المجاهد الصامت عبد الله سلطان الكليب
(1343 - 1410ه / 1925 - 1990م)
معرفتي به
عرفتُ الأخ الكريم المجاهد الداعية عبد الله سلطان الكليب عن طريق إخواني الزملاء من الطلبة الكويتيين الذين التقيتهم أوائل الخمسينيات أثناء الدراسة الجامعية بمصر، فقد حدّثوني عن نشاطه الإسلامي في الكويت وسعيه مع إخوانه لتقديم العون للمحتاجين ووقوفه بجانب المظلومين وغيرته على حرمات الدين ومقدساته.
ولقد زرت الكويت بعد ذلك سنة 1955م، ثم 1958م، ثم عام 1959م حيث استقرّ مقامي بها إلى عام 1986م فتوثقت صلتي به وبإخوانه، وعملت معهم في حقل الدعوة الإسلامية داخل الكويت وخارجها.
صفاته ومواقفه
كان (رحمه الله) كريم النفس يبذل بسخاء في مواطن الخير، ويسعى في قضاء حوائج إخوانه المسلمين، ويشفع لمن يستحق الشفاعة، ويقول كلمة الحق لا يخاف لومة لائم، وهو مقدام شجاع لا يتردد في مواقف الرجولة ينجد الملهوف، ويقف بجانب الضعيف، ويؤثر أخوّة الدين على أخوّة الطين؛ لأنه يؤمن بأن جنسية المسلم هي عقيدته، وليس ثمة شيء يعلو عليها أو يتقدمها، وهو يعرف لأصحاب السابقة والفضل سبقهم وفضلهم ويذكرهم بالخير ويدعو لهم.
وكان صاحب همة ونشاط، ينافس إخوانه العاملين في الحقل الإسلامي، من أجل رفع راية الإسلام وإعلاء كلمته وتطبيق شريعته والوقوف إلى جانب إخوانه المسلمين في بقاع الأرض.
يلقاك ببشاشة الوجه وطيب الكلام ودماثة الخلق ويحدّثك ببساطة ويكثر من الدعابة والطرافة لإدخال السرور على روّاد مجلسه.
وكانت بيني وبينه زيارات متبادلة، وكان يحضر الندوة الأسبوعية مساء الجمعة، ويشارك الإخوة الحاضرين في موضوعاتها ويدلي بدلوه في الحوار والنقاش على ضوء تجاربه في العمل الدعوي.
وكان شديد الوطأة على الأنظمة الظالمة والطغاة المستبدين الذين يحاربون الإسلام ودعاته، ويضيِّقون على شعوبهم بقطع الأعناق والأرزاق، إرضاء لشهواتهم وطاعة لسادتهم المستعمرين، وكان يكرر القول بأن الأمة المسلمة لا بد أن تلتقي على القواسم المشتركة، وأن يتعاون الدعاة إلى الله في كل مكان، ليكونوا في خندق واحد للتصدي لدعاة الباطل، وأعوان الشرق والغرب في الداخل والخارج الذين ينطلقون في حربهم للإسلام والمسلمين عن قوس واحدة لأن الكفر ملة واحدة، وأنه ليس كالتربية الروحية والعناية ببناء الرجال من وسيلة للصمود أمام هذا الطوفان من الأفكار الوافدة، والنظريات الهدامة، والأخلاق والعادات المستوردة، التي تصادم عادات المسلمين وتقاليدهم وأخلاقهم وقيمهم، وأن منهج الإخوان المسلمين التربوي الذي أرسى قواعده الإمام الشهيد حسن البنا هو المنهج الأمثل لبناء الجيل الجديد وتربية الرجال المؤمنين لأنه منهج مستقى من الكتاب والسُّنَّة، وقد أثبتت التجربة صلاحيته وصمود نماذجه من دعاة الإخوان المسلمين في كل مكان وفي جميع المواقع أمام كل المحن والابتلاءات التي تعرضوا لها من الطغاة المتعاقبين في أكثر من قُطر.
