العلامة الموسوعي علي الطنطاوي فقيه الأدباء وأديب الفقهاء
(1327 - 1420ه / 1909 - 1999م)
مولده وأسرته
هو الأديب العلاّمة علي بن مصطفى بن محمد الطنطاوي، ولد في مدينة دمشق (23/5/1327ه الموافق 12/6/1909م) في أسرة علم ودين، فأبوه وجده من العلماء المعروفين، ومن جهة أمه فإن خاله هو الأستاذ محب الدين الخطيب الكاتب الإسلامي، والصحافي الشهير، والمؤرخ المعروف.
سيرته العلمية والعملية
درس الطنطاوي الابتدائية والثانوية في مدينة دمشق، وعمل في التعليم الابتدائي، وفي المدارس الأهلية، وفي المدارس الحكومية، وفي الصحافة، وارتحل إلى مصر، ودرس في كلية دار العلوم، وكان زميلًا للأستاذ الشهيد سيد قطب، ولكن الطنطاوي لم يتم الدراسة فيها، وعاد إلى دمشق، ودخل معهد الحقوق بدمشق، وتخرج فيه سنة 1933م وظل يعمل في سلك التعليم إلى سنة 1935م، ثم انتقل إلى العراق سنة 1936م للتدريس في الثانوية المركزية في بغداد، ودار العلوم الشرعية بالأعظمية، ثم في المدرسة الثانوية في كركوك، ثم في ثانوية البصرة، وبقي في العراق إلى سنة 1939م، ثم عاد إلى دمشق.
وفي سنة 1941م، التحق بسلك القضاء، حيث عيّن قاضيًا ثم قاضيًا ممتازًا، ثم مستشارًا لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر، وقد أسهم في إعداد قانون الأحوال الشخصية، وتعديل قانون الأوقاف، ومناهج المدارس الثانوية. وفي سنة 1963م، بعد الانقلاب العسكري، وإعلان حالة الطوارئ غادر سورية إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل بكلية الشريعة وكلية اللغة العربية في الرياض، ثم في مكة المكرمة، حيث أمضى بالمملكة العربية السعودية خمسة وثلاثين عامًا، انتهت بوفاته فيها.
وفي هذه الفترة من إقامته في المملكة، درَّس في كلية التربية بمكة المكرمة، ونهض ببرنامج التوعية الإسلامية، وطاف على الجامعات والمعاهد والمدارس في أنحاء المملكة لإلقاء الدروس والمحاضرات، وتفرغ للفتوى والرد على الأسئلة والاستفتاءات من الناس في الحرم المكي، وفي بيته، ثم بدأ في برنامج إذاعي (مسائل ومشكلات) وبرامج تلفازية (نور وهداية) و(رجال من التاريخ) و(على مائدة الإفطار) طيلة ربع قرن.
والطنطاوي له برامج إذاعية منذ أوائل الثلاثينيات، في إذاعة الشرق الأدنى التي كانت تبث من (يافا) وبرامج من إذاعة بغداد سنة 1937م وبرامج من إذاعة دمشق سنة 1942م، وهو من الكتاب والأدباء الذين أسهموا في أكثر من جريدة ومجلة على مستوى العالم العربي، حيث كانت أول مقالة له سنة 1926م في جريدة (المقتبس) ولم ينقطع عن النشر، فكان يكتب في مجلتي (الفتح) و(الزهراء) وجرائد (فتى العرب) و(ألف باء) و(الأيام) التي كان مدير تحريرها، وجريدتي (الناقد) و(الشعب) ومجلة (الرسالة) التي رأس تحريرها حين مرض مؤسسها، و(المسلمون) و(حضارة الإسلام) و(النصر) و(الحج) وفي جريدتي (المدينة) و(الشرق الأوسط).
كما شارك في الكثير من المؤتمرات في البلاد العربية والإسلامية وأوروبا، فضلًا عن المحاضرات والندوات والحلقات الدراسية، وهو من أبرز رموز الدعوة الإسلامية المعاصرة، الذين كان لهم الدور الكبير في الدعوة إلى الله، وإصلاح المجتمع، وهداية الناس إلى طريق الحق، والوقوف في وجه المؤامرات التي يحيكها أعداء الإسلام وتلامذتهم من العملاء والمأجورين ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان، وبخاصة الاستعمار الفرنسي في سورية والجزائر، والاستعمار الإنجليزي والصهيوني في فلسطين.
