عابد البصرة وزين الفقهاء: محمد بن واسع الأزدي
سلسلة من أعلام التابعين ...
نحن الآن في سنة سبع وثمانين للهجرة .
وهذا مفخرة المسلمين البطل الفاتح قتيبة بن مسلم الباهلي يعقد العزم على أن يفتح ماتبقى من بلاد ماوراء النهر وأن يغزو الصين ، وتدفقت جموع المقاتلين لصدّ الجيش الإسلامي ، وسدّوا في وجوهه الطرق .
فعسكر قتيبة قرب مدينة بيكند ( إحدى مدن ماوراء النهر ) واستمر في حيرة من أمره أكثر من شهرين متتابعين لايدري : أيُحجم أم يُقدم ؟
وصدرت التوجيهات إلى الولاة في الأمصار بأن يُدعى لجند المسلمين إثر كل صلاة .
هبّ لنجدة الجيش خلق كثير وكان يتقدمهم التابعي الجليل محمد بن واسع الأزدي الإمام الرباني القدوة .
وتصافّ الجيشان ورأى المسلمون من كثرة عدوهم ماملأ نفوسهم خشية منه ورعبا ، فجعل قتيبة يطوف بين الكتائب ويشحذ الهمّم ويشد العزائم .
ثم التفت وقال :
أين محمد بن واسع الأزدي ؟
قالوا : أنه هناك في الميمنة متكئ على رمحه شاخص ببصره يحرك إصبعه نحو السماء ، أفنناديه أيها الأمير ؟
قال : بل دعوه .
وقال : والله إن تلك الإصبع أحب إليّ من ألف سيف شهير يحملها ألف شاب طَرير .
اتركوه يدعو ...
فما عرفناه إلا مستجاب الدعاء .
التقى الجمعان ، فأنزل الله على قلوب المسلمين السكينة ، وما أن أقبل الليل حتى زلزل الله أقدام المشركين وقذف في قلوبهم الرعب ، فمنحوا ظهورهم للمسلمين ، فركبهم المجاهدون قتلا وأسرا وتشريدا .
وكان ينادي :
ياخيل الله اركبي
ياخيل الله اركبي
ولا غرو فهو أحد الأعلام إذ حدّث عن أنس بن مالك وعمير الليثي ومحمد بن سيرين وغيرهم .
وكان قواد المسلمين المنتشرون في أرجاء المعمورة يحرصون أشد الحرص على أن يكون عابد البصرة في عِداد جيشهم وكانوا يستبشرون بوجوده معهم خيرا كثيرا ، ويرجون الله عز وجل أن يهبهم النصر بصالح دعواته .
لم تقتصر صلة محمد بن واسع الأزدي على قتيبة وإنما امتدت إلى غيره من الولاة والأمراء ، فله مع والي البصرة بلال بن أبي بردة مواقف مشهورة وأخبار مأثورة ،
ودعي لتولي منصب القضاء أكثر من مرة فأبى ذلك أشد الإباء .
كان مجلس محمد بن واسع في مسجد البصرة موئلا لطلاب العلم ومنهلا لِشداة الحكمة والموعظة ، وكان يحض طلابه على التزام كتاب الله عز وجل ويقول :
القرآن بستان المؤمن فأينما حلّ منه نزل في روضة .
بلغ محمد بن واسع من التقى والورع مبلغا عظيما وعاش حياته في خوف من ذنوبه ، فإذا قيل من أفضل أهل البصرة ؟
قيل : محمد بن واسع الأزدي .
لما مرض مرض الموت أخذ يدعو ويقول :
اللهم إني أستغفرك من كل مقعد سوء قعدته .
ومن كل مدخل سوء دخلته .
ومن كل مخرج سوء خرجته .
ومن كل قول سوء قلته .
اللهم أستغفرك من ذلك كله ، فاغفره لي .
ثم فاضت روحه .
رحمه المولى .
تاريخنا ظفر بهؤلاء الأفذاذ من روائع الرجال فهل يعود ؟
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
وسوم: العدد 873