفات الجندية بكل ما تحمل من معان، وبالطبيعة التنفيذية الحيّة، التي تبادر إلى العمل دون إبطاء أو تراخ، وبالأخوة الإسلامية الحقيقية، التي تسقط من حسابها كل الروابط العرقية واللونية واللسانية، وتقيم مقامها رابطة الدين، وتؤكد في واقعها التكافل والتراحم والتواد والتعاطف مع كل من يقول "لا إله إلاّ الله محمد رسول الله" خاصة مع العاملين في الحقل الإسلامي والسائرين في ركاب الحركة الإسلامية المعاصرة.
لقد رافق الأستاذ الحجاجي الإمام الشهيد حسن البنا مدّة طويلة، وكان موضع ثقته والمؤتمن على الكثير من أسراره الخاصة، وقد وكل إليه العناية بابنه سيف الإسلام، لكثرة غياب البنا وتنقلاته وأسفاره خارج القاهرة.
وقد عكف الحجاجي على تأليف كتيبات عن الإمام الشهيد حسن البنا، تبرز مواهبه القيادية، وفقهه الدعوي وقدرته التربوية ومهارته السياسية، ومنها كتاب (روح وريحان) و(الإمام) وكتاب (الرجل الذي أشعل الثورة) وغيرها من المؤلفات.
وكانت تلك المؤلفات من الزاد الذي يستفيد منه الإخوة الجدد من الملتحقين بصفوف الدعوة الإسلامية خاصة الشباب في المدارس والمعاهد والجامعات.
وشخصية الأستاذ الحجاجي محبوبة لأنه ودود خلوق متواضع، يألف ويُؤلف، ويحب الخير للناس جميعًا، ويسعى لخدمة الجميع بطيب نفس ورضا.
وكم كان (رحمه الله) يغمرني وإخواني الطلبة الوافدين إلى مصر للدراسة فيها، بالمعاملة الكريمة والخدمات العامة والأخلاق الفاضلة وطيب الصحبة، بحيث ينسينا أهلنا فلا نشعر بوحدة ولا غربة، بل نعيش في أجواء الإيمان والأخوة الإسلامية الصادقة والحب في الله والعمل لما يرضي الله، فوقتنا موزع بين العبادة والدراسة والدعوة في أوساط الطلبة، وكان دورنا الأساسي مع طلبة البعوث الإسلامية من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وما أكثرهم في الجامعات المصرية خاصة جامعة الأزهر والمعاهد التابعة لها حيث يبلغون الألوف بمصر!
إن الأخ الحجاجي من النماذج الكريمة التي تربت بمدرسة الإخوان المسلمين، وانطلقت بقوة وعزم، تنشر الخير بين الناس وتعمل على هداية الضال، وتقويم المنحرف وتقريب الشارد وتعليم الجاهل والأخذ بيد المظلوم وعون المحتاج والتصدي للظالم وتبصير الأمة كلها بواجبها نحو دينها، والأخذ بيدها إلى مواطن العزة والكرامة، والقيادة والريادة.
لقد كان للعلاقات الاجتماعية والصلات الشخصية والاتصال بجماهير الناس بالدعوة الفردية والخطابة العامة وتقديم الخدمات لذوي الحاجات، أثرها البالغ في كسب قلوب الكثيرين من الناس والتزامهم جادة الصواب، وانخراطهم في سلك المسلمين الملتزمين وتحملهم أمانة الدعوة وتبليغ الناس الخير، وهذا منهج كان الأستاذ الحجاجي يحرص على الوفاء به والنهوض بتبعاته ودعوة إخوانه إليه.
إن الأستاذ أحمد أنس الحجاجي ظل الصورة المشرقة للنماذج الكريمة التي تخرجت في مدرسة حسن البنا، في أخلاقه وسلوكه ونشاطه وتحركه وفقهه ووعيه، وظل الوفي لشيخه، الذي عهد إليه برعاية ابنه، فكان نعم المعلم والمربي الذي لم يدخر وسعًا في تنشئة الابن سيف الإسلام، وفق ما كان يتمناه أبوه الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله).
وها نحن اليوم نجد هذا الابن البار بوالديه، الوفي لأستاذه، المخلص لدينه، الملتزم بدعوته، يشق طريقه في الحياة معليًا راية الإسلام سائرًا على نفس طريق أبيه ومن سار قبله من السلف الصالح المقتفين أثر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي كان خلقه القرآن.
إن الأخ الكريم سيف الإسلام بن حسن البنا، من قادة العمل الإسلامي اليوم، وقد تولى منصب الأمين العام لنقابة المحامين على مستوى جمهورية مصر، حيث وصل إلى هذا المنصب بالانتخاب الحر، الذي أبرز ثقة الأمة برجال الحركة الإسلامية، ووفاءها لمن بذر فيها بذور الخير، وأعلن دعوة الحق، وصبر على وعثاء الطريق وأخلص النية لله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } (الأحزاب: 23).
وقد توفي الأستاذ الحجاجي في سجن مزرعة طرة السياسي، حيث كان يقضي مدة العقوبة لاشتراكه في نشاط لإعادة وإحياء جماعة الإخوان المسلمين مع مجموعة على رأسها الأستاذ أحمد سيف الإسلام بن الشهيد حسن البنا، كما يزعم طواغيت العصر المعادون للإسلام والمحاربون للدعاة في كل عصر ومصر.
غفر الله لنا ولأخينا الأستاذ أحمد أنس الحجاجي والأستاذ الشهيد حسن البنا، ووفق أخانا سيف الإسلام البنا في خطاه لتثبيت دعائم الحق، والتمكين لدين الإِسلام، في بلد الإِسلام {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (يوسف: 21)، والله أكبر ولله الحمد.
وسوم: العدد 808