وكانت له وقفات شجاعة، وتحديات جسورة، جعلت الكثير من الخصوم ينكمشون ويتضاءلون أمام هذا الداعية الصلب في مقارعة الباطل وأهله، في الوقت الذي كان فيه يتبع أسلوب التشويق الجميل الجذاب لهداية الناس وتقريبهم إلى جادة الصواب، وإعانتهم على الالتزام بمنهج الإسلام، عقيدة ونظامًا ومنهج حياة.
وكانت جهوده تشمل ميادين الإصلاح في كل جوانبها التشريعية والسياسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والدعوية والفقهية، ومحاربة البدع والخرافات والعادات والتقاليد البالية التي لا يقرها الشرع، والسلوكيات التي تتنافى مع مبادئ الإسلام وقيمه، ويدعو للاعتزاز باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ويتصدى لأعدائها.
ومن هنا كان الطنطاوي متعدد الجوانب، غزير العطاء، وافر العلم، يقتحم الميادين، ويغوص في غمار المعارك، ويلج كل الأبواب، ليصل إلى الناس، ويسمعهم كلمة الحق، ويعرّفهم بدين الإسلام، ويجمعهم على الخير والتعاون والحب في الله، والعمل في مرضاة الله، وقد مُنح جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1990م.
مؤلفاته
ترك الطنطاوي عدة مؤلفات هي:
- تعريف عام بدين الإسلام.
- صور وخواطر.
- من حديث الناس.
- الجامع الأموي.
- قصص من التاريخ.
- قصص من الحياة.
- أبو بكر الصديق.
- عمر بن الخطاب (جزءان).
- في إندونيسيا.
- في بلاد العرب.
- في سبيل الإصلاح.
- رسائل سيف الإسلام.
- رجال من التاريخ.
- الهيثميات.
- هتاف المجد.
- مباحث إسلامية.
- فصول إسلامية.
- نفحات من الحرم.
- صور من الشرق.
- صيد الخاطر لابن الجوزي (تحقيق).
- فكر ومباحث.
- بشار بن برد.
- مع الناس.
- رسائل الإصلاح.
- مسرحية أبي جهل.
- ذكريات علي الطنطاوي (ثمانية أجزاء).
- أخبار عمر.
- التحليل الأدبي.
- من التاريخ الإسلامي.
- دمشق.
- مقالات في كلمات.
- فتاوى علي الطنطاوي.
- بغداد.. مشاهدات وذكريات.
- حكايات من التاريخ (من أدب الأطفال).
- أعلام التاريخ (سلسلة التعريف بأعلام الإسلام) (سبعة أجزاء).
وله العديد من المقالات، وآلاف الأحاديث الإذاعية والتلفازية، والخطب المنبرية، التي تنتظر طلاب الدراسات العليا، ليجمعوها، وينشئوا عليها دراساتهم ورسائلهم الجامعية.
معرفتي به
كان ابن العم سعود بن عبدالعزيز العقيل من تلامذة الأستاذ علي الطنطاوي في ثانوية البصرة، وكان من المعجبين به، وكانت له حظوة عند الأستاذ الطنطاوي، لتميّزه باللغة والأدب، وقد حببني الأخ سعود في أستاذه وأنا طالب في الابتدائية، بل كان يعطيني مجلة الرسالة لأقرأها وبخاصة مقالات الطنطاوي رغم مستواي العلمي المتواضع، ولكني مع ذلك تعلقت بالطنطاوي وأحببته، وكنت فيما بعد أحرص على قراءة مقالاته وكتبه، وكذا مؤلفات أستاذه الرافعي الذي أحببته من كل قلبي لغيرته على الإسلام كدين، وعلى المسلمين كأمة، وعلى العربية كلغة، وأصبحت أعتبر نفسي من تلامذة هذه المدرسة التي تضم علي الطنطاوي، وسعيد العريان، وعبد المنعم خلاف، ومحمود شاكر، وغيرهم من تلامذة الأستاذ الكبير مصطفى صادق الرافعي.
وكان الأستاذ علي الطنطاوي قريبًا إلى نفسي جدًا، بحكم دعمه للحركة الإسلامية المعاصرة بمصر والشام والعراق، وكتابته عن رجالها، وتعاونه مع العاملين في صفوفها ببلاد الشام، كالدكتور مصطفى السباعي، ومحمد المبارك، وعمر بهاء الدين الأميري وغيرهم.
