سلسلة أهل العلم الحلقة ( 3 ) التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه
هو عطاء بن أبي رباح ، مولى آل أبي خيثم ، الفهري القرشي ، واسم أبي رباح : أسلم ، ولد بالجَندَ (بلدة باليمن) وكان مولده سنة سبع وعشرين ، أثناء خلافة عثمان بن عفان، ولما سُئِل عن موعد مولده قال: لعامين خَلَوا من خلافة عثمان . وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلاً ، لم يكن له فراش إلا المسجد الحرام إلى أن مات.
تلقى عطاء بن أبي رباح رحمه الله العلم على يد ثُلة من الصحابة رضوان الله عليهم ؛ منهم : عبد الله بن عباس حبر الأمة ، وتعلم على يد عبد الله بن عمر ، وسمع من أبي هريرة ، ونهل من علم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
قال عطاء بن أبي رَباحٍ: أدركت مائتي نفسٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الإمام: ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7] سمعت لهم رجَّة بآمين؛ (التاريخ الكبير للبخاري ).
حرصه على مصالح الناس وجرأته في طلب الحق
دخل عطاء بن أبى رباح على الخليفة هشام بن عبد الملك، فرحب به وقال : ما حاجتك يا أبا محمد؟ وكان عنده أشراف الناس يتحدثون، فسكتوا ، فذكره عطاء بأرزاق أهل الحرمين وأُعطياتهم..
فقال: نعم ؛ يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاء أرزاقهم ، ثم قال: يا أبا محمد ! هل من حاجة غيرها؟
فقال: نعم ، فذكره بأهل الحجاز ، وأهل نجد ، وأهل الثغور ، ففعل مثل ذلك، حتى ذكره بأهل الذمة أن لا يكلفوا ما لا يطيقون، فأجابه إلى ذلك ، ثم قال له في آخر ذلك: هل من حاجة غيرها ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك، فإنك خلقت وحدك ، وتموت وحدك ، وتحشر وحدك ، وتحاسب وحدك ، لا والله ما معك ممن ترى أحد..
قال: فأكب هشام يبكي ، وقام عطاء. فلما كان عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما ندرى ما فيه، أدراهم أم دنانير؟ وقال: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بهذا، فقال عطاء: {ما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين} ثم خرج ، ولا والله ما شرب عندهم حسوة ماء فما فوقها.
بلغ عطاء بن أبي رباح درجة عالية من العلم، فكان يجلس للفتيا في مكة بعد وفاة حبر الأمة عبد الله بن عباس، ولما قدم ابن عمر مكة فسألوه فقال: أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل وفيكم ابن أبي رباح؟. وكان يعرف عنه أنه لا يريد بعلمه جاهًا أو سلطانًًا، ولم يكن طالبًا بعلمه يومًا مالاً أو شيئًا من متاع الدنيا، بل كان يريد وجه الله عز وجل..... يقول سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله عز وجل غير هؤلاء الثلاثة : عطاء ، وطاووس ، ومجاهد.
قال أبو عاصم الثقفي: سمعت أبا جعفر الباقر (محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) يقول للناس وقد أكثروا عليه : عليكم بعطاء بن أبي رَباحٍ ؛ هو والله خيرٌ لكم مني؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر ).
يقول أسلم المنقري: جاء أعرابي فسأل فأشاروا إلى سعيد بن جبير ، فجعل الأعرابي يقول: أين أبو محمد؟ فقال سعيد بن جبير: ما لنا ها هنا مع عطاء شيء .
قال ابن أبي ليلى: دخلت على عطاء ، فجعل يسألني، فكأن أصحابه أنكروا ذلك، وقالوا: تسأله؟ قال: ما تنكرون؟ هو أعلم مني. قلت: هذا هو التواضع ومعرفة الفضل لأهله.
خوف عطاء بن أبي رباح وخشيته
قال عبد العزيز بن رفيع: سُئل عطاء عن شيء ، فقال: لا أدري، قيل: ألا تقول برأيك ؟ قال: إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي.
وعن الأوزاعي قال : ما رأيت أحدا أخشع لله من عطاء ، ولا أطول حزنًا من يحيى ابن أبي كثير.
زهد عطاء بن أبي رباح
قال عمر بن ذر : ما رأيت مثل عطاء بن أبي رباح، ما رأيت عليه قميصًا قط ، ولا رأيت عليه ثوبًا يساوي خمسة دراهم.
عن ابن جريج قال : كان عطاء بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة ، فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم ، ما يزول منه شيء ولا يتحرك . وعن ابن عيينة قال قلت لابن جريج : ما رأيت مصليًا مثلك ! قال لو رأيت عطاء.
قال عطاء بن أبي رباح : إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام ، وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله سبحانه وتعالى أن تقرأه ، وتأمر بمعروف أو تنهى عن منكر ، أو تنطق بحاجتك في معيشك التي لا بد لك منها ، أتنكرون أن (عليكم حافظين كرامًا كاتبين) (عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) أما يستحيي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أمل صدر نهاره ، فإن أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه.
وفاة عطاء بن أبي رباح
لم يكن له فراش إلا المسجد الحرام ، إلى أن مات رحمه الله ، سنة أربع عشرة ومائة .
وسوم: العدد 876