المحاسب القانوني صالح عبد الله النعيم رحمه الله
نِعِمَّا رِجالٌ عرفتهم (23 )
1363-1441هـ
هكذا هي الدُّنيا ،متاعٌ قليل، وظلٌ زائلٌ، وأمَلٌ مُنقطع ،تأخُذُ الأحباب ، وتُفَرِّقُ الأصحاب ، لاتُبقي على أحدٍ ، ولايدومُ لها حال، هي السَّرابُ ولاعين له ،ولانستطيع أن نراه ،نلهث وراءها،وحين نظنُّ أنَّنا وصلنا لانجد شيئاً!!ونجدُ أنَّها لاشيء..أجل هي السَّراب
وهذا عنوان قصيدةٍ لي نُشرت في مجلة النور الكويتية قبل ثلاثين عاماً ،في العدد83محرم صفر 1411هـ قلت في مطلعها:
وأطِبْ مَعَادَكَ فالمآلُ فِرَاقُ
فالكُلُّّ في ركبِ الحَيَاةِ رِفاقُِ
والكُلُّ في دُنيا العَناءِ يُعاقُ
قَدَرٌ علينا والرِّضا إشراقُ
ويقينُنا ماقَدَّرَ الخَلَّاقُ
وهوَ والمُضَمِّدُ للفؤادِ صِفاقُ
لكأنِّي فيما كتبتُ أجَسِّدُ حالة نفسي بعدما سمعتُ خبراً كان وقعهُ كالصَّاعقة من فجأته عندما أُخبرتُ بُعيد عصر يوم الأحد 28/10/1441هـ الموافق 21/6/2020م بوفاة الأخ الكريم ،والصديق العزيز، المحاسب القانوني صالح عبد الله النُّعيم رحمه الله والذي يُعتبر من أحد أشهر المحاسبين القانونيين على مستوى المملكة ،أجل كان وقع الخبر شديداً عليَّ ،واغرورقت عيناي بالدموع،وكنت متواصلاً مع أبنائه في مرضه ،وكان آخر اتصال لي مع ابنه البكر الدكتور عبد الله صالح النعيم حفظه الله حيث طمأنني بأن عسى أن يكون والده بإذن الله قد اجتاز الحالة الحرجة فحمدت الله ودعونا له ، وكنت لسنواتٍ طويلة على تواصلٍ دائمٍ معه،لاننقطع عن بعضنا يومياً بالواتس آب حتى أثناء فترة الحظراتصلت به وتواعدنا في مكتبه وحين قابلته قال لي بأنََّّني اليوم تذكرتك قبل اتصالك وجُلت في خاطري فقلتُ له: سبحان الله تلك الحاسة السَّادسة التي تقرِّبُ الأرواح لترسل طيوفهارحمه الله وماأطيب ذكره وأجمل ذكراه عندي لكن هكذا هو الأجلُ والقدر يأتي بغتةً ولانقول إلا مايُرضي ربَّنا رحمه الله وغفر له .
وكنتُ قد تعرَّفت عليه عندما جاءني للعلاج قبل أكثر من عقد ونصف من الزَّمان في عيادتي الخاصة في المبرز في لأحساء وكنت طبيب أسنان العائلة حفظهم الله جميعاً وأحسن عزاءهم وعزاءنا فيه وقد كان بيني وبينه علاقةٌ وود، وصحبةٌ وعهد، وصداقةٌ ووفاءٌ وماأطيب جلساته وذكرياته، وأرقى دعواته وسهراته ،وكنت والله أحبُّه من الأعماق وأشعر أنَّهُ يُكِنُّ لي ماأُكِنُّ له ويبادلني نفس الشعور ، والأرواح جنودٌ مجنَّدة ماتعارف منها ائتلف ،رحمه الله.
كان صفيَّ الودِّ زكيَّ النَّفس، راقي الطَّبع، محبَّاً للخير، ساعياً للبر، واصلاً للرَّحم ، يعرف أقدار النَّاس ، ويُجِلُّ علماءهم ،وقد ابتنى لوالده مسجداً في حي السَّلام سمَّاه باسمه وفيه حلقات تحفيظٍ للقرآن كأنَّها خلايا النَّحل درس في حلقاتها ولديَّ زهرتي فؤادي سعدٌ وزيدٌ ، وكذلك ابتنى لوالدته مسجداً كذلك في حيِّ الرَّبوة في الهفوف وسمَّاه باسمها ،وابتنى لزوجته مسجداً في أبها له أوقافٌ تخدمه رحمه الله وجعل كل ذلك في موازين أعماله وماأروع البربالوالدين وأعظم ثواب صلة الأرحام حيث يؤتي أُكُلَهُ في الدنيا والآخرة .