ولقد كانت له وقفة شجاعة جريئة ضد الطغيان الناصري بمصر الذي حارب الإخوان المسلمين في أرض الكنانة، وسجن الآلاف المؤلفة من رجالهم، وعلق الكثير من قادتهم الأبطال الأفذاذ على أعواد المشانق، وكان «يوم الحداد» يومًا مشهودًا على هؤلاء الشهداء الأبرار، وفي مقدمتهم الشهداء العظام: عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف وغيرهم، فقد سخَّر قلمه بالكتابة في الصحافة عن جرائم الدكتاتور، وكذا أحاديثه الإذاعية، وخطبه ومحاضراته التي أشاد فيها بحركة الإخوان، ومؤسسيها ودعاتها ومجاهديها في مصر وسورية والعراق.
وكان الشيخ علي الطنطاوي هو الفارس المجلي، والبطل الشجاع، والرجل المقدام الذي يواجه الصعاب، ويتحدى قوى البغي والطغيان، دون خوف أو وجل، وقد منحه الله (عز وجل) قوة الحجة، وبلاغة القول، ونصاعة البيان، والذاكرة الحافظة للأحداث والوقائع والتواريخ.
ولقد أكرمني الله بزيارته في مكة المكرمة، حيث كان يسكن بمنطقة العزيزية التي كنت أسكن فيها، أيام كنت أعمل برابطة العالم الإسلامي من سنة 1988م إلى سنة 1996م، وكذا زيارته في مدينة «جدة» بعد أن انتقل إليها سنة 1993م حتى وفاته سنة 1999م.
وفي كل مرة أزوره في مكة المكرمة، أو في مدينة جدة، كان يسألني عن تلميذه سعود العقيل الذي كان أحد طلابه في ثانوية البصرة، رغم مرور هذه السنين الطويلة.
وكنت أسعد بمجالسته، والأنس بأحاديثه، والاستفادة من فيض علمه الغزير في كل شؤون المعرفة، مع الطرافة في الأسلوب، والدعابة في الحديث، والأدب الإسلامي الجم، فضلًا عن برامجه الإذاعية والتلفازية التي عمَّ خيرها الناس جميعًا، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، فكانت الأسر والأفراد والجماعات تترقب مواعيد أحاديثه، وتتلهف لسماعها ومشاهدتها، وتقبل عليها إقبال الظمآن على المورد العذب الزلال.
قالوا عنه
يقول العلاَّمة الشيخ يوسف القرضاوي:
«عرفت الشيخ علي الطنطاوي في بواكير شبابي، حين كنت مشغوفًا بالأدب والشعر، منهومًا بقراءة كتب الأدب وتتبع المجلات الأدبية، وعلى رأسها مجلة (الرسالة) وكان الطنطاوي أحد كتابها المحببين لدي، لنزعته الإسلامية، وسلاسة أسلوبه، وعذوبة منطقه، وبراعة تصويره، وقد أشرف سنة 1949م على تحرير «الرسالة» حين مرض الأستاذ الزيات. وحين تولى التدريس لمادة الثقافة الإسلامية في كلية التربية بالمملكة العربية السعودية، اختار كتاب (الحلال والحرام في الإسلام) مرجعًا للطلاب في هذا المقرر، دون أن يلقاني، ولكنه سمع بي من زملائه من أهل الشام، مثل الشيخ مصطفى الزرقاء، والشيخ محمد المبارك.
لقد كان الطنطاوي مشعلًا من مشاعل الهداية، ونجمًا من نجوم التنوير، ولسانًا من ألسنة الصدق، وداعية من دعاة الحق والخير والجمال، وكان يجمع في عظاته بين العلم والأدب، أو بين الإقناع والإمتاع، يتجلى هذا فيما سطره يراعه من كتب ومقالات، وما فاض به لسانه من خطب ومحاضرات أو دروس وإفتاءات، كان يرتجلها لتوه، ولا يكتبها أو يحضّرها، وحين أصدرت كتابي (الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف) نوَّه به وحثَّ على قراءته.
حفظ الشيخ الطنطاوي عشرات بل مئات القصائد من الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي والأموي باعتباره الحجة في اللغة.
أيَّد الوحدة بين مصر وسورية، ولكن حين أصبحت في عهد عبد الناصر خطرًا على الحريات وعلى حقوق الإنسان، وانتشر التجسس، وعاش الناس في رعب السلطة، وغدا المكتب الثاني (المخابرات) هو الذي يحكم البلاد، وقف مع الانفصال، وأيّده بقوة، وخطب خطبة تاريخية مشهورة، كان لها صداها الواسع، وتأثيرها البالغ على جماهير الناس».
