شهادة عن حسن البنا
(أبو الحسن الندوي)
وشهادته عن (حسن البنا)
الإمام الشهيد حسن البنا |
الشيخ علي أبو الحسن الندوي |
(... عرف فضل هذه الشخصية التي قفزت إلى الوجود، وفاجأت مصر ثم العالم العربي والإسلامي كله بدعوتها وتربيتها وجهادها، وقوتها الفذة التي جمع الله فيها مواهب وطاقات، قد تبدو متناقضة في عين كثير من علماء النفس والأخلاق، ومن المؤرخين والناقدين: هي العقل الهائل النير، والفهم المشرق الواسع، والعاطفة القوية الجياشة، والقلب المبارك الفياض، والروح المشبوبة النضرة، واللسان البليغ، والزهد والقناعة – دون عنت – في الحياة الفردية، والحرص وبعد الهمة - دونما كلل– في سبيل نشر الدعوة والمبدأ، والنفس الولوعة الطموح، والهمة السامقة الوثابة، والنظر النافذ البعيد، والإباء والغيرة على الدعوة، والتواضع في كل ما يخص النفس.. تواضعاً يكاد يجمع الشهادة عليها عارفوه، حتى لكأنه – كما حدثنا كثير منهم – مثل رفيف الضياء: لا ثقل ولا ظل ولا غشاوة.
وقد تعاونت هذه الصفات والمواهب في تكوين قيادة دينية اجتماعية، لم يعرف العالم العربي وما وراءه قيادة دينية سياسية أقوى وأعمق تأثيراً أو أكثر إنتاجاً منها منذ قرون، وفي تكوين حركة إسلامية يندر أن تجد – في دنيا العرب خاصة – حركة أوسع نطاقاً وأعظم نشاطاً، وأكبر نفوذاً، وأعظم تغلغلاً في أحشاء المجتمع، وأكثر استحواذاً على النفوس منها.
وقد تجلت عبقرية الداعي مع كثرة جوانب هذه العبقرية ومجالاتها – في ناحيتين خاصتين لا يشاركه فيهما إلا القليل النادر من الدعاة والمربين والزعماء والمصلحين.
أولاهما: شغفه بدعوته وإيمانه واقتناعه بها وتفانيه فيها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله، وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة والقادة الذين يجري الله على أيديهم الخير الكثير.
والناحية الثانية: تأثيره العميق في نفوس أصحابه وتلاميذه، ونجاحه المدهش في التربية والإنتاج: فقد كان منشئ جيل، ومربي شعب، وصاحب مدرسة علمية فكرية خلقية، وقد أثر في ميول من اتصل به من المتعلمين والعاملين، وفي أذواقهم، وفي مناهج تفكيرهم، وأساليب بيانهم ولغتهم وخطاباتهم، تأثيراً بقي على مر السنين والأحداث، ولا يزال شعاراً وسمة يعرفون بها على اختلاف المكان والزمان.