كان بيننا زياراتٌ وسهرات ودعواتٌ وجلساتُ سمر كنت أحبه ومجلسه وكان يأنس بي ويحبُّ مجالستي وصحبتي وقد شرفت وسعدتُ بزيارته لي في بيتي في حي القادسية ، وكنت أتردَّدُ على على مجلسه بفتراتٍ متباعدة مساء السبت بين العشاءين ، وقد دعاني وثلَّة من الأطباء الفضلاء قبيل الحظر مباشرةً أي قبل أربعة أشهرٍ إلى مزرعته الجديدة بالقرب من نادي الأحساء الأدبي وقد طُلب مني ليلتها آخر قصيدةقلتها في هَجَر( فلاهجرٌ بهجر بل وصال )فألقيتها في تلك السهرة الرائقة ،وكانَّ مطلعها يصف أهل الأحساء وصفاتهم لأراها كأنها تتحدَّث عنه حقيقةً وتصف حاله وتحكي عن صفاته حيث قلتُ فيها:
ومرآها السَّماحَةُ والجَمَالُ
كَأَنَّ البَدْرَ صورَتُها أَخَالُ!!
لَهُمْ فيها تراتيلٌ وحالُ
وتَحْكيها المَحَامِدُ والخِصَالُ
كِنُورِ الشَّمْسِ تَجْلُوهُ الفِعالُ
وجَنَّاتٌ بِها يحلو المَقالُ
وأروِقَـــةٌ بِسَـلْسَـلِها زُلالُ
وفيها الحُبُّ يَهْمي والظِّلالُ
تُجَلِّيهِا الأصَالَـةُ والخِـلال
رحمه الله وكان قد أقام لي وللدكتور يوسف الجبر هذا الرجل الأصيل النَّجيب حفظه الله ورعاه رئيس النادي الأدبي حينذاك حفلاً تكريمياً قبل عشر سنواتٍ في بيته تقديراً لنا على جهودنا في خدمة الفكر والأدب والثقافة حضره حشدٌ كبيرٌ من المثقفين والأدباء والوجهاء مع مجموعةٍ من الأطباء الفضلاء ذاك الحفل لاأنساه كتبت عنه جريدة الوطن https://www.alwatan.com.sa/article/66497
كان رحمه الله سليم الصَّدر ،سخيَّ النَّفس ،من الذََين يألفون ويؤلفون، ناصحاً محبَّاً ،وعن هذا يقول ابن رجب الحنبلي عن بعض السَّلف
أفضل الأعمال سلامة الصُّدور، وسخاوة النُّفوس ،والنَّصيحةُ للأمَّة ،وبهذه الخصال يبلغ المرء مالايبلغه بصلاته وصيامه وأعماله وفعاله فأعمالُ القلوب أبهى وأجلّ وعليها المُعَوَّلُ بل هي الأسُّ فإنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات أجل صلاحها وكمالها وقبولها وجمالها.
وماأجمل ماقال شاعرنا البهيُّ الدكتور العشماوي في ذلك:
ويفيضُ بالحبِّ الكبير قُلُوبُ
في القلبِ ميزانُ العبادِ فإن صفا
رحمه الله وكان هو كذلك سليم الصَّدر،ذو قلبٍ محب أجل ولئن غاب عنا بجسده ومظهره فحسُّه وطيبه وذكره بالخير لايزال معنا وقلوبنا تلهج بالدعاء له وندعو الله أن يتقبله في الصَّالحين وقد أرسلت لأبنائه وإخوانه وأسرة آل النًُُّعيم برسالة تعزيةٍ فيه قلت فيها:
خبرٌ كان وقعه كالصَّاعقة بعد تلقَّيه، فهو أخٌ عزيز ، وصديقٌ وفيٌ،وصاحبُ ودٍ،ولانقول إلا مايُرضي ربَّنا،إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، رحمه الله وغفر له وأحسن إليه وتقبَّله في علِّيين ونشهد لهذا الرَّجل أنَّهُ كان كمُسمَّاه صالحاً،طيِّب القلب، زكيَّ النَّفس ،مُحِبَّاً للخير، ساعياً للبِرِّ،هذا مانشهد به ولانُزكِّي عل الله أحداً.
كان نِعِمَّا الأخُ ،والصَّاحبُ ،والخِلُّ، والصَّديق ،أي والله ،مواقفه لاتُنسى، وتكريمه لي لاأنساه ،جعله الله في موازين أعماله وهو رجلٌٌ كريمٌ قدم على أكرم الأكرمين ، وإنسانٌ لطيفٌ قدم على اللطيف الودود، والله لطيفٌ بعباده، وهو أرحم الرَّاحمين ،رحمه الله ،وطيَّب ثراه وأحسن مثواه، وختم لنا وله بالحُسنى، وتقبَّلنا في علّيين، اللهم آمين والحمد لله ربِّ العالمين.
وسوم: العدد 882