ويقول الأستاذ عصام العطار:
«سمعت الطنطاوي وسمعت به أول مرة في الجامع الأموي في دمشق يرثي الشيخ بدر الدين الحسني الملقب بالمحدث الأكبر في الشام، وكنت طالبًا بالمدرسة الابتدائية، ثم قرأت له في مجلة (الرسالة) فأعجبت بروحه العربية والإسلامية الصافية، وحماسته الصادقة للدين والفضيلة والمثل العليا، وحربه المستعرة على الفرنسيين والإنجليز، والغزو الثقافي والفكري، وانتصاره للعرب والمسلمين المستضعفين في كل مكان، ودفاعه عن حقوق شعوبنا وأبنائنا المضطهدين أو المستغَلين أو المحرومين، وأعجبت بما كان يجلوه على قرائه من صور تاريخنا العربي والإسلامي المشرق التي تبهر العقول وتحرك النفوس وتحفزها إلى رفض الواقع والحاضر الحقير، والسمو بالمطامح والمشاعر بأسلوب جزل سليم جميل».
ويقول الأستاذ زهير الشاويش:
«عاش أستاذنا ووالدنا الشيخ علي الطنطاوي حياة عريضة طويلة، ذات أبعاد في الأفق، وعمق بجذورها في الأرض، وكان له الأثر الكبير في تنشئة الدعاة والأدباء والقضاة والمجاهدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وامتاز بالمروءة والنخوة والفضل.
قاد الأمة في وجه الاستعمار الفرنسي في سورية، ودافع عن فلسطين، وحفظ حقها إسلامًا وعروبة فيما قال وكتب، وسافر من أجلها لنصف الدنيا، وشارك في المؤتمرات والاجتماعات لها، وقمع الملحدين في أيامهم الأولى، وفي محيطه الإسلامي، وجابههم في كل مكان، وجمع مسار العلماء والمشايخ في الأوقاف ومساجد دمشق وغيرها، وكان مالئ الدنيا وشاغل الناس طوال حياته، كنا نعد أنفسنا للجهاد في فلسطين، وكان الشيخ الطنطاوي من أكبر من ساعدنا على ذلك مع أستاذنا الشيخ السباعي».
ويقول الدكتور منير محمد الغضبان:
«كانت حياة الطنطاوي كلها صدعًا بالحق، في العهد الفرنسي والعهد الوطني، لا يخشى زعيمًا ولا كبيرًا ولا رئيسًا، يثني إن كان الثناء لازمًا في موقف معين، وينتقد بعنف حين تنتهك حرمات الله، فلا يقوم له شيء، فوزارة الثقافة والإرشاد القومي عنده وزارة السخافة والإفساد القومي، يهاجم الدولة، وخطبته تنقل على الهواء من مسجد الجامعة، لقد كان الطنطاوي يغذي فينا عنصر الثورة للإسلام، والاعتزاز به، والاستعداد للتضحية في سبيله، ونحن نراه القدوة أمامنا على منبر الجامعة، يخاطب الوزراء والرؤساء، فنقول: لن يخرج إلا إلى السجن أو الموت، في الوقت الذي كانت فيه الدبابات تجوب الشوارع، والعسكر يمسكون بخناق الناس، وما غادر سورية إلا وقال كلمة الحق مجلجة على منبر الجامعة، في الحزب العلماني، والنظام المتخلي عن الإسلام، فكانت كلمة الحق عند السلطان الجائر، وكان قوَّالًا للحق، صدَّاعًا به، ولو كان يودي بحياته».
