الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري (1899 -1997م) شاعر العرب في العصر الحديث، وهو من العراق ولد في النجف، كان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف، أراد لابنه أن يكون عالماً دينيا، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة. يرجع أصول الجواهري إلى عائلة تُعرف بآل الجواهر، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والذي ألّف كتاباً في الفقه واسم الكتاب "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام " ومنه جاء لقب الجواهري. قرأ القرآن وهو في سن مبكرة ثم أرسله والده إلى مُدرّسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة والنحو والصرف والبلاغة والفقه. وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان أبو الطيب المتنبي
نظم الشعر في سن مبكرة وأظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر، كان في أول حياته يرتدي لباس رجال الدين، واشترك في ثورة العشرين عام 1920م ضد السلطات البريطانية.
صدر له ديوان "بين الشعور والعاطفة" عام (1928م). وكانت مجموعته الشعرية الأولى قد أعدت منذ عام (1924م) لتُنشر تحت عنوان "خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح". ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة، ثم ترك العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الفيصلي وراح يعمل بالصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد ، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة (الفرات) وجريدة (الانقلاب) ثم جريدة (الرأي العام) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين.
استقال من البلاط سنة 1930م، ليصدر جريدته (الفرات) ثم ألغت الحكومة امتيازها وحاول أن يعيد إصدارها ولكن بدون جدوى، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة 1931م في مدرسة المأمونية، ثم نقل إلى ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير. في أواخر عام 1936م أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي لكنه سرعان ما بدأ برفض التوجهات السياسية للانقلاب فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً.
بعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام)، ولم يتح لها مواصلة الصدور، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة. لما قامت حركة مارس 1941م أيّدها وبعد فشلها غادر العراق مع من غادر إلى إيران، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته (الرأي العام). انتخب رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيباً للصحفيين، واجه مضايقات مختلفة فغادر العراق عام 1961م إلى لبنان ومن هناك استقر في براغ سبع سنوات، وصدر له فيها في عام 1965م ديوان جديد سمّاه " بريد الغربة ".
عاد إلى العراق في عام 1968م وخصصت له حكومة الثورة راتباً تقاعدياً قدره 150 ديناراً في الشهر، في عام 1973م رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس. تنقل بين سورية، ومصر، والمغرب، والأردن، ولكنه استقر في دمشق بسورية ونزل في ضيافة حافظ الأسد. كرمه حافظ الأسد بمنحه أعلى وسام في البلاد، وقصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد) تعتبر من أفضل قصائده، تجول في عدة دول ولكن كانت إقامته الدائمة في دمشق التي أمضى فيها بقية حياته حتى توفي عن عمر قارب المئة سنه، ومن قصائده الرائعة قصيدة عن دمشق وامتدح فيها حافظ الأسد، (سلاما أيها الأسد..سلمت وتسلم البلد). (أستغرب كيف يكون مثل هذا الشاعر الذي ترك بلاده هرباً من الظلم يلجأ إلى ظالم يفوق ظالم بلده؟!).
(شاعر العرب)، اللقب الذي استحقه بجدارة في وقت مبكر في حياته الشعرية، وارتضاه له العرب أينما كان وأينما كان شعره، رغم أن الساحة العربية كانت مليئة بالشعراء الكبار في عصره. فقد حصل على هذا اللقب عن جدارة تامة وإجماع مطلق.
إن أهم ميزة في شعر الجواهري أنه استمرار لتراث الشعر العربي، ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إنه لم يظهر بعد المتنبي شاعر مثل الجواهري، وهذه قناعة العرب جميعاً. قارئين ونقاداً وباحثين. وفي الوقت ذاته واكب الحركة الوطنية العربية، وعبر في شعره عنها، وقدم لها قصائد ستظل خالدة. بالرغم من قصائده المطولة التي وصلت إلى أكثر من 100 بيت، لا تجد فيها غير الجيد من الشعر، فكله على وجه التقريب من أسمى الشعر العربي وأقومه مادة ولغة وأسلوبا، وهي كذلك في أعلى مدارج الإبداع، وأرقى مراقي الفن.
لهذا طبع شعر الجواهري في ذهن الناشئة من كل جيل مفاهيم وقيماً شعرية إنسانية لا تزول. أما التجديد في شعره فجاء مكللاً بكل قيود الفن الرفيع من وزن وقافية ولغة وأسلوب وموسيقى وجمال وأداء.
توفي الجواهري في إحدى مشافي العاصمة السورية دمشق سنة 1997م عن عمر يناهز الثامنة والتسعين.
وسوم: العدد 840