شاعر الخمرة والمجون أبو نواس
أبو نواس أو الحسن بن هانئ الحكمي الدمشقي شاعر عربي من أشهر شعراء العصر العباسي. يكنى بأبي علي وأبي نؤاس والنؤاسي. وعرف أبو نواس بشاعر الخمر.
هو أبو علي الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس، ولد في أهواز من بلاد خوزستان جنوب غربي إيران سنة 146هـ /763م ) لأب دمشقي حكمي وأمٍ فارسية واسمها جُلبان، والمرجح أن والده كان من جند مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية في دمشق.
بعد هزيمة مروان في معركة الزاب الأعلى، انتقلت أسرة الشاعر إلى البصرة، والطفل أبو نواس في الثانية من عمرهِ، وقيل في السادسة، وما لبث أن مات أبوهُ، فأسلمته أمه إلى الكتّاب، ثم إلى عطار يعمل عنده أجيراً، يبري عيدان الطيب.
توفي والده فانتقلت به أمه من أهواز إلى البصرة في العراق، وهو في السادسة من عمره، وعندما أيفع وجهتهُ إلى العمل في حانوت عطار وحين آلت الخلافة إلى بني العباس، انتقل من البصرة إلى الكوفة، ولم تذكر لنا كتب التاريخ سبب ذلك، غير أنه التقى والبة بن الحباب الأسدي الكوفي أحد الشعراء اللامعين في ميدان الخلاعة والتهتك، فعني به والبة أي عناية، إذ عمل على تأديبهِ وتخريجهِ. وصحب جماعةً من الشعراء الماجنين كمطيع بن إياس وحماد عجرد. ثم انتقل إلى بادية بني أسد فأقام فيهم سنةً كاملةً آخذاً اللغة من منابعها الأصيلة. ثم عاد إلى البصرة وتلقى العلم على يد علمائها أدباً وشعراً.
وعندما توفي والده تلقفه شيخ من شيوخ اللغة والأدب والشعر، هو خلف الأحمر، فأخذ عنه كثيراً من علمهِ وأدبه، وكان له منه زاد ثقافي كبير، حتى أنه لم يسمح له بقول الشعر حتى يحفظ جملة صالحة من أشعار العرب ويقال: إن أبا نواس كلما أعلن عن حفظه لما كلفه به، كان خلف يطلب إليه نسيانها، و في هذا لون رفيع من ألوان التعليم، حتى لا يقع هذا الشاعر الناشئ في ربقة من سبقه من الشعراء المتقدمين و قد روي عن أبي نواس قوله: "ما ظنكم برجل لم يقل الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة من العرب منهن الخنساء و ليلى الأخيلية فما ظنكم بالرجال؟".
وما كاد أبو نواس يبلغ الثلاثين، حتى ملك ناصية اللغة والأدب، وأطل على العلوم الإسلامية المختلفة، من فقه وحديث ، ومعرفة بأحكام القرآن، وبصر بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وما أن تم لابن هاني هذا القدر من المعرفة حتى طمح ببصره إلى بغداد، عاصمة الخلافة، ومحط آمال الشعراء. ولكن نظرة سريعة في ديوانه تجد غلبة الخمر عليه، للحد الذي جعله يفضلها على كل شيء.
ولم يقتصر طلبه العلم على الشعر والأدب بل كان يدرس الفقه والحديث والتفسير حتى قال فيه ابن المعتز في كتابه ’طبقات الشعراء‘ : "كان أبو نواس ٍ عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحب حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه".
وفي البصرة شغف أبو نواسٍ بجاريةٍ تدعى جَنان، وغناها بشعرٍ كثيرٍ يعبر عن عمق شعوره نحوها. وقد قصد أبو نواسٍ بغداد وامتدح هارون الرشيد ونال مكانةً مرموقةً لديه، ولكنه ـ أي هارون الرشيد ـ كان كثيراً ما يحبسه عقاباً له على ما يورد في شعره من المباذل والمجون. وقد أطال الرشيد حبسه حتى عفا عنه بشفاعةٍ من البرامكة الذين كان أبو نواسٍ قد اتصل بهم ومدحهم. ولعل صلته الوثيقة بهم هي التي دفعته إلى الفرار حين نكبهم الرشيد فيما عرف فيما بعد بنكبة البرامكة.
ذهب أبو نواسٍ إلى دمشق ثم إلى مصر متجهاً إلى الفسطاط، عاصمتها يومذاك، واتصل بوالي الخراج فيها الخصيب بن عبد الحميد فأحسن وفادته وغمره بالعطاء فمدحه بقصائد مشهورة.