ويقول الشاعر أحمد محمد الصديق في رثاء عالم الأدباء وأديب العلماء الشيخ علي الطنطاوي عليه رحمة الله في قصيدة بعنوان: (بشائر الفوز):
شدا بفضلك أهل العلم والأدب
أودعت كل عصارات النهى دررًا
إذا تحدثت ناجيت القلوب فما
وإن كتبت فحبات منضدة
أقمتها حججًا للدين دامغة
وتقبس النور من ينبوعه عبرًا
كأنها من رؤى الأسلاف بارقة
لله درك.. والتاريخ حافلة
وكم نسجت لنا من خيطه قصصًا
نعيش أحداثه الكبرى.. تخالطنا
آتاك ربك فقهًا زانه أدب
طلاوة الحرف تجري منك في نسق
كأنه من نسيم الشام تنفحه
نشأت صلبًا على التوحيد ملتزمًا
ولا تهادن طغيانًا ولا بدعًا
والذكريات التي سطرتها نهضت
رويتها بلسان الصدق خالدة
يلقى الشباب بها في شخصكم مثلًا
وللقضاء.. وقد وليته زمنًا
جميع همك للإسلام تحمله
وقد تجشمت فيه ما ينوء به
فاظفر بما شئت في الفردوس من رتب
يشع لألاؤها العلوي في الكتب
في الحاضرين فؤاد غير منجذب
من عسجد.. رقرقت كالسلسل العذب
بها يضيق ذوو البهتان والريب
تجلو الحقائق في أثوابها القشب
تهدي إلى الرشد.. تأسو الجرح عن كثب
يداه.. تزخر بالأمجاد.. والنوب
محبوكة مثل حبك الدر بالذهب
شخوصه.. كاختلاط اللحم بالعصب
وحكمة نلت منها غاية الأرب
مذاقه الشهد يشفي الروح من عطب
من عطرها بردى ريانة السحب
كالسيف.. تكره طيش اللغو واللعب
ولا يخيفك سوط الظلم والرهب
شهادة عبر أشتات من الحقب
عبر المدى.. نزفت مشبوبة اللهب
يقفو خطاه إلى الإصلاح في خبب
عهد الوفاء وثيق غير منقضب
عبئًا ثقيلًا من الآلام والتعب
طود.. وآن بلوغ المنزل الرحب
من أقواله
كتب مقالة رائعة بعنوان: (نحن المسلمين) جاء فيها:
سلوا عن ديار الشام ورياضها، والعراق وسوادها، والأندلس وأرباضها.
سلوا مصر وواديها، سلوا الجزيرة وفيافيها، سلوا الدنيا ومن فيها.
سلوا بطاح إفريقية، وربوع العجم، وسفوح القفقاس.
سلوا ضفاف الكنج، وضفاف اللوار، ووادي الدانوب.
سلوا عنا كل أرض في «الأرض» وكل حي تحت السماء
إن عندهم جميعًا خبرًا، من بطولاتنا وتضحياتنا ومآثرنا ومفاخرنا وعلومنا وفنوننا.
نحن المسلمين!!
هل روى رياضَ المجد إلا دماؤنا!
هل زانت جنات البطولة إلا أجسادُ شهدائنا!
هل عرفت الدنيا أنبل منا وأكرم، أو أرأف أو أرحم، أو أجلّ أو أعظم، أو أرقى أو أعلم!
نحن حملنا المنار الهادي، والأرض تتيه في ليل الجهل، وقلنا لأهلها: هذا الطريق!
نحن نصبنا موازين العدل يوم رفعت كل أمة عصا الطغيان.
نحن بنينا للعلم دارًا يأوي إليها حين شرده الناس عن داره.
نحن أعلنَّا المساواة يوم كان البشر يعبدون ملوكهم ويؤلهون سادتهم.
نحن أحيينا القلوب بالإيمان، والعقول بالعلم، والناس كلهم بالحرية والحضارة.
نحن المسلمين!
قوتنا بإيماننا، وعزُّنا بديننا، وثقتنا بربنا.
قانوننا قرآننا، وإمامنا نبينا، وأميرنا خادمنا.
وضعيفنا المحق قوي فينا، وقوينا عون لضعيفنا.
وكلنا إخوان في الله، سواء أمام الدين.
نحن المسلمين!
نماذج من شعره
«اذكروا الأقصى»
المرأة الشلاء تحمي بيتها
هو حصن حق غاب عنه حماته
لا العطر والند المصفَّى طيبه
يصلى المصلي النار في جنباته
أينام من تقري المدافع سمعه
أينام من يمشي اللهيب بداره
أنبيح بيت الخالق المعبود؟
هو قلعة لكن بغير جنود
لكنّ ريّاه شذى البارود
والمسلمون بنومة وهجود
صوت يزلزل قنّة الجلمود
يشوي حميم لظاه رمل البيد
«لبيك.. لبيك»
لبيك ربي قد أتيتك تائبًا
لبيك جُدْ بالعفو عني ليس لي
لبيك ربي المسلمون تفرقوا
أيُرَدُّ محتاج أتى يتضرع؟
أملٌ بغير العفو منك ومطمع
من ذا يوحدهم سواك ويجمع
«عودوا»
عودوا إلى النهج القديم فإن هذا العود أحمد
عودوا يَعُدْ مجد الجدود ويوم بدر يتجدد
وتروا صلاح الدين عاد ويوم حطين الممجد
وفاته
في مساء يوم الجمعة الثامن عشر من شهر يونيو (18/6/1999م) انتقل إلى رحمة الله تعالى، وهو في مستشفى الملك فهد في جدة. وقد صُلي عليه في الحرم المكي الشريف، ثم دُفن في مكة المكرمة وكان قد بلغ التسعين من عمره.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 879