يقول الكاتب السعودي والصحفي الكبير مؤسس جريدة «عكاظ» الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار في كلمة نشرها بجريدة (المسلمون) بتاريخ 26 رمضان 1407ه:
«... رحم الله شهيد الإسلام الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدهم العام وطيب الله ثراه وأنزله الفردوس الأعلى وعوَّض عنه بني الإسلام خيرًا، ونفع بجهاده الصادق وجهوده المباركة المستمرة.
لقد كان من صفات الإمام الشهيد العظيمة الجمة تربيته الدعاة إلى الله ودفعهم إلى المزيد من البذل مما وهب الله لهم من الخير والفضل.
لقد دأب الاستعمار على الوقوف في وجه كل حركات الإسلام والإيحاء للحكام بأن هذه الحركات تهديد لهم ومنها حركة الإمام الشهيد حسن البنا زعيم حركة الإخوان المسلمين في مصر حتى استشهد رضي الله عنه، واضطهد غير مرة قبل التخلص منه، وما زالوا بحركة الإخوان المسلمين ظلمًا واضطهادًا فسجنوا الآلاف وقتلوا المئات وشردوا آلاف الأُسر وكان من أبرز الشهداء: الفقيه الكبير عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، والمحامي إبراهيم الطيب، ويوسف طلعت، وسيد قطب، وعبد الفتاح إسماعيل، ومحمد هواش، وغيرهم رحمهم الله رحمة واسعة» انتهى.
تأسيس جمعية الإرشاد
إن الأخ عبد الله الكليب كان له الدور الأساس في تأسيس جمعية الإرشاد الإسلامي، فقد عُقد الاجتماع الأول التحضيري في ديوانيته سنة 1952م بحضور الإخوة: محمد العدساني، عبد الرزاق العسكر، علي الجسار، عبد العزيز العلي المطوع، عبد الرزاق الصالح المطوع، خالد العيسى، وغيرهم فكانت ثمرة هذا الاجتماع تأسيس هذه الجمعية المباركة التي قدّمت الصورة المشرقة المضيئة عن الكويت وأهل الخير فيها وسعيهم الدؤوب لنصرة الإسلام والمسلمين في كل مكان وزمان.
وقد بادرت الجمعية لتشكيل وفد ضم الحاج عبد الرزاق الصالح المطوع وعبد الله سلطان الكليب وآخرين للسفر إلى الأردن وتقديم العون والمساعدات المالية والعينية من الخيام والملابس والأغذية إلى إخواننا اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم بالأردن عام 1952م، مما كان له أطيب الأثر في نفوس إخواننا الفلسطينيين الذين وجدوا الإخوان المسلمين معهم متطوعين في ميدان الجهاد والقتال سنة 1948م، ومتطوعين في مجال العون والإغاثة في المجتمعات وتلك أخوّة الإسلام الحقة.