توفي هارون الرشيد وخلفه ابنه الأمين، فعاد أبو نواسٍ إلى بغداد متصلاً به، فاتخذه الأمين نديماً له يمدحه ويُسمعه من طرائف شعره. غير أن سيرة أبي نواسٍ ومجاهرته بمباذله جعلتا منادمته الأمين تشيع بين الناس. وفي نطاق الصراع بين ابني الرشيد ، الأمين والمأمون ، كان خصوم الأمين يعيبون عليه اتخاذ شاعرٍ خليعٍ نديماً له، ويخطبون بذلك على المنابر ، فيضطر الأمين إلى حبس شاعره. وكثيراً ما كان يشفع الفضل بن الربيع له لدى الخليفة فيخرجه من سجنهِ. وعندما توفي الأمين رثاه أبو نواسٍ بقصائد تنم عن صدق عاطفته نحوه.
لم يلبث أبو نواسٍ أن توفي في عام ( 195هـ / 810م )، قبل أن يدخل المأمون بغداد، وقد أختلف في مكان وفاته أهي في السجن أم في دار إسماعيل بن نوبخت. وقد أختلف كذلك في سبب وفاته وقيل إن إسماعيل هذا قد سمهُ تخلصاً من سلاطة لسانهِ. وذكر الخطيب البغدادي، صاحب كتاب تاريخ بغداد، في الجزء السابع، صفحة 448، إن الشاعر أبو نؤاس دفن في مقبرة الشوينزية في الجانب الغربي من بغداد عند تل يسمى تل اليهود وهي مقبرة الشيخ معروف حالياً.
قصة رؤية أصحابه له في المنام
وقد رآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك ؟
فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس:
تفكر في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات ... بأبصار هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
وفي رواية عنه أنه قال:
غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي فجاؤوا فوجدوها برقعة في خطه:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يرجو المسيء المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك ثم أني مسلم
أسلوبه:
أهم ما في شعر أبي نواس, "خمرياته التي حاول أن يضارع بها الوليد يزيد أو عدي بن يزيد بطريق غير مباشر الذين اتخذهما مثالاً له. وقد حذا بنوع خاص حذو معاصره حسين بن الضحاك الباهلي الذي لا شك أننا لا نستطيع أن نجد بينه وبين أبي نواس فوارق روحية.
أما مدائحه فتبدو فيها الصناعة بوضوح قليلة القيمة.
أما رثاؤه فتجد فيها عاطفة عميقة وحزناً مؤثرا يجعلنا نفتقر بعض ما فيها من نقائص كالتكفل في اللغة والمبالغة المعهودة في الشرق.
أما في أشعاره الغزلية ففيها من العاطفة والشاعرية الصادقة بقدر ما فيها من الإباحية والتبذل.
ويجب أن نذكر إلى جانب زهدياته أشعاره عن الصيد التي تبدو مبتكرة عند النظرة الأولى ولمن لا بد أن له في هذا الضرب من الشعر أسلافا نسج على منوالهم.
ديوانه:
لقد جمع ديوان أبي نواس كثيرون منهم الصولي المتوفى عام 338هـ/946م، جمعه في عشرة فصول.
آراء بعض الرواة في شعر أبي نواس:
كان أبو عبيدة يقول:
(ذهبت اليمن بجيد الشعر في قديمه وحديثه امرئ القيس في الأوائل، و أبي نواس في المحدثين).
قال عبيد الله بن محمد بن عائشة:
(من طلب الأدب فلم يرو شعر أبي نواس فليس بتام الأدب).
وكان يقال: شعراء اليمن ثلاثة, امرؤ القيس و حسان بن ثابت وأبو نواس.
كما قال أبو نواس عن نفسه:
(لو أن شعري يملأ الفم ما تقدمني أحد).
وقال أيضا:
(أشعاري في الخمرة لم يقل مثلها، وأشعاري في الغزل فوق أشعار الناس، وأجود شعري إن لم يزاحم غزلي, ما قلته في الطرد - الصيد -).
أبو نواس " شاعر الخمر غير منازع"، والخمر عروس شعره الحقيقية، وفيها تجلت عبقريته المجددة التي رفعته فوق السابقين واللاحقين، فكان من أشهر من قالوا فيها، وقد جعل لها في الأدب العربي بابا مستقلا كاملا. حيث قال:
أثْـنِ علـى الـخَمْـرِ بآلائِهـا ... وَسَمِّهـا أحـسَـنَ أسْمـائِهَـا
لا تـجْعَـلِ الـماءَ لَهـا قاهـراً ... وَلا تُسَلّطْهـا عـلـى مَـائِهَـا
وقال أيضاً:
الشُربُ في ظُلَّـةِ خَمّـارِ ... عِندي مِنَ اللَذّاتِ يا جاري
لا سِيَّمـا عِنـدَ يَهودِيَّـةٍ ... حَوراءَ مِثلَ القَمَرِ الساري
تَسقيكَ مِن كَفٍّ لَها ... رَطبَةٍ كَأَنَّهـا فِلـقَـةُ جُـمّـارِ
حَتّى إِذا السُكرُ تَمَشّى بها ... صارَ لَها صَولَـةُ جَبّـارِ
وسوم: العدد 818