سوار الذهب رئيس السودان
قاد إنقلاب و وعد بتخليه عن السلطة بعد سنة و تسليمها لمن ينتخبه الشعب ، و نفذ وعده زهدا في الدنيا و خشية لله.
يقول الاعلامي عماد الدين أديب
فشلت 4 مرات في إقناع المشير عبدالرحمن سوار الذهب بإجراء مقابلة تلفزيونية معه للإجابة عن سؤال الأسئلة الذي ظل يحيرني، وهو: “كيف يسلّم رجل في السلطة مقاليدها لسلطة منتخبة ويلتزم بوعده باليوم والسنة والساعة والثانية؟!”.
«يا إلهى» 3 أيام بطولها وعرضها سوف يتاح لي أن أكون في صحبة هذا الرجل الاستثنائي الذي عشقت فروسيته ونبل أخلاقه وتعاليه على السلطة والجاه والشهرة وأية مكاسب شخصية طواعية وعن إيمان
تسلم المشير عبدالرحمن سوار الذهب سلطة الحكم في 6 أبريل 1985 بطلب من القوى السياسية والعسكرية والأمنية من أجل إدارة شؤون البلاد لحكم انتقالي، يتم بعدها نقل السلطات لسلطة مدنية منتخبة.
وبعد 12 شهراً، أي في يوم 6 أبريل 1986، أي بعد عام بالتمام والكمال، وفي تمام الثانية عشرة ظهراً بالدقيقة، سلم المشير سوار الذهب السلطة إلى الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة، الحاصل على الأغلبية النيابية، والمسمى رئيساً للحكومة.
كيف يسلم من يملك «القوة» و«السلطة»، وأيضاً حب الشارع له، السلطة طواعية بعد 12 شهراً بالتمام والكمال دون أن ينتفع بقرش واحد أو مصلحة أو يحصل له أو لأي من عائلته على أي مصلحة ذاتية؟
ظل هذا السؤال يدق على أبواب عقلي حتى جمعتني الظروف في ندوة حوار، أو بالأصح «ورشة نقاش مغلقة» ضمت خمس شخصيات عربية من البحرين، ولبنان، والسعودية، والجزائر، والراحل العظيم، والعبد لله.
وظللت ألفّ وأدور حوله بالسؤال، وهو يتهرب من الإجابة، حتى جاء اليوم الأخير قبل السفر، ليلتها ذهبنا إلى دعوة على العشاء في أحد مطاعم «المنامة» عاصمة البحرين، وانتحى بي جانباً وقال: «يا سيدي أنا أخشى على نفسي من بريق السلطة ومن غدرها، وأخشى على نفسي من المسؤولية التي تفرضها علىّ كوني «ولى أمر» المواطنين».
ثم أضاف وصوته -بالفعل- يكاد يختنق من التأثر: «وأخشى على نفسي أني سوف أقف ذات يوم أمام مليك مقتدر وأحاسب على ما فعلته في شؤون الحكم وحوائج الناس».
وختم مقولته: «أنت تعرف أن لمن خاف مقام ربه جنتين، وأنا أخاف ربي وأرى أن السلطة لها شروط والتزامات لا تتفق معي ولا أتفق معها».
سألته: إذاً، ماذا تريد؟
أجاب على الفور: «راحة البال وسكينة النفس والاستعداد للقاء ربي».
ولقي المشير سوار الذهب ربه منذ أيام عن عمر «83 عاماً» وتم دفنه في المدينة المنورة، وهو خامس رؤساء السودان، وأول من يدفن خارجها بناء على وصيته التي استجاب لها الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي كانت تجمعه «صداقة وعلاقة ود شديدة مع الراحل العظيم».
عاش سوار الذهب عيشة الزهد الحقيقي، بعيداً عن أي رغبة في مال أو جاه أو سلطة أو مظهريات.
ويروي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، أنه علم بالصدفة أن المشير سوار الذهب موجود لأداء فريضة الحج دون إخطار مسبق للديوان الملكي، فأمر بالبحث عنه، فوجده مقيماً في فندق «الكندرة»، وهو فندق تاريخي قديم في جدة وبعيد عن الفخامة، ولكن أجرة الإقامة فيه معقولة.
وحينما حضر سوار الذهب للقاء الملك عبدالله عاتبه خادم الحرمين على «أن الصداقة بينهما كانت تستدعي أن يخطره حتى يوفر له الديوان الملكي جميع التسهيلات المتبعة مع الأصدقاء من زعماء الدول السابقين».
يومها رد سوار الذهب: «سامحني يا أخي لكنني أردت أن يكون ثواب الحج كله على نفقتي الخاصة».
كان الزهد هو مدرسة سلوك وتفكير هذا الراحل العظيم، وقد أتاحت لي صدفة عجيبة أن أكتشف هذا الأمر بنفسي، ففي رحلة المنامة، اختلطت حقيبة سفري بحقيبة سفره، وكانت كلتاهما تشبه الأخرى تماماً، وحينما وصلت حقيبته للقاهرة، ووصلت حقيبتي للخرطوم اكتشف كل منا الخطأ.
في الخرطوم، اكتشف المشير سوار الذهب وهو يفتح الحقيبة، وهو صاحب الجسد النحيل الرشيق، ملابس «إكسترا لارج» ديناصورية الحجم، بينما في القاهرة اكتشفت في حقيبتي بدلة صيفية من القطن وجلباباً سودانياً، وسجادة صلاة ومسبحة ومصحفاً وكتاباً عنوانه «الزهد في الإسلام»!
وسوم: العدد 883