لقد ساهمت جمعية الإرشاد الإسلامي في أنشطة مختلفة داخل الكويت وخارجها، واستقطبت أعدادًا ضخمة من رجال الكويت وشبابها فانتظم في صفوفها الخيّرون من أبنائها أمثال: عبد الرحمن العتيقي، خالد الجسّار، محمد بودي، يوسف الرفاعي، عبد الله العلي المطوع، غانم الشاهين، عبد الرحمن الدوسري، أحمد الغنام، عبد الرحمن الولايتي، خالد الرويشد، سعود السميط، يعقوب الغنيم، عبد الرحمن المجحم، وغيرهم كثيرون لا تحيط بهم الذاكرة، وقد لقيت الجمعية القبول لدى المسؤولين وأعيان الكويت فضلًا عن عامة الناس، فانتشرت دعوتها، وتوسَّع نشاطها، بحيث شمل جميع المناطق ومختلف الطبقات، وصار شباب الجمعية كالشامة في جبين الكويت لصدقهم وإخلاصهم وخلقهم ووفائهم وبذلهم وعطائهم وجهدهم وجهادهم، فصدرت مجلة الإرشاد الإسلامي، وقامت مدرسة الإرشاد الإسلامي، وفتحت مكتبة الإرشاد الإسلامي ومركز الشباب الرياضي والثقافي، وأقيمت الندوات والمحاضرات والدروس والحفلات والكتائب والرحلات والمخيمات والمعسكرات الكشفية، وانتشرت الكتب الإسلامية والأناشيد الحماسية، وتحفيظ القرآن الكريم وقيام الليل وصيام الاثنين والخميس، وقيام شباب الجمعية برحلات إلى العراق وسورية ولبنان والأردن والحج والعمرة، واستضيف العديد من الدعاة لزيارة الكويت وإلقاء المحاضرات فيها فقد زارها البشير الإبراهيمي ومحمد عبد الرحمن خليفة وكامل الشريف وعبد الحكيم عابدين وسعيد رمضان ومحمد محمود الصواف وغيرهم من الدعاة في أنحاء العالم الإسلامي.
نصرة القضية الفلسطينية
وصارت الكويت رغم صغر حجمها وقلة عدد سكانها مصدر إشعاع للدعوة الإسلامية، ومقصد الكثير من العاملين في الحقل الإسلامي، حيث يجدون عند الصالحين من أهلها، كل الحب والتقدير والإجلال والاحترام والمؤازرة والمناصرة، بل كانت الكويت من الدول السباقة في نصرة الجهاد الإسلامي سنة 1936م بفلسطين حين زارها وفد من الشام يضم (كاظم الصلح وفخري البارودي) مناشدين الكويتيين نصرة إخوانهم الفلسطينيين، فتشكلت لجنة من: يوسف أحمد الغانم، نصف يوسف النصف، سلطان الكليب، لجمع التبرعات وتقديم العون للمجاهدين الفلسطينيين، وهو الذي فعله الإخوان المسلمون بمصر في الوقت نفسه، ذكر ذلك أديب العربية بلا منازع الأستاذ الكبير مصطفى صادق الرافعي في كتابه (وحي القلم) الجزء الثاني تحت عنوان (قصة الأيدي المتوضئة).
وكذا فعل أهالي الزبير في العراق عندما زارهم الوفد المكوَّن من سماحة الحاج محمد أمين الحسيني، ومحمد علي علوبة باشا عام 1936م لجمع التبرعات، حيث شكَّلوا لجنة من (حمد الذكير، محمد العقيل، حمد البسام، أحمد العنيزي) لنجدة إخوانهم المجاهدين الفلسطينيين.
وحين انطلقت (فتح) لإعلان الجهاد ضد اليهود بفلسطين، سارع الخيِّرون من أهل الكويت لنصرتها، ولما تركت الجهاد وركنت للاستسلام لليهود وصدَّقت عهودهم ومواثيقهم، انفض الناس عنها وتركوها.
ميلاده وحياته ودراسته
إن الأخ الكريم عبد الله سلطان الكليب من الأسر العريقة في الكويت، وكان والده سلطان الكليب عضوًا في أول مجلس للمعارف سنة 1936م ومديرًا للبلدية ومديرًا للمكتبة الأهلية وكان الابن بارًا بأبيه مطيعًا له.
وقد ولد الأخ عبد الله الكليب 1925م بالحي القبلي بالكويت، ودرس في مدرسة الشيخ محمد العجيري، ثم في مدرسة الشيخ أحمد الخميس، ثم في مدرسة إبراهيم العريض بالبحرين، ثم في مدرسة المباركية بالكويت، كان من أساتذته فيها الأستاذ سيد عمر والأستاذ عبد الملك الصالح المبيض وأخيرًا في مدرسة الأحمدية، ثم مارس الأعمال الحرّة، وتقلد بعض الوظائف الحكومية، وكان آخرها وكيل وزارة البريد والبرق والهاتف.
وظل الأستاذ عبد الله الكليب على وفائه للإسلام والتزامه بالحركة الإسلامية حتى بعد حل الجمعيات والأندية 1958م؛ بسبب الخطاب الذي ألقاه أحمد سعيد مذيع «صوت العرب» في الكويت الذي خرج فيه عن الأدب، وحاول إحداث الفتنة بين أهل الكويت وولاة الأمر، ولكن الله قدَّر ولطف، حيث تدارك العقلاء الأمر وطُرد أحمد سعيد من البلاد.
لقد عاش الأخ «أبو سلطان» بقية حياته عازفًا عن الدنيا مقبلًا على الآخرة مكثرًا من الصيام، وخاصة يومي الاثنين والخميس، مجتمعًا مع النخبة من خلصاء إخوانه كل أسبوع، يتدارسون شؤون المسلمين ويعيشون قضاياهم ومشكلاتهم ويسهمون قدر المستطاع، في تخفيف الآلام عن المصابين وإقالة عثرات الكرام من المحتاجين، والإصلاح بين المتخاصمين والتعاون على البر والتقوى وتحقيق التكافل بين العاملين للإسلام وشد أزرهم ونصرتهم على أعدائهم، ولستُ أنسى له مواقفه النبيلة التي ساعد فيها إخوانه المسلمين في تقلد الكثير من المناصب والوظائف بحكم الكفاءة والاستقامة والنزاهة والإخلاص في العمل وأداء الواجب.
حبه للجهاد
كنت وإياه في زيارة سماحة الحاج محمد أمين الحسيني أثناء إقامته بلبنان، وكان الحديث كله عن الجهاد وضرورته ودور الشباب المسلم في حمل رايته، بعد أن تخلى عنه الحكام وساروا في ركاب المستسلمين، وكان الأخ الكليب شعلة من الحماس يتحرَّق لإحياء فريضة الجهاد وينادي بإصرار وعزم على تبني هذا الخط، فليس لأعداء الله اليهود من علاج إلا القوَّة، وقد زار جماعة عباد الرحمن في لبنان وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن وسورية والعراق والتقى الكثير من قادتها وشبابها وتوثقت صلاته بهم.
آخر حديث له
وفي آخر حديث صحفي له مع جريدة القبس الكويتية بعددها المرقم 6331 بتاريخ 23/12/1989م قال الكليب:
«.... لقد أسسنا جمعية الإرشاد الإسلامي سنة 1952م كجمعية إسلامية خيرية، وبدايتها عقد اجتماع في ديواننا بحضور عدد من الإخوة منهم: محمد العدساني وعبد الرزاق العسكر، وعلي الجسار، وخالد العيسى وآخرون.... وأذكر أن الأخ عبد العزيز العلي المطوِّع اصطحب معه ذلك العام وفدًا من مصر وبدأنا النقاش معه حول تأسيس هذه الجمعية بالكويت فتم الاتفاق وأسسناها، وكانت جمعية لمساعدة المحتاجين، بدأنا بتعليم من فاتهم التعليم في محو الأمية وأقبل الكثير على الفصول التي فتحناها في ذلك الوقت، كما قمنا بجمع تبرعات وخيام ومواد غذائية لمساعدة الفدائيين في الأراضي الأردنية والسورية آنذاك....» انتهى.
ذلك هو الأخ الحبيب والمجاهد الصامت والداعية المسلم عبد الله سلطان الكليب وتلك نبذة عن سيرته وجهاده داخل الكويت وخارجها ذكرتها وفاءً له ودرسًا للجيل الجديد.
رحمه الله رحمة واسعة وتقبَّله في الصالحين من عباده وحشرنا وإياه مع النبيين، والصديقين، والشهدا،ء وحسن أولئك رفيقًا.
وسوم: